مدونة نظام اون لاين

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عــــــــــــلاج القلوب

  1. #1
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    عند أهلــــي وربعي
    المشاركات
    26,434
    معدل تقييم المستوى
    27

    Asl عــــــــــــلاج القلوب

    السلام عليكم وصباح الخير

    وموضوع اعجبني ونقلته من بريدي وان شالله يعجبكم

    علاج القلوب

    أولاً : قراءة القرآن الكريم بالتدبر .

    قال الله عزوجل:(ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)[يونس : 57 ] .

    وقال سبحانه وتعالى : (وَنُنَزِّلُ من الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [ الإسراء : 82 ] .

    فسبحان من جعل كلامه شفاءً تامًّا لما في الصدور،فمن استشفى به صحَّ وبريءَ من مرضه ، ومن لم يستشْفِ به ؛ فهو كما قيل :

    إذا بَـلَّ 27مِنْ دَاءٍ بـهِ ظَـنَّ أَنَّـــهُ
    ...............
    نجــَا وبِـهِ الدَّاءُ الّـَذي هُـو قَـاتِلُهْ


    فيامن تبحث عن دواءٍ لقلبك دواؤك في القرآن .

    ويامن تبحثين عن دواءٍ لقلبك دواؤكِ في القرآن .

    فتدبر في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه 28.

    ثانياً : ذكر الله .

    اعلم رحمك الله بأنَّ ذكر الله شفاء القلب ودواؤه ، والغفلة مرضه ، فالقلوب مريضة ، وشفاؤها في ذكر الله تعالى كما قيل :

    إذا مرضــــنا تداوينـــا بذكركـــم
    ..............
    فنـــترك الذكـــر أحيانا فننتكس


    وذكر الله يورث جلاء القلب من صدئه 29 . ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما ، وجلاؤه بالذكر ، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء . فإذا ترك الذكر صدىء ، فإذا ذكر جلاه .

    وصدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين : بالاستغفار والذكر .

    وذكر الله يورث حياة القلب ، والقلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء ، والغافل كالميت في بيوت الأموات . ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم ، وقلوبهم فيها كالأموات في القبور ، كما قيل :

    فنســيان ذكـر الله مــوت قلـوبهم
    ..............
    وأجــسامهم قبــل القبــور قبور

    وأرواحـهم في وحــشة من جسـومهم

    وليـس لهـم حتـى النشـورنشور30


    عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:» مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت « 31 .

    وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله .

    وذكر الله ينبه القلب من نومه ، ويوقظه من سنته ، والقلب إذا كان نائماً فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران ، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومته ، شد المئزر، وأحيا بقية عمره واستدرك ما فاته ، ولا تحصل يقظته إلا بالذكر، فإن الغفلة نوم ثقيل 32 .

    واعلم : بأن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى .لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة ، اشتدت به القسوة ، فإذا ذكر الله تعالى ، ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عزوجل .

    ثالثاً : العلم النافع .

    اعلم رحمك الله بأنَّ القلب لا يخرج مرضه عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما.

    وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صاحب الشجة الذي أفتوه بالغسل فمات: »قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ إنما شفاء العي السؤال «33. فجعل العيَّ ـ وهو عيُّ القلب عن العلم واللسان عن النطق به - مرضاً ،وشفاؤه سؤال العلماء .

    فأمراض القلوب أصعب من أمراض الأبدان ؛ لأن غاية مرض البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت ، وأما مرض القلب فيفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبديِّ،ولا شفاء لهذا المرض إلا بالعلم .

    قال بعض العارفين : أليس المريض إذا منع الطعام رالشراب والدواء يموت ؟ قالوا : بلى.قال : فكذلك القلب إذا منع عنه العلم والحكمة ثلاثة أيام يموت .

    وصدق فإن العلم طعام القلب وشرابه ودواؤه ، وحياته موقوفة على ذلك . فإذا فقد القلب العلم فهو ميت ، ولكنْ لا يشعُرُ بموتهِ 34.

    وبالجملة ؛ فالعلم للقلب مثل الماء للسمك إذا فقده مات ، فنسبة العلم إلى القلب ، كنسبة ضوء العين إليها ، وكنسبة سمع الأذن ، وكنسبة كلام اللسان إليه ، فإذا عَدِمَهُ ، كان كالعين العمياء والأذن الصماء ، واللسان الأخرس 35.

    والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها ، كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه فيتكدر بها شاربه . وهي من تمام نفع الدواء ، فإنه أثارها ليذهب بها ، فإنه لا يجامعها ولا يشاركها . . . فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار الزبد والغثاء والخبث ، ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يستقي منه الناس ، ويزرعون ويسقون أنعامهم . كذلك يستقر في قرار القلب الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره 36.

    وليس هذا لكل علم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع 37.

    رابعاً : محاسبة النفس 38.

    اعلم رحمك الله بأنّ محاسبةَ النَّفسِ من الدواءِ الناجعُ لعلاجِ القلوب . ولمَّا تركَ النَّاسُ اليومَ محاسبةَ النفسِ عاشوا في الهموم والغمومِ .

    قالَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه : " حاسِبُوا أنْفُسَكُم قبلَ أنْ تُحَاسَبُوا ، وزِنُوا أنْفُسَكُم قبلَ أَنْ تُوزَنوا ؛ فإِنَّهُ أهونُ عليكُم في الحسابِ غداً أنْ تُحاسِبوا أنْفُسَكُمُ اليومَ ، وتزَيَّنُوا للعَرْضِ الأكْبَرِ : ( يوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [ الحاقة : 18 ] " . وقال الفُضَيل بن عِياض : المؤمنُ يحاسب نفسه ويعلم أنّ له موقفاً بين يدي الله تعالى ، والمنافق يغفل عن نفسه ، فَرَحِمَ اللهُ عبداً نظر لنفسه قبل نزول مَلَك الموتِ بِه 39 .

    ويعينه على هذه المحاسبة : معرفته أنّه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره ، وكلّما أهملها اليوم اشتدّ عليه الحساب غداً .

    ويعينه عليها أيضا:معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس،والنظر إلى وجه الرب عزوجل ، وخسارتها : دخول النار والحجاب عن الرب تعالى ، فإذا تيقّن هذا هان عليه الحساب اليوم ؛ فحقّ على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطواتها .

    ومُحاسَبَةُ النَّفْسِ نوعانِ : نوعٌ قبلَ العَمَلِ ، ونوعٌ بعدَه .

    فأَمَّا النَّوعُ الأوَّلُ : فهو أَنْ يَقِفَ عندَ أَوَّلِ همِّهِ وإِرادتِه ، ولا يُبادِرَ بالعمَلِ حتى يتَبَيَّنَ لهُ رُجْحانُهُ على تركِه .

    قالَ الحسنُ رحمهُ اللهُ:"رَحِمَ اللهُ عبداً وَقَفَ عندَ همِّهِ،فإِنْ كانَ لله مَضى،وإنْ كانَ لغيرِه تأخّر"

    وشرحَ هذا بعضُهُم فقالَ : إذا تحرَّكَتِ النَّفْسُ لعملٍ من الأعمالِ ، وهَمَّ بهِ العبدُ ، وَقَفَ أَوَّلاً ونَظَرَ : هل الباعث عليه إرادةُ وجه الله عزوجل وثوابِهِ أو إرادةُ الجاهِ والثّناءِ والمالِ من المخلوق ؟ فإنْ كان الثاني لم يُقْدِمْ عليه ، وإنْ أفضى به إلى مطلوبه ، لئلاّ تعتادَ النّفسُ الشِّرْكَ ، ويخفَّ عليها العملُ لغير الله ، فبقدْر ما يَخِفُّ عليها ذلك يَثْقُلُ عليها العملُ لله تعالى ، حتىَّ يصيرَ أثقلَ شيءٍ عليها.

    النَّوعُ الثَّاني : مُحاسَبَةُ النَّفْسِ بعدَ العَمَلِ :

    وهو ثلاثةُ أَنواعٍ :

    أَحَدُها : مُحَاسَبَتُها على طاعةٍ قصَّرَتْ فيها مِن حَقِّ اللهِ تعالى ؛ فلم تُوقِعْها على الوجهِ الَّذي ينبغي.

    وحقُّ اللهِ تعالى في الطَّاعةِ ستَّةُ أُمورٍ ، وهي :

    الإخلاصُ في العملِ .

    والنَّصيحَةُ للهِ فيهِ .

    ومُتابعَةُ الرَّسولِ فيهِ .

    وشُهودُ مَشْهَدِ الإحسانِ فيهِ .

    وشُهودُ مِنَّةِ اللهِ عليهِ .

    وشُهودُ تَقصيرِهِ فيهِ بعدَ ذلك كلِّهِ .

