ولد أم بنت.. ما الفرق؟
اتفق البشر منذ عقود طويلة على أن يلعب الولد بالمسدس وأن تلعب البنت بالعروسة وذلك لأن المجتمع غسل أمخاخ الآباء والأمهات ثم حشاها بقواعد جامدة مرتبطة بجنس الطفل. فهل يشكل نوع الطفل حقا عاملا فارقا في أسلوب تفكيره وتعلمه ونموه وتعرفه؟
يستطيع الوالدان اللذان ربيا أبناء من الجنسين أن يشرحا كيف يحدث هذا الاختلاف منذ البداية من دون أي تدخل منهما، فحين لا تعطي للولد سلاحا يلعب به فسيمسك بأي قطعة خشب ويحولها في خياله إلى سيف يبارز به الهواء أو مسدس يصيب به الأعداء. أما الابنة فهي دائمة الانشغال بإدارة وتنظيم الحياة الاجتماعية المعقدة بين حيواناتها المحشوة من دون أن يخطر بذهنها أن تصطاد أيا منها.. فهل هذا ناتج عن خطأ غير مقصود ارتكبه الوالدان؟ ربما لا.
بالطبع يستطيع الآباء - من دون تعمد - أن يشكلوا الأبناء وذلك حين يتحدثون بلطف ويثرثرون أكثر مع البنت في حين يلاعبون الولد ألعابا خشنة تتضمن الجري حول الأثاث وتبادل اللكمات ـ في الهواء طبعا ـ ولكن عددا كبيرا من الأبحاث يؤكد أنه يوجد في هذا المجال ما هو أعمق من ذلك. فمثلا أظهر المسح الإلكتروني العالي التقنية ان بعض مناطق مخ الولد أو البنت تكون أكبر أو أكثر ازدحاما بالخلايا العصبية من مثيلتها في الجنس الآخر، وان هذه المناطق تستقبل كميات مختلفة من الهرمونات أثناء وجود الجنين في الرحم، مما يؤكد أن ميول البنت أو الولد تبدأ في الظهور منذ الولادة، أي أنه توجد علاقة قوية بين الاختلافات التي تظهر في المخ الطريقة التي يتصرف بها الطفل.
ومع النمو تبدأ هذه الاختلافات الخلقية في توجيهه إلى ما يحب أن يتعلم مع تأكيد أن التعليم ذاته يغير المخ. فعندما يلعب الطفل ويفكر، تنمو خلايا جديدة في أنشط مناطق المخ في حين ان الخلايا التي لا تعمل بنشاط كاف عادة ما تضمر.. بمعنى آخر ان الاختلافات التي تنشأ بين الجنسين داخل الرحم تترسخ أكثر وأكثر. مثل هذه المناقشات والتحليلات تثير بالتأكيد الاهتمام والموافقة والمعارضة، مثلما حدث حين أعلن رئيس جامعة هارفارد ان الإناث لديهم قصور في الحس العلمي بسبب اختلافات فطرية بين النساء والرجال ومع ذلك فمن الصعب معارضة العلم والدلائل التي تزكي حقيقة أن أمخاخ الذكور والإناث ببساطة غير متماثلين.
إليك مناطق الاختلافات الرئيسية:
دراسة اللغات
وجدت إحدى الدراسات ان أجزاء المخ في الأنثى التي تتعامل مع اللغة يكون عدد الخلايا العصبية بها أكثر من المنطقة المماثلة في مخ الذكر، وهذا قد يفسر سبب بدء البنات في الكلام مبكرا بعدة أشهر عن الأولاد، بل ربما يكون لديهن قدرة لفظية أفضل. فالبنات يحسن اختيار وربط الكلمات بعضها ببعض قبل الأولاد، وتكون جملهن أطول وأكثر تعقيدا بداية من مرحلة الروضة، وفي المدرسة الابتدائية تفوق البنات الأولاد في الكتابة والقراءة.
المعادلات الرياضية
جزء المخ الذي يتعامل مع الحس الفضائي (القدرة على تصور الأشكال المجسمة) يكون أكبر عند الذكور.. وهذا يفسر تفوق الأولاد في الدراسة الفرنسية التي تبحث في القدرة على تصور الأجسام ثلاثية الأبعاد فقد استطاع 21% من الأولاد في الثانية من عمرهم بناء جسر من المكعبات في حين أن 8% فقط من البنات قاموا بالمهمة نفسها. فالقدرات الفضائية من أهم الاختلافات بين الجنسين وتظل تنمو وتتبلور خلال الطفولة والمراهقة. ففي المدرسة يظهر الأولاد براعة أكثر من البنات في المواد الفضائية مثل الهندسة ومع ذلك لا يحافظ الأولاد على سمعتهم كملوك للرياضيات فعلى الرغم من أن عدد الأولاد الذين يحصلون على الدرجات الأعلى في اختبارات الرياضيات أكبر من عدد الإناث إلا أن عددا لا بأس به يحصلون على الدرجات الأدنى أي ان الأطفال المتوسطين يكون البنات فيهم أكثر من الأولاد.
المهارات الحركية
ان إدراك الأولاد الأفضل لثلاثية الأبعاد يفسر سبب سبقهم للبنات في السير بثلاثة أو أربعة أشهر وعادة ما يتفوقون عليهن في المهارات الحركية عموما مثل العدو والقفز ومع ذلك فأجزاء المخ المسؤولة عن المهارات الحركية الدقيقة تنضج أبطأ عند الأولاد لذا نجد ان البنات يسبقن الأولاد في الأعمال التي تحتاج للأصابع مثل إمساك القلم وقفل سحاب الجاكيت وتعلم كتابة حروف الهجاء.
البنات والدمى
يبدو ان المهارات الفضائية الأفضل لدى الأولاد تجذبهم نحو الألعاب التي تتحرك مثل الكرة والسيارات وأي شيء يتحرك في الفراغ، فالأمر لا يتعلق فقط بأن الآباء يورثون أولادهم الصفات الذكورية فحتى القرود الذكورية يختارون الألعاب المتحركة داخل معامل الأبحاث، لذا فمن الواضح ان هذا التفضيل مبرمج داخلهم في حين ان البنات تفضل فعلا الدمى (ومع ذلك فهن لهن إحاديات التفكير مثل الأولاد فهن يحببن الكرة والعجلات أيضا) وأحد أسباب حب الدمى هو أن البنات يهتممن بالناس أكثر في حين أن الأولاد يفتنهم أكثر كل ما هو آلي.
الجنس الحساس
تكون أمخاخ البنات أكبر في المنطقة التي تفسر الأحداث وتطلق الأحاسيس المركبة مثل الحزن والتعاطف في حين أن أمخاخ الأولاد تكون أكبر نسبيا في مناطق أكثر بدائية التي تتعامل مع العواطف الانفعالية الفجة مثل الخوف والغضب، وذلك قد يكون السبب في أن البنات يستأن عادة في المواقف التي لا تزعج الأولاد وأن الأولاد يميلون أكثر إلى الغضب والثورة والعدوانية إذا ما قرروا أخيرا إظهار أي رد فعل.
هذا الاختلاف في تكوين المخ قد يفسر أيضا لماذا تكون البنات عادة أفضل في توقع مشاعر الآخرين فالبنات أكثر مراعاة للغير حتى عند عمر الثالثة والخامسة أما الأولاد فمباشرون ويميلون إلى المواجهة، مع ذلك فهم لا يأخذون الوخزات اللفظية والجسدية بشكل شخصي وهذا يجعلهم أفضل في التعامل مع النزاعات، فحين يتعارك الأولاد يتصالحون بسرعة أما البنات فيحملن الضغينة وقتا أطول.
رجال صغار على الطريق
يلاحظ ان الاولاد يعتمدون اكثر على عضلاتهم. بمجرد بلوغ الثانية من عمرهم فهم يجبرون ويقفزون ويلعبون العابا خشنة وقليلا ما يققفون لتبادل الحديث الهادئ ولكن لا يجب تفسير الشقاوة في المنزل على انها عدوانية، فالاولاد المتصارعون يكونون اكثر ودا بعضهم مع البعض الآخر. وقد وجد الباحثون ان البنات يملن الى ألعاب اعداد المنزل وتربية الاطفال في حين يلعب الاولاد العابا فيها موت وتدمير، فالاولاد يلعبون العاب القوة لذا فهم يحبون الابطال الخارقين.
الجنس الآمن
البنات افضل في توقع تبعات تصرفاتهن فتحليلاتهن اكثر حدة مما يدور حولهن وذلك يحفظهن آمنات ويجعلهن اكثر حذرا من الاولاد. اما الاولاد فيشعرون بالبهجة والاثارة في مواجهة الخطر ويبالغون في تقدير قدراتهم الجسدية في حين ان البنات ينقصن من تلك القدرات وذلك هو السبب في ان الاولاد يعتبرون اعتلاء السور المعدني للدرج بلوح التزلج امرا ممتعا ومسليا في حين تراه البنات مجرد جنون ونزق.
عامل الضغط
في دراسات على الحيونات فان عامل الضغط، قصير الامد، يحسن الذاكرة لدى الذكور في حين يضعفها لدى الاناث، مؤكدين ان الذكور يتعلمون بشكل افضل في مواقف الضغط مثل المسابقات والاختبارات المحدودة المدة امام امخاخ الاناث فيبدو انها تتوافق مع التوترات والضغوط، طويلة الامد، حين تكون الانثى اكثر استعادة لحالتها الطبيعية اثناء المواقف المريرة مثل وقوع الطلاق بين والديها ومن المهم ايضا معرفة ما يقوله الاولاد والبنات لانفسهم بعد حالات الفشل، فبنات الابتدائية يقلن انهن فشلن في حل المسألة الرياضية لان قدراتهن محدودة، اما الاولاد فيقولون 'انهم لم يحاولوا ويبذلوا الجهد المطلوب'.
كلهن آذان
اكدت الدراسات المبدئية ان البنات يملن الى الانصات افضل من الاولاد وان الفروق بسيطة جدا في اختبارات الاستماع الاولية ولكن ذلك يشكل فارقا في السلوك داخل الفصل الدراسي. فيؤكد الخبراء على ان عدم القدرة على الاستماع بوضوح يمكن تفسيره بان الاولاد يواجهون اوقاتا عصيبة في التركيز فيما يقوله مدرسو الروضة والمدرسة الابتدائية.
عيون على الألوان
اثبتت الدراسات التي اجريت على الحيوانات ان الخلايا على شبكية العين مجهزة لتلقي الهرمونات مما يدل على ان العين قد تنمو بشكل مختلف في البنات عن الاولاد وقد اقترحت دراسة اخرى ان شبكية عيون الذكور افضل في مراقبة الحركة، في حين ان شبكية عين الانثى افضل في رؤية الالوان والملمس ونتيجة لذلك فالبنات يملن الى التقاط الزهور والفراشات ذات الالوان الزاهية في حين ان الاولاد يختارون السيارات وسفن الفضاء بألوان غامقة ومن المعروف ايضا ان عمى الالوان ينتشر اكثر لدى الاولاد عن البنات.
لا غنى عن اعادة التشكيل
ان الاختلافات بين الجنسين تجري تقويتها من خلال اسلوب تربية الطفل وانه يستحيل اجراء دراسة لا يكون الطفل فيها واقعا تحت تأثير المفاهيم الاجتماعية والقواعد المسبقة لكل جنس، لذا لن نستطيع ابدا تقييم مدى الدور الذي تلعبه هذه الاختلافات الفطرية اذا استطعنا تربية الابناء من دون اي تعديل او تنبؤ بسلوكاتهم.
دفع البنات لقبول التحدي
يقوي الوالدان العديد من السلوكات المرتبطة بجنس الطفل، مثلا حين تتقاعس البنت عن قبول التحديات خصوصا التحديات الجسمانية لايعمل الوالدان على تشجيعها بالشكل الذي يشجعون فيه الولد، فمن دون هذه الدفعة ينتهي الامر بالبنت ولم تتعلم بعض الاشياء.
التركيز على عواطف الولد
تعمل الابحاث عادة على مقارنة 'الولد المتوسط' ب 'البنت المتوسطة' فاذا تجاهلنا ذلك ولو لثانية واحدة وبدأنا القول بان 'الولد يحتاج كذا' و'البنت تحتاج كذا'، فنحن نتجاهل التنوع الشديد في شخصيات الاولاد والتنوع الواسع في شخصيات البنات، وكلهم، الاولاد والبنات، بينهم اختلاف وتنوع واسع في الذوق والاحتياجات.
ومن المؤكد ان الولد يحتاج إلى شيئين، نميل جميعا الى نسيانهما حين نركز فقط على قدراته الجسدية ومستوى نشاط المرتفع، وهما ان الولد بحاجة إلى مزيد من التلامس والمحادثة، فالولد يحب العناق والحمل والتربيت ويحب ان يطول زمن كل ذلك عن الدقائق التي نظن انها كافية.. والولد الصغير قد يطلب العناق كلما احب ولكن اذا ظهر عدم الارتياح على الوالدين سيكف عن الطلب وسيستعيض عن هذا التواصل الجسدي بافعال تبدو تصرفات عدوانية ولكنها في العمق حاجة إلى التلامس الجسدي.
مواقع النشر (المفضلة)