للبكاء لغة لا يعرفها إلا أصحاب القلوب الرحيمة تماماً، كما يتلوع بها قلب يتيم فقد ابويه أو قلب أم فقدت ولدها ورحل وهو في عمر الزهور.
لكن ماذا يحصل عندما يسقط الجدار مبكراً ويرحل عزيز لنا من هذه الدنيا إلى دنيا اخرى وهو ما زال في عمر الزهور؟ فمن الصعب جداً على المرء أن يدرك ماذا يفعل في هذه المصيبة أو المأساة، عندما نرى أن الجدار الذي كنا نحتمي خلفه جميعاً قد انهار ورحل ولم يترك لنا سوى شريط من الذكريات الاليمة وبحر من الدموع نبحر به في كل مساحات العمر وفي كل مساحة من مساحات حياتنا وفي كل زاوية من زوايا البيت حيث كلنا يتذكر أنه كان هناك يركض ويلعب ويدرس ويلهو ويمرح ويضحك. ليأتي الموت بعدها فجأة ويخطفه من حديقة طفولته وتكون الاجابة هي مشيئة الله تعالى.
فبعد رحيل عزيز لنا أو من كنا نتقاسم لقمة العيش سوياً كم تصبح الأيام ثقيلة محملة بعبء كبير من الألم وتصبح الساعات طويلة والشهور مديدة ونغرق في الذكرى ونبقى نشعر بالوحدة بالرغم من أن الجميع حولنا ونحن في جو ضجيج ويقتلنا الظلام بالرغم من أننا في وضح النهار.
وهكذا تحول الفرح إلى حزن وسقط الجدار الذي كنا سنحتمي خلفه لأنه رحل وهو في عمر الزهور ولكنه كان كالراشدين في حياته كان راشداً في عقله وعلمه وكان راشداً في اخلاقه ومدرسته وكان راشداً في تصرفاته وهدوئه ولهوه وكان راشداً في ضحكه ومرحه وفرحه ولعبه وكان راشداً لكل أهله ومن حوله.
رحل وهو في عمر الزهور وعندما رحل نزفت قلوبنا وبكت عيوننا وصرخت قلوبنا الماً وتجهشت صدورنا وفطرت اكبادنا حزنا على رحيله.
عندما رحل عنا تناست عقولنا كل معاني الكلمات والمفردات ما عدا كلمة (إلى اللقاء) لاننا على يقين تام وايمان بالله سبحانه وتعالى أننا سنلتقي به ثانية إن شاء الله في جنات الخلد والنعيم حيث اسمى معاني الوفاء والحب.
فعندما رحل عنا ترك لنا اثمن ما في الوجود حبه وحنانه لنا فشريط الذكريات طويل ولا يمكن أن ينسى، ترك لنا في كل مساحة من مساحات حياتنا وزوايا عمرنا ذكريات لا يمكن أن تنسى فالحديقة التي كان يلهو فيها اصبحت سوداء في نهارها والطيور التي كانت تغرد بكت على رحيله وأوراق الشجر اهتزت واغصانها انحنت على رحيله وذبلت الزهور حزناً عليه لانه رحل وهو في عمرها فرائحته الجميلة كانت تفوح في كل البيت والحديقة التي لطالما تغنت به كل زهرة ووردة وشجرة حتى الارجوحة امام البيت قد صمتت ولم تعد تهتز كالسابق.
شريط الذكريات طويل وعند الرحيل كلنا يستسلم للوداع بكل ضعف يضيع الكلام ونعشق الآهات حينها وتجتهد لغة العيون وتزداد نبضات القلوب ويموت كل شيء الا الدموع، لتعزف الرياح بعدها الحانها الحزينة وتتمايل الاغصان على بعضها تبكي ويهرب الوقت منا وتظلمنا عقارب الساعة فتصبح الساعة دقيقة والدقيقة ثانية والثانية لحظات معدودة فما اصعبها من لحظات.
همسة فرح:
أيها الحزن تمهل قليلاً فلربما لحظات الفرح آتية لا محال لاننا على يقين تام وايمان بالله سبحانه وتعالى اننا سنلتقي به ثانية إن شاء الله حيث هناك اللقاء الحقيقي والابدي في جنات الخلد والنعيم جنات رب العالمين فإلى اللقاء.
مواقع النشر (المفضلة)