يتساءل الكثير من المواطنين عن مدى تأثير ظاهرة طرح الأسهم والاستثمار فيها على الاقتصاد والمجتمع، وكأنه لا يوجد في اقتصادنا إلا طرح الأسهم متجاهلين الآثار السلبية لمثل تلك الاستثمارات في الأسهم المحلية على التنمية الاقتصادية ومستقبل هذا البلد. إنه معروف في علم الاقتصاد أن إجمالي الناتج المحلي يقيس إجمالي الحركات الاقتصادية في بلد ما، ويتم حسابه بإضافة إجمالي قيمة ما تم إنفاقه على السلع والخدمات "الاستهلاك الخاص، الاستثمار في الأصول بواسطة القطاعين الخاص والعام، الإنفاق الحكومي، وصافي التصدير"، التي تم بيعها خلال عام واحد، فإن إجمالي الناتج المحلي يحدد لنا العوائد من الاستثمار العشوائي في الأسهم المحلية وما تضيفه من قيمة إجمالية إليه، حيث أن الاستثمار في الأسهم لا يدخل في معادلة إجمالي الناتج المحلي مما يعني أنه لا يضيف أي قيمة إجمالية إليه. إذ تصبح عملية الاستثمار في الأسهم المحلية عملية تبادل الرساميل بين المستثمرين، حيث إن القيمة الإجمالية لما يتم استثماره محلياً تبقى كما هي وتصبح العملية الاستثمارية نقلاً لقيمة ذلك الاستثمار من مستثمر إلى آخر. إن اتجاه الشركات المحلية إلى طرح أسهمها بشكل سريع في اقتصاد مازال في تطوره التنموي عملية خطيرة تهدد النمو الاقتصادي السعودي وتقلص من نشاط أهم القطاعات الاقتصادية فيه مثل قطاع الصناعة والتجارة، فمازال الاقتصاد السعودي يبحث عن إيجاد فرص لتنويع مصادر الدخل وتكوين قاعدة اقتصادية عريضة تعوضه عن دخل النفط عندما تتلاشى قيمته الاقتصادية، وهذا لن يتم إلا من خلال تكوين قاعدة صناعية متينة تستخدم رأس المال والتقدم التقني بشكل فعّال وكفء.

إن هذه المتناقضات في اقتصادنا نشاهدها هذه الأيام من خلال شركات الأسهم والعقارات التي لا تتفق مع ما تم التخطيط له في إطار خطط التنمية الخمسية، وهذا يضعف من فرص النمو الاقتصادي والقضاء على البطالة المحلية. إن حصيلة الاستثمار المتسارع في الأسهم المحلية نتيجة لتوافر السيولة لدى بعض أفراد المجتمع وضيق المجال الاستثماري في السوق المحلية له تأثير مباشر على هؤلاء المستثمرين عندما يسيطر الأقلية على سوق الأسهم، وتبقى الأغلبية هي الخاسرة عند معدل من الخطر مجهول لعدم توافر المعلومات الدقيقة لديها، فقد تدفع روح المغامرة والرغبة في تحقيق الأرباح السريعة إلى تقليص حجم المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تمثل أكثر من 90 في المائة من حجم السوق المحلية من خلال إغلاقها، وهذا أمر خطير لابد من النظر فيه وإعادة صياغة الاستراتيجيات الاستثمارية لتدفع عمليات النمو الاقتصادي وتوسيع نطاق السوق المحلية، فهل استغلال السيولة النقدية المعطلة في الاقتصاد يستفاد منها فقط في شراء الأسهم المحلية، ونحن نحاول أن نصبح عضواً في منظمة التجارة العالمية، ولا نستثمر تلك السيولة النقدية المتوافرة في تكوين قاعدة تصديرية تمكننا من اغتنام فرصة الانضمام، وتعزيز موقفنا التنافسي في وجه الشركات متعددة الجنسيات. إننا لا نختلف على أن الاقتصاد السعودي مازال قوياً نتيجة ما حققته أسعار النفط من ارتفاع فاق جميع التوقعات، ولكن فشلنا في تنويع مصادر الدخل، وما يجعل اقتصادنا يتناقض مع ما تم طرحه من استراتيجيات اقتصادية من أجل إيجاد مصادر دخل النفط. كيف نقول إن الاستثمار في الأسهم والعقارات مؤشرات تدل على ارتفاع معدل النمو الاقتصادي ربما هذا يكون صحيحاً في دولة صناعية متقدمة، ولكن في اقتصاد نام لا تجوز المقارنة لأنها مستحيلة لاختلاف التركيبة الاقتصادية بين الدول الصناعية والنامية.

وباستمرارنا في استثمار تلك السيولة المتوافرة لدينا في مجال المساهمات والعقارات بعيداً عن قطاع الصناعة والقطاعات الأخرى التي تضيف قيمة إجمالية إلى إجمالي الناتج المحلي فإننا نعرض اقتصادنا إلى أزمات اقتصادية متوقعة قد يصعب الخروج منها، فإن المؤشرات الاقتصادية، التي من أهمها معدل البطالة لا تشير إلى أن النمو الاقتصادي الحالي قد ساهم في تقليصها لقوة الترابط بين معدل النمو الاقتصادي الحقيقي ومعدل التوظيف، فكلما زاد النمو الاقتصادي انخفض معدل البطالة وهكذا. إن الأهم هو تسخير السيولة المتوافرة في اقتصادنا لخدمة القضايا الاقتصادية الحالية، مثل البطالة والدين العام وتنويع مصادر الدخل حتى نتمكن من مواجهة الزحف التجاري العالمي، الذي سوف يخترق اقتصادنا بكل قوة وشراسة، فإنه مطلوب منا رفع الإنتاجية الاقتصادية السعودية بقصد التصدير وهي الاستراتيجية التي لابد أن نتبناها ونعمل على توجيه تلك السيولة إلى تقويتها وتوسيع سوقها. وبما أن السيولة النقدية متوافرة فإنه لابد من توجيهها إلى الاستثمار في إنشاء شركات صناعية جديدة ذات رأسمال ضخم لتحقيق أقصى قدر ممكن من توظيف تلك الأموال بكل فعالية والدفع بعجلة النمو الاقتصادي خطوة إلى الأمام.


منقول