    فيُحَاسِبُ نَفْسَهُ : هل وفَّى هذه المقاماتِ حقَّها ؟ وهل أتى بها في هذه الطَّاعةِ ؟

    الثَّاني : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ كانَ تَرْكُه خيراً لهُ مِن فِعْلِهِ .

    الثَّالثُ : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على أمْرٍ مُباحٍ ، أو مُعتادٍ : لِمَ فَعَلَهُ ؟ وهل أرادَ بهِ الله والدَّارَ الآخِرَةَ ؟ فيكونَ رابحاً ، أو أرادَ بهِ الدُّنيا وعاجِلَها ؛ فيَخْسَرَ ذلك الرِّبحَ ويفوتَه الظَّفَرُ بِهِ !

    ضرر ترك المحاسبة :

    وأَضَرُّ مَا عليهِ الإِهمالُ ، وتركُ المُحاسبَةِ والاسترسالُ ، وتسهيلُ الأمورِ وتمشِيَتُها ، فإِنَّ هذا يَؤولُ بِهِ إلى الهلاكِ ، وهذهِ حالُ أهلِ الغُرورِ ؛ يُغْمِضُ عيْنَيْهِ عنِ العواقِبِ ، ويُمَشِّي الحال ، ويَتَّكِلُ على العَفْوِ ؛ فيُهْمِلُ مُحاسَبَةَ نفسِهِ والنَّظَرَ في العاقبةِ ، وإذا فَعَلَ ذلك سَهُلَ عليهِ مواقَعَةُ الذُّنوبِ ، وأَنِسَ بها، وعَسُرَ عليه فِطَامُها، ولو حَضَرَهُ رُشْدُهُ لَعَلِمَ أَنَّ الحِمْيَةَ أَسْهَلُ مِن الفِطامِ ، وتركِ المألوفِ والمُعتادِ .

    وجِماعُ ذلك : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ أوَّلاً على الفرائِضِ ، فإنْ تَذَكَّرَ فيها نَقْصاً تَدارَكَهُ ، إمَّا بقضاءٍ أو إصلاحٍ .

    ثمَّ يُحاسِبُها على المناهي ، فإنْ عَرَفَ أَنَّهُ ارتَكَبَ منها شيئاً تدارَكَهُ بالتَّوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحِيَةِ.

    ثمَّ يحاسِبُ نفسَهُ على الغَفْلَةِ ، فإنْ كان قد غَفِلَ عمَّا خُلِقَ لَهُ ؛ تدارَكَهُ بالذِّكْرِ والإقبالِ على الله تعالى .

    ثمَّ يُحَاسِبُها بما تكلَّمَ بهِ ، أو مَشَتْ إليهِ رجلاهُ ، أو بَطَشَتْ يداهُ ، أو سمعَتْهُ أُذناهُ : ماذا أرادَتْ بهذا ؟ ولمَنْ فَعَلَتْهُ ؟ وعلى أيِّ وجهٍ فَعَلَتْهُ ؟ ويعلم أنه لا بد أن ينشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان : لم ؟ وكيف ؟ أي : لمَ فعلتَ ؟ وكيفَ فَعلتَ ؟ فالأوَّلُ : سؤالٌ عن علَّة الفعلِ ، وباعثِهِ ، وداعيهِ : هل هو حظُّ عاجلٌ مِن حُظوظِ العاملِ ، وغرضٌ مِن أغراضِ الدُّنيا في محبَّةِ المدحِ مِن الناس ، أو خوفِ ذمِّهم ، أو استجلابِ محبوبٍ عاجلٍ ، أو دفعِ مكروهٍ عاجلٍ ؟ أم الباعثُ على الفعلِ القيامُ بحقِّ العبوديَّةِ ، وطلبُ التودُّدِ والتقرُّبِ إلى الرَّبِّ سبحانه وتعالى ، وابتغاءُ الوسيلةِ إليهِ ؟

    ومحلُّ هذا السؤالِ أنَّهُ : هل كان عليكَ أَنْ تفعَلَ هذا الفعلَ لمولاكَ ، أم فعَلْتَهُ لحظِّكَ وهواكَ؟

    والثاني : سؤالٌ عن متابعةِ الرَّسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في ذلك التعبُّدِ ؛ أي : هل كان ذلك العمل ممّا شَرَعْتُهُ لك على لسانِ رسولي ؟ أم كانَ عملاً لم أشْرَعْهُ ولم أَرْضَهُ ؟

    فالأوَّلُ: سؤالٌ عن الإخلاصِ ، والثاني : عن المُتابَعَةِ ؛ فإِنَّ اللهَ لا يقبلُ عملاً إلاَّ بِهِما.

