حمل أمتعته بتثاقل.. جارا قدميه بوهن.. جال ببصره يمنة ويسره.. أحس بالغربه وشعر بوخز في فؤاده..


الوجوه تعبر من أمامه, وأصوات القبلات تطير إلى أذنيه.. وكلا قد أحتضن رفيقه أو قريبه فرحا بسلامه الوصول..

أما هو..فلم يقبله أحد ولم يحتضنه أحد ولم يجد أحداً ينتظره.. حرارة الدمع تشتعل في عينيه لكنه أخمدها بصموده..

اتكأ على حافة الجدار تاركاً أمتعته تهوي إلى الأرض.. وأخذ يجول ببصره أكثر عله يعرف أحداً هنا.. فيحتضنه

ويقبله أو حتى يشفق عليه.. تذكر زوجه المسكينة وصغاره الأربع.. كم تألموا عند وداعه.. وكم تعلق أطفاله بثيابه

لئلا يرحل.. وكم بكت زوجته حزناً وألماً على فراقه.. تذكر مرارة الحياة وقسوة البشر.. تذكر حياته البائسة في

كوخ الفقر والحرمان.. تمنى لو بقي مع زوجته وأبنائه صابراً على شظف العيش بدل من السفر للعمل.. أخذ

يجول ببصره مرة أخرى فعانقته مشاعر الغربة والوحشة أكثر وأكثر.. أختنق بدموعه مسحها بكمه وأحتجز

الباقي.. وضل مطرق الرأس.. سمع صوتاً من خلفه:

- يا أخ يا أخ - أدار ظهره - ممنوع الوقف هنا .

لم يستطع أن يتحدث فلسانه لا يقوى على الكلام, وشفتاه تعجز عن الحركة.. فأخذ يتأمل رجل المرور بعينيه

الذابلتين ووجهه الشاحب وثيابه الرثة.

صرخ رجل المرور في وجهه وقال:

ما تسمع!! أقولك ممنوع الوقوف.

شعر بالأسى يعتصره.. تعجب من قسوة رجل المرور.. ألا يعلم أنه غريب.. أحس بالهموم تحيط به من كل

جانب.. شعر بالخوف بهدد حياته.. صرخ صرخة حزناً في أعماق نفسه أرتعش لها جسده.. لكنه أستدرك

تذكر أن في جوفه قلباً يهتف بحب الله يحمل شمعه الايمان التي تضيء دربه..

فردد في نفسه :  ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب 

ثم غاب بين الجموع





[glint]جود[/glint]