لم يكن الماء ذلك السائل الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة، بل تجاوز ذلك إلى الحد الذي وصفه به الإمام علي بن أبي طالب بقوله بأنه: (أعز مفقود وأهون موجود)!
الماء لم يكن مادة من موائد الحياة الضرورية، بل هو المكوّن الأساسي لحياة أي مجتمع والويل لأمة تعاني من شح المياه!
لقد وصفت الحروب في هذا القرن- القرن الحادي والعشرين، بأنها ''حروب مياه''، وتبدو المشكلة في المنطقة العربية واضحة- كل الوضوح- لأنها مناطق صحراوية مهددة بالعطش، وقد كانت قبل سنوات تناقش جدوى السدود والحواجز المائية، ومع الأسف الآن أصبحت تناقش ''مكافحة التصحر'' و''محاربة الجفاف'' و'' طرق ترشيد المياه''!
يجب على كل فرد من ''أفراد المنطقة العربية'' قبل غيرها من المناطق أن يفكر ملياً قبل إدارة صنبور الماء، سائلاً نفسه: ماذا لو فقدت هذا السائل العذب؟ كيف ستكون الحياة؟... يجب أن يتدبر الأمر كل عربي، فهو- أي العربي- ليس كالجمل في الصبر، ليس كسفينة الصحراء الذي يستطيع الاستغناء عن الماء لأيام وأسابيع... بل هو إنسان ضعيف بالكاد يتجاوز ساعات الصوم ''إن كان من الصائمين''!
لقد كثرت الدراسات والتوصيات التي تحث وتنبه على ضرورة الاهتمام بقضية المياه، ترشيداً وتوفيراً واستخراجاً واستمطاراً... ومن الغريب أن بعض الدراسات تؤكد أن أكثر من نصف المياه تستهلك في ''مراحل الوضوء'' والاغتسال بسبب الإسراف في استخدامها..
من غير المعقول أن نرى المستقبل مستقبلاً جافاً يابساً ممتلئاً ظمأ وجفافاً وسراباً، ونجلس على أرائكنا مهدرين الوقت في الجدل العميق حول ''إمكانية ضرب أمريكا لإيران النووية'' أو الخصام والتدافع حول ''قضايا كشمير'' ومسائل ''الشيشان ''وإشكاليات أفغانستان'' في حين أننا بوصفنا دولاً وأفراداً مهددون بالعطش ومنذورون بالجفاف في غضون سنوات لا تتجاوز المسافة بين نهري ''دجلة والفرات''!
لقد قال نبي الرحمة صلى الله عليه وبارك ''لا تسرف ولو كنت على نهر جار'' قال هذا على اعتبار أن المسلم يعيش على نهر جار فما بالك والعرب يعيشون في أماكن ما بين وطن مصاب بالعطش، ووطن مهدد بالجفاف في مستقبله القريب!
إن الماء فضلاً عن أنه حاجة أساسية للبشر، هو أيضاً شرط لتعمير الحياة الدنيا التي أمر الله عز وجل عباده بعمارتها على اعتبار أنهم ''خلفاء الله في الأرض''، والماء الذي عليه العباد يتخاصمون هو عصب هذه العمارة إنه ذلك السائل الذي جُعل منه كل شيء حي!
مواقع النشر (المفضلة)