((( ليلة سقوط العلف )))
عاد للتو الى قريته بعد أن غاب عنها سبعة أعوام متواصلة ... كان الوقت عصراً عندما أستأذن أبويه للخروج الى المزارع القريبة من القرية ليسترجع ولو شيئاً قليلاً عن تلك الأيام الجميلة .
أتجه شرقاً نحو مزرعة عمه فهي تبدو رائعة فزرعها كان يعكس إشعة الشمس وتعانق إخضرار الورق مع إحمرار أشعة الشمس ليكونا لوناً لايوصف ......
وبينما كان ماشياً اذ سمع صوت فتاةٍ تحاول في حمارها ان يقف حتى تعيد عليه العلف فالبنات اللاتي كن معها قد أقفين بعد أن أفهمتهم بأنها في الطريق للحاق بهن .
كان يشاهدها من بعد وهي تحاول جاهدة ان تعيد ذلك العلف الى مكانه ولكن دون جدوى ....
تأمل ملامحها ودقق النظر لأكثر من مرة فاذا هي (( الغالية )) تلك الفتاة التي تزوج أبيها بعد وفاة أمها وكانت عند العاشرة عندما سافر في بعثته الدراسية تلك ...
أستأذنها بلباقة وطلب منها أن يساعدها وعندما سألها لماذا لم يبقين البنات معها ليساعدوها في حمل العلف تلعثمت وقالت :
لقد قمن بحمله سوياً وتأخرت لكي أبحث عن عقد لي كانت أمي قبل وفاتها قد أهدتني إياه بعد أن سقط مني بين الحشائش ... وعندما يأست من البحث عنه حاولت العودة وعند سيري خرجت أرنب صغيرة جفل منها حماري فسقط العلف ....
حمل جزء منه ووقف بجانب الحمار من الجهة الغربية وهي حملت الجزء الآخر وكانت من الجهة الشرقية ليعانق وجهها المحمر خجلاً أشعة الشمس والتي قاربت على الغروب .... بحث عن الحبل ليربط به تلك الحزمة التي كانت معه وهي كذلك فكليهما كانا يبحثان عن الحبل وعندها تلامس كفيهما فتبسما معاً ونظر كل واحد منهما للآخر وهما يلومان ذلك الحبل الذي على الرغم من وجوده الا إنهما لم يشاهدانه ....
ركبت حمارها بعد أن أبتعد عنها وعادت الى القرية ... أما هو فقد عاد مسرعاً الى أمه وحرارة جسديهما ربما لاتقاس بأي معيار كان بعد أن سرى بينهما ذلك الإحساس الجميل ...
نادى على أمه بعد أن أدى صلاة المغرب فجاءت مسرعة فهي الليلة الأولى التي يصل فيها وبداخلها شوق كبير للتحدث معه .... وبدأ الحديث عن أحوال القرية وعندما أسترسلت أمه في التحدث عن أخبار القرية صمتت برهة فبادرها قائلاً :
أخبريني ياامي ماهي أخبار إبنة العم محمد هل مازالت دون زواج ؟؟؟
وهل صحيح ما كنت أسمعه عن تلك المعاملة السيئة التي تجدها من زوجة أبيها ؟؟؟!!
هنا أخرجت أمه آهة عظيمة كانت بداخلها وبدأت تسرد تلك المآسي التي تعيشها (( الغالية )) ... فهي التي تجلب الماء والحطب والعلف وتقوم بأعباء البيت بمفردها على الرغم من وجود أخواتها واللاتي لايقمن بشيء سوى الوقوف أمام المرآة ...
ليتك يابني تقوم بخطبتها فهي فتاة على قدر كبير من الجمال والعفة ؟؟؟!! ليتك تفعل يابني لتحررها من قيود العبودية .
تهلل وجهه فرحاً وقال لأمه :
والله لن أخالفك الرأي فسنذهب ليلة غداً لخطبتها ؟؟!!
ليل طويل ... وأحلام متواصلة ... وأمنيات غالباً ما ترافق كل عاشق قارب على تحقيق أمله ... النظرات المتكرره الى عقارب ساعته والتي كأنها تسير للخلف لا الى الأمام جعلته يبدو كذلك ... غفا فجأة فلم يفق الا في الصباح
.... أشرقت الشمس وأخذا ورقة كانت معه وذهب الى أمه لكي يستشيرها في بعض الأشياء التي تحتاج اليها العروسة وكذلك أمها لتبدو أمام الآخرين في صورة حسنة .... وذهب الى السوق ...حلّ المساء ... القلب يخفق للقاء ... ومع والديه ذهب الى منزل العم محمد .. وعندما أستأذنوا في الدخول تفأجوا بالمنزل يكتظ بالرجال وعند السؤال عن ذلك أفادت عمتها بأن هذا أخيها الضرير والذي يبلغ من العمر ستين عاماً قد قدم لخطبة (( الغالية )) ؟؟؟!!!!
تغيرت ملامح وجه أمه لانها تعرف مسبقاً بأن اباها لايمكن بأي حال من الأحوال أن يغير شيئاً أو يجرؤ بالتحدث عن قرار أتخذته زوجته .
خرجوا من المنزل وهو يحمل صدمة عظيمة وجرح غائر ...
وحلم تبدد من قبل أناس أعطوا القوامة فأسدوها الى أناس لايقيموا لها وزناً ... وليسوا أهلا لها أصلاً ... وأردف قائلاً :
غالباً كل جميل يحترق ... وأن هناك أناس يخلقون متلبسين بالمعاناة .... وعند الموت يكفنون بها أيضاً .
******************** *
(( النغم المهاجر / السعودية
أبها
(( 17 / 03 / 1427 هـ ))
مواقع النشر (المفضلة)