[align=center]الثلاجـــــــة [/align]


مساءاً... الساعة الثامنة تماماً.
استيقظ َ من نومه على صوت كأسٍ زجاجية تهشمتْ.
هو يعيش وحده في هذه الغرفة ولا أحد معه.
لم يتحرك من مكانه وكأنه عرف السبب...
مدّ يده من تحت الغطاء بقليلٍ من الخدر وكبس مفتاح الإنارة.
كشف عن رأسه وأخذ ينظر إلى زاوية الغرفة .. (لايفكرُ في شيء) مجردُ بحثٍ عن لحظة سكونٍ لا أكثر.
(( سق سق سق ... صوت الفئران التي تسكنُ خلف الثلاجة))
الفئران هي السبب في الجلبة التي قبل قليل.. تخرجُ من وكرها تتسلقُ هناك إلى كيس الخبز الذي تعفن من يومين.. تأخذ منه وتنصرف.
..............

اليوم هو الخامس عشر من مارس ...
الشهر الماضي لم يعطِ صاحب المنزل إجاره بالكامل كما هي العادة.
تذكر أيضاً أنه أنفق كلّ مالديه وهو الآن لايملكُ شيئاً.
كلماتُ أبيه وهو يقول له ( متى ستتعلم النظام ؟) لا زالت تتردد في أذنيه، وهو حتماً يسعى لذلك بالرغم من أن الثالثة والثلاثين خـَـطـّـتْ بقلمها في مفرق رأسه لكنه مازال يحاول..
سق سق سق الفئران من جديد ..
تخرجُ من تحت الثلاجة الصغيرة التي تقبع هناك.
هذه الثلاجة التي لا يتعدى ارتفاعها متراً واحداً يعيشُ تحتها أكثر من عشرة فئران (هذه آخر إحصائية)، يقتاتون كل مايقع تحتها أو تصل له أنوفهم.
..............

زميله بالجريدة كان قد أقرضه خمسين فلساً الشهر الماضي وهو الآن بالكاد ينتظر متى يردها إليه.
الغرفة رطبة جدا، والنافذة منطوية في ستارها الخانق..
وليس غير تكات عقرب الساعة وأزيز مكنة الثلاجة بين فترة وأخرى.
وعندما يكون الجو رطباً أو بارداً فإن الفئران تختبؤ خلف الثلاجة بحثا عن الدفء.
هي تظن في قرارة نفسها أنّ الثلاجة هي ألأم الوحيدة التي يحتمون خلفها هنا، وهي أيضاً أم جميع الصراصير التي هناك ، وهي أمّ البقّ الذي لايبصره أحد.
خلف الثلاجة تسقط بعض الأكواب البلاستيكية وبقايا أوراق أو مناديل جافه، وهي تشكل مع بعضها منتجعاً لطيفاً لحمل الفئران على الإستقرار والإزدهار...
قلـّب بصره قبل أن ينهض... إستهواه السَرَحَانُ كثيراً وهو يبحثُ عن حلّ.
نهض..
ارتدى ملابسه ، وربط حذائه وخرج..
..............

سق سق سق ...
الفئرانُ تزاول حياتها تحت ومن خلف الثلاجة(الأمُّ).
الوقت يسير ببطئ شديد...
..
..
..
..
..
في الساعة العاشرة مساءاً يُفتحُ باب الغرفة الخارجي..
يدخلُ رجلٌ..
بل ثلاثة رجال..
تحدُثُ ضجة ٌ وحديث وجدل..
ترتبك كل الكائنات هنا...
وفجأة هدأ كلُّ شيء... وخرج الرجال وبقي ضوء الغرفة مشبوباً.
..............


في صباح اليوم الثاني... لم يكن هنا من أحد. كان صاحبنا يعمل بالجريدة . البيتُ كان هادئاً تماماً.
هاجرتْ كلّ الفئران من هنا وانتقلت إلى زاوية أخرى بعيده.
صراصير البيت (أيضاً اختفت)
عاد المحيط ُ رطباً جداً من جديد.
الجميعُ يتسائل فقط ( أين ذهبت الثلاجة؟؟!! ) وقد أصبح مكان الثلاجة فارغاً وموحشاً.

... عندها ساد صمتٌ أغرق الغرفة
في السكون حتى السقف(بلااا جواب))..





من بين أوراقي... 2/2/1427هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