    فطريقُ التخلُّصِ مِن السؤالِ الأوَّلِ بتجريدِ الإخلاصِ .

    وطريقُ التخلُّصِ مِن السؤالِ الثَّاني بتحقيقِ المُتابعةِ ، وسلامةِ القلبِ مِن إرادَةٍ تُعارِضُ الإخلاصَ ، وهوىً يُعارِضُ الاتِّباعَ . وقال تعالى : (فَوَرَبكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [ الحجر : 92 - 93 ] .

    وقال تعالى : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الأحزاب : 8 ].

    فإذا سُئِلَ الصَّادقون وحُوسِبُوا على صِدْقِهِمْ فما الظَّنُ بالكاذِبِينَ ؟

    وقال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ) [ التكاثر : 8 ].

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة ـ يعني العبد ـ من النعيم أن يقال له : ألم نُصحّ لك جسمك ، ونرويك من الماء البارد «40 .

    والنعيم المسؤول عنه نوعان : نوع أخذ من حله وصرف في حقه ، فيسأل عن شكره . ونوع أخذ بغير حقه وصرف في غير حقه ، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه.

    عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تزولُ قدما عبدٍ حتَّى يسألَ عن عُمْرِهِ فيما أفناهُ ، وعنْ علمهِ فيما فعل ، وعن مالهِ منْ أينَ اكتسبهُ وفيما أنفقه،وعنْ جسمهِ فيما أبْلاهُ " 41 .

    فإذا كانَ العبدُ مسؤولاً ومُحاسَباً على كلِّ شيءٍ ، حتى عَلى سَمْعِهِ وبَصَرِهِ وقَلْبِهِ ، كما قال تعالى : (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا)[ الإسراء : 36 ] ؛ فهُو حقيقٌ أنْ يُحاسِبَ نفسَهُ قبلَ أنْ يُنَاقَشَ الحسابَ 42 .

    وقد دلَّ على وُجوبِ محاسبة النَّفسِ قولُه تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)[ الحشر : 18 ] . فأمر سبحانه وتعالى العبدَ أنْ ينظر ما قدَّمَ لِغد ، وذلك يتضمَّن محاسبة نفسه على ذلك ، والنظر : هل يصلُح ما قدّمه أن يلقى الله به أو لا يصلح ؟ .

    والمقصودُ مِن هذا النظرِ : ما يُوجبه ويقتضيه ، من كمال الاستعداد ليوم المعاد ، وتقديم ما يُنجيه من عذاب الله ، ويُبيض وجهه عند الله .

    وكلّ ذلكَ إنّما يمكنُ بصبرِ ساعةٍ واحدةٍ . فانّ الساعاتِ ثلاث 43 : ساعةٌ مضتْ لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية . وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا ولا يدري ما يقضي الله فيها ؟ وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه .

    فإن لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة ، وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى . ولا يطول أمله فيطول عليه العزم على المراقبة فيها ؛ بل يكون ابن وقته كأنه في آخر أنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري . وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسه فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحال .

    إنَّ دواء محاسبة النفسِ نحن أحوج ما نكون إليه اليوم بعد تهالك الناس على الدنيا ، وسيرهم وراء الشهوات ، وتنافسهم في الفانياتِ ، وزهدهم في الباقيات الصالحات .

    وهذا الدواء له فوائد جليلة ، وآثارٌ على مستعمله عظيمة :

    مِنْهَا: الاطِّلاعُ عَلَى عُيوبِ النفس ونقائصها ، فيمكِنُهُ السَّعي في إصلاحها ، ومَن لَمْ يطَّلعْ عَلَى عَيْبِ نفسِهِ، لَمْ يُمْكِنْهُ إِزالَتُه، فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِها؛ مَقَتَها فِي ذاتِ اللهِ تَعَالَى.

    وقالَ أَبو حفصٍ: "مَنْ لَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عَلَى دَوامِ الأوقاتِ، ولم يُخالِفْها فِي جميعِ الأحوالِ، ولم يَجُرَّها إِلَى مكروهِها فِي سائِر أَوقاتِه؛ كَانَ مغروراً، ومَن نَظَرَ إِلَيْهَا باستحسانِ شيءٍ مِنْهَا؛ فَقَدْ أَهْلَكَها".

