زمن المقصلة

**عاشق طروادة** · 21-04-2006, 04:11 PM

رأسي تحت المقصلة، يداي ترتجفان، شفتاي أشبه بصحارى من ظمأ، عيوني أصابها الأرق، وملّ أنفي من رائحة البن تنتشر في مخيلتي المتعبة كالضباب، الخوف لف حنجرتي…تعدمني الأيام فها أنا أغمد خنجري في كبدي عند إشراقة كل شمس، أعيد شريط حياتي الممل كل ليلة، وبعدها أنام على فتات أيامي في فراشي المحشو بحبيبات الأرُز و سبائك الإسمنت. وأغفو بينما قلبي يبقى يقظاً يحاول تجنب الأحلام الوردية، يحاور كوب القهوة البارد و يتجادل مع علبة السجائر فيحرقها و تحرقه فتنشب النار في جميع زوايا الحياة الزائفة………
أي زمن هو هذا؟ أي ضياع، أي ضياع.
يا حبيبتي الضائعة، اعذريني! فهذا زمن لا يعرف الأمان. هذا زمن تختلط فيه شعلة الولادة برماد الموت، ولهيب الشوق بثلوج السأم………
زمن حيث ينبت البدء والانتهاء من النقطة الزمنية الواحدة، وتتلاحم الرغبة مع الرفض. حيث يعانق اليأس الأمل، وتمتزج القمة مع السفح، ويولد القلق والطمأنينة توأمين. زمن حيث يصير للخشب لون القمر، وللقمر ضوء الخشب، وتتآخى الرحمة مع الشدة، والعسر مع اليسر، ويصير للغفران والقصاص ملامح الوجه الواحد .
زمن حيث ينعدم الفرق بين الوداعة والخبث، ويغدو للباطن والظاهر بعد أفقي واحد مسطّح، وتتفشى بقعة الليل لتختلط بضوء النهار، وتصير الغيوم غبار الأرض، ورمال الصحارى سحب السماء والمطر.
فماذا قد نفعل يا حبيبتي حين يحل زمان لا يعرف فيه إنسان أهو المسافر أم هو المودّع؟ أهو الظالم أم هو المظلوم؟ أهو الرقبة الذبيحة أم هو السكين الذابحة؟
أو حين تتزلزل المقاييس والمكاييل والموازين، وتختلط كل القيم، ويصير للخيانة والوفاء والكذب والصدق لون واحد ووجوهٍ لعملة واحدة.ولا يكون ثمة ما يميّز اللبن عن الخشب والنجوم عن الحصى والفرح عن الاكتئاب……
إنها ولا شك مأساة العصر، فأية حياة تلك التي أعطت إنسانها المعذب أغلى وأقدس المبررات للبحث عن طريق ما نحو الخلاص…………