بماذا أبدأ أو بأي حرف هجائي أكتب أو كيف أجمع شتات أوراقي الممزقة وكلماتي المبعثرة؟؟..
إن الزمن جعلني قصة يرويها قلبي على نفسه.. لا أحد يرويها غيره، وبطلها الحزن العظيم الذي يسيطر علي في أي وقت يريده، ويستولي على جميع ما أملك من سعادة وفرح، ويا لضعف قوتي وقصر جهدي أني استسلم له وأسمح له بالدخول دائماً واجعله يجني عليّ ويطعنني حتى أموت.. ليتها طعنة واحدة وينتهي الأمر لكنها طعنات تعذبني قبل موتي، فيا لنفسي المسكينة الضعيفة التي تقف وحدها أمامه وتستسلم له وتجعله يقتلها، تقف صامدة لا تفعل سبباً من الاسباب للدفاع عن نفسها.
سألت هذه النفس المسكينة لماذا أنت دوماً ضعيفة؟
قالت: فكيف اصبح قوية وسم هذا المرض رماني على فراش الموت فأصبحت لا أقدر أن أحرك جسمي.. كل ما بداخلي يؤلمني.
آه آه يا حزني الدائم.. منذ سنين وأنت رفيقي، ولكنك رفيق السوء لي؛ فوالله لم أرَ منك نسمة وفاء أو ابتسامة مشرقة أو شمعة أمل مضيئة تنير لي طريق المستقبل.. فارحل من حياتي أرجوك واجعلها تستنشق رائحة السعادة العطرة لترد أنفاسها الباقية واجعلها تطيب من الداء المؤلم الذي جعل مأواه ومسكنه داخل روحي.
ارحل واجعل قلبي تتفتح زهوره للحياة.. اجعله يعيش ما تبقى له من أيام.. ارحل عن قلبي فقد أزعجني أزيزه، وهو يردد حروف اسمك مع كل نبضة ينبضها.. ارحل عني وفك قيودك عني أرجوك.. أرجوك.
يا ترى من الذي أعطاك كامل الحرية لقتلني وقتل غيري من الأبرياء؟ لماذا لا توجد شرطة أو قضاة حتى تحكم عليك بالسجن للأبد لأفعالك المجرمة.
ما الذي دهاني ودهى الناس بك أيها السم القاتل؟ كانت البسمة لا تفارق محيانا، والآن بسمة ولكن تجرّ خلفها قافلة أحزان عظيمة ودنيئة تطفئ سناء نور تلك البسمة الجميلة. ما الذي حصل بحالنا في هذا الزمان؟ هل هذا ضعف بنا أم بسبب قلة ذكر الله على ألسنتنا؟ فالناس أصبحت لا تبالي بمن حولها، كل يريد رفع رايته وحده.
فحياتنا أصبحت كسفينة وسط البحار لا يوجد شاطئ أو ميناء يستقبلها، تائهة تسير ببطء، تنتظر فقط أن تغرق وتتحطم وينتهي كل من عليها، فالعين دمعت والقلوب تكسرت والعروق ذبلت والأحاسيس والمشاعر توقفت ولم يتبقَ إلا بقايا روح محطمة يعيش بقايا حطامها في طريق سرمدي مظلم وطويل أوله حزن وآخره دنيا من الأحزان.