    فالنَّفْسُ داعيةٌ إِلَى المَهالِكِ، مُعينَةٌ للأعداءِ، طامِحَةٌ إِلَى كلِّ قبيحٍ، مُتَّبِعَةٌ لكُلِّ سوءٍ، فَهِيَ تَجْرِي بطَبْعها فِي ميدانِ المُخالَفَةِ. ومن فوائد محاسبة النفس : أنها توجب للعبد الإمساك عن الخوض في عيوب الناس ، فإنَّ من شغل بعيب نفسه لمْ يبق لديه من الوقت ما ينفقه في الحديث عن عيوب الناس ، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وويل لمن نسي عيبه ، وتفرَّغَ لعيوب الناس .

    ومِنها: أَنَّهُ يعرِفُ بذلك حقَّ اللهِ تعالى؛ ويورِثُهُ مَقْتَ نفسِه، والإزراءَ عَلَيْهَا، ويُخلِّصُه مِن العُجْبِ ورُؤيَةِ العملِ، ويفتَحُ لَهُ بابَ الخضوعِ والذُّلِّ والانكسارِ بينَ يدي ربِّهِ، واليأْسِ مِن نفسِهِ، وأَنَّ النَّجاةَ لاَ تحصُلُ لَهُ إِلاَّ بعفوِ اللهِ، ومغفرَتِهِ ورحمتِه، فإِنَّ مِن حقِّهِ أَنْ يُطاعَ وَلاَ يُعْصَى، وأَنْ يُذْكَرَ فلا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ.

    فَمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا الحقِّ الَّذِي لربِّهِ عَلِمَ علمَ اليقينِ أَنَّهُ غيرُ مؤدٍّ لَهُ كَمَا ينبغي، وأَنَّهُ لاَ يسعهُ إِلاَّ العفوُ والمغفرةُ، وأَنَّهُ إِنْ أُحيلَ عَلَى عملِهِ هَلَكَ.

    فمحاسَبَةُ النَّفْس هِيَ نظرُ العَبْدِ فِي حقِّ اللهِ عَلَيهِ أَوَّلاً.

    ثُمَّ نَظَرَهُ: هَلْ قامَ بِهِ كَمَا يَنبغي ثانِياً.

    وأَفْضَلُ الفكرِ الفِكْرُ فِي ذَلِكَ، فإِنَّهُ يُسَيِّرُ القلبَ إِلَى اللهِ ويَطْرَحُهُ بينَ يديهِ ذَليلاً، خاضِعاً مُنْكَسراً كَسْراً فِيهِ جَبْرُه، ومفتقراً فقراً فِيهِ غِناهُ، وذليلاً ذُلاًّ فِيهِ عِزُّهُ، وَلَوْ عَمِلَ مِن الأعمالِ مَا عساهُ أَنْ يعْمَلَ؛ فإِنَّهُ إِذَا فاته هَذَا؛ فالذي فاتَهُ مِن البرِّ أفضلُ مِن الَّذِي أتى بِهِ44 .

    وما أحوجنا في هذه اللحظة ، أنْ نحاسب أنفسنا على الماضي وعلى المستقبل ، من قبل أنْ تأتي ساعة الحساب ، وإنّها لآتية .

    على الماضي ، فنندم على الأخطاء ، ونستقيل العثرات ، ونقوّم المعوّج ، ونستدرك ما فات ، وفي الأجل بقية ، وفي الوقت فسحة لهذا الاستدراك .

    وعلى المستقبل فنعدُّ له عدته من القلب النقي ، والسريرة الطيبة ، والعمل الصالح ، والعزيمة الماضية السباقة إلى الخيرات . والمؤمن أبداً بين مخافتين:بين عاجلٍ قدْ مضى لا يدْري ما الله صانعٌ فيه ، وبين آجلٍ قدْ بقي لا يدْري ما الله قاضٍ فيه ، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم ، ومن الحياة قبل الموت .

    ما أعظم رقابة الله على عباده : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَن الْيَمِينِ وَعَن الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقيب عَتِيدٌ)[ق:16-18].(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80] .

    وما أدقّ الحساب يوم الجزاء:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )[الزلزلة:7-8](وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [ الأنبياء : 47 ] .

    وأخيراً : فينبغي على الواحد منا أنْ يجلس "عندما يريد النوم لله ساعةً يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ، ثمّ يجدد له توبةً نصوحاً بينه وبين الله ، فينام على تلك التوبة ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ ، ويفعل هذا كل ليلة ،فإن مات من ليلته مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسروراً بتأخير أجله،حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته وليس للعبد أنفع من هذه النومة،ولا سيما إذا عقب ذلك بذكر الله واستعمال السنن التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم حتى يغلبه النوم ، فمن أراد الله به خيراً وفقه لذلك ، ولا قوة إلا بالله" 45.

    خامساً : أكل الحلال واتّقاء الشبهات .

    عن النعمان بن البشير رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ ، وبينهما أُمورٌ مشتَبهاتٌ ، لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من النَّاسِ ، فمن اتَّقى الشُّبهاتِ استبرأ لدينه وعرضهِ ، ومنْ وقعَ في الشُّبهاتِ وقعَ في الحرامِ ، كالرَّاعي يرعى حولَ الحمى يوشكُ أنْ يرتعَ فيهِ ، ألا وإنَّ لكلِّ ملِكٍ حمىً ، ألا وإنَّ حمى الله محارمهُ ، ألا وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلَحَتْ صلَحَ الجسد كلُّه،وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي القلب " .

    فقد دلّ هذا الحديث على أنّ أَكْلَ الحلال ، يصلح القلب ، وأَكْلُ الحرام والشُّبهة يفسده. ويُخاف على آكل الحرام ، والمتشابه ، ألاَّ يُقْبَل له عملٌ ، ولا تُسمع له دعوةٌ .أَلاَ تسمع قولَه تعالى : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) [ المائدة : 27 ] وآكلُ الحرام ، المسترسلُ في الشبهات ليس بمتَّقٍ على الاطلاق . وقد عضد ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم : » أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )[ المؤمنون : 51 ] وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ )[ البقرة : 172 ] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ،فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! «46.

    عند هذا يعلم الواحدُ منَّا قدر المصيبة الَّتي هو فيها ، وعظم المحنة الَّتي ابتُلي بها ؛ إذ المكاسبُ في هذه الأوقات قد فسدت ، وأنواع الحرام والشُبهات قد عمّت ، فلا يكاد أحدٌ منَّا اليوم يتوصل إلى الحلال ، ولا ينفكُّ عن الشُّبهات . فإنَّ الواحدَ منَّا ـ وإن اجتهد فيما يعمله ـ فكيف يعمل فيمن يعامله ، مع استرسال الناس في المحرمات والشبهات ، وقلَّة من يتقي ذلك من جميع الأصناف ، والطبقات ، مع ضرورة المخالطة ، والاحتياج للمعاملة . وعلى هذا : فالخلاصُ بعيدٌ ، والأمر شديدٌ ، ولولا النهي عن القنوط واليأس ، لكان ذلك الأولى بأمثالنا من الناس . لكنَّا إذا دفعنا عن أنفسنا أصولَ المحرَّمات ، واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشُّبهات ، فعفو الله تعالى مأمول ، وكرمه مرجوُّ ، فلا ملجأ إلا هو ، ولا مفزع إلا إليه ،ولا استعانة إلا به،ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم 47







    ( وَذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ)

  2. #2
    a5fe ghlaak

    افتراضي

    شمالي


    جزاك الله خير وكثر الله من امثالك



    الله يكتب لك الأجر على النقل الرائع والمفيد



    ينقل للقسم الأسلامي

  3. #3
    (..كـاتـب متـمكن.. )


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    الدولة
    شــرقـاوي
    المشاركات
    1,371
    معدل تقييم المستوى
    2

    افتراضي

    [align=center]أخــوي الغالي...

    شمالي...


    الله يجزاك خير على هذا الموضوع القيم والمفيد...


    فلعل الله ينفع به كثيرا من خلقه...


    وجُعل في ميزان حسناتك بإذنه تعالى....


    ولكـ منيـ فائقـ الإحترامـ والتقديـر...


    ســـهـــور[/align]

  4. #4
    ... V I P...


    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الدولة
    دار بـ خلــيــفــه ـو
    المشاركات
    2,008
    معدل تقييم المستوى
    3

    افتراضي

    [img][/img]

    [img][/img]


    نتريا يديدك

المواضيع المتشابهه

  1. القلوب
    بواسطة صمت الانين في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 23-10-2008, 11:15 AM
  2. لأقوياء القلوب فقط .. وليست لضعاف القلوب
    بواسطة غيمة وفاء في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 30-03-2008, 07:59 PM
  3. من أي القلوب أنت ...؟؟
    بواسطة مزيون بس مطفوق في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 01-08-2007, 08:25 PM
  4. أي القلوب أنت.....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    بواسطة ندىالجوري في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-07-2007, 03:28 PM
  5. ابي درس القلوب
    بواسطة القاسمي في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 30-08-2005, 05:29 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •