شذرات وحِكَمْ
جاء خبر نبويٌّ، بتلّطف إلهي، حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله سبحانه: (أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وإن اقترب إليّ شبراً، اقتربت منه ذراعاً، وإن اقترب إليَّ ذراعاً، اقتربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
وجاء في الحِكم: من رقى درجات الهمم، عَظُم في أعين الأمم، ومن بذل فلسه صان نفسه، ومن بسط يده بالعطاء، استنبط لسان الثناء، ومن أساء خُلُقَه ضاق رزقه، ومن أجاب السّفيه سَفُه، ومن سكت عن جوابه نَبُه.
ومن قابل السّخيف سخف، ومن كرم عن مقابلته شَرُف، ومن قال الحق صدق، ومن عمل به وُفّق، ومن صَدُق في مقاله، زاد في جماله، ومن هان عليه المال، توجّهت إليه الآمال، ومن بسط راحته، أنس ساحته، ومن بذل ماله استحمل، ومن بذل جاهه استعبد، ومن جاد بماله جلّ، ومن جاد بعرضه ذلّ، ومن أحسن إلى جاره، زاد في استظهاره، ومن طمع في جاره، زُهِد في جواره، أحسن الجدّ، ما كان عند التّعب، وأحسن الصّدق، ما كان عند الغضب.
خير لأموال، ما قضى اللوازم، وخير الأعمال، ما بنى المكارم، وخير المال ما أخذته من الحلال، وصرفته في النّوال، وشرّ المال ما أخذته من الحرام، وصرفته في الآثام، المواساة أفضل الأعمال والمداراة أجمل الخصال.
يستدلّ على عقل الرّجل بقوله، وعلى أصله بفعله، فما أفحش حكيماً إلاّ أوحش كريماً، إياك وفضول الكلام، فإنه يخفي فضلك، ويوكس قدرك.
وأورد المؤلف كلاماً، منسوباً إلى الرازي جاء فيه قوله: يا ابن آدم طلبت الدنيا، طلب من لا بدّ له منها، وطلبت الآخرة، طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قد كُفيتها، وإن لم تطلبها، والآخرة بالطلّب منك تنالها، فاعقل وشأنك.
وجاء عنده في بناء سليمان عليه السلام مسجد بيت المقدس، عن عبدالله الجزريّ قوله: علّم الله تعالى سليمان منطق الطير، وعلمه منطق الهوامّ.. فلما خلا من سليمان سنون بدأ في بناء بيت المقدس، فبلغ عدد من يعمل معه في بناء بيت المقدس ألف رجل، عليهم قطع الخشب، وبلغ عدّة البنائين في كل شهر عشرة آلاف رجل، وبلغ عدد الذين يعملون في الحجارة عشرة آلاف رجل، وبلغ عدد الذين يقومون عليهم ثلاثمئة أمين.
فلما بناه زيّنه، كما أحبّ من الذهب والفضة، والأبواب المؤنّقة، صنع له مئة سُكرة من الذهب، في كل سُكْرة عشرة أرطال، وولج فيه: تابوت موسى وهارون، ولعله التابوت الذي جاء ذكره في سورة البقرة: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ}(248)سورة البقرة.
وأنزل الله عزّ وجل عليه الغمام، وصلىّ سليمان عليه الصلاة والسلام فيه، ودعا ربه، فقال: يا ربّ أمرتني ببناء هذا البيت الشريف، يا رب فلتكن يدك عليه الليل والنهار، وكل من جاءك يبتغي منك الفضل، والمغفرة، والنّصر والتوبة والرزق، فاستجب له، من قريب أو بعيد.
وكان سليمان عليه السلام، قد فرش أرض المسجد بالذهب والفضّة، بلاطة من هذا، وبلاطة من هذا، فلما جاء بختنصّر فرّ به، واحتمل منه ثمانين عجلة ذهباً وفضّة، وطرحه برومية ولا تعجب من هذا، فإن الذي حمل إلى الوليد بن عبدالملك، لمّا فُتِحَتِ الأندلس، من اللؤلؤ، والزّبرجد والياقوت، إلى ذلك من الأحجار النّفيسة، دون الذهب والفضّة، مئة وثماني عشرة عجلة.
وأمّا ابن اسمانوس، فإنه لمّا غزا بني إسرائيل، وسبى حليّ بيت المقدس، أحرق منه ما أحرق، وحمل منه في البحر ألفاً وسبعمئة سفينة حلياً، حتى أورده رومية.. وقد أخبر بذلك حذيفة ابن اليمان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليستخرجنّ المهديّ ذلك، حتى يؤدّيه إلى بيت المقدس، ثم يسير المهدي ومن معه حتى يأتوا مدينة يقال لها: القاطع، وهي على البحر الأخضر المحيط، ليس شيء خلفه إلاّ أمر الله عز وجل، ثم ذكر مساحة تلك المدينة ووصفها.
وأورد حديثاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أورده بسنده إلى أنس بن مالك جاء فيه: (إنّك لا تتصدّق عن ميّتك بصدقة، حتى يجيء بها ملك من الملائكة، على طبق من نور، ويقوم على رأس قبره، وينادي: يا صاحب القبر الغريب، أهلك أهدوا لك هذه الهديّة).
فينفسح له في مدخله في قبره، وينوّر له، قال: فيقول: جزى الله أهلي عني خيراً.
ثم قال: ولزيق ذلك القبر صاحبه يقول: ألم أخلّف أنا المال؟ فهو مهموم، والذي أهدى إليه فرح مرور (مقتطفات من كتاب: محاضرات الأبرار، ومسامرة الأخبار للشيخ محي الدين ابن عربي المتوفى عام 638 (ص 337-383).
ومن المفيد في هذه الشّذرات ما ذكره محمد رشيد رضا في مجلته المنار: أن السير ادوارد دنيسون روس مدير مدرسة اللغات الشرقية في لندن، الذي قال عن نفسه يجب في هذه الزيارة ألا أعامل ككافر فإني مؤمن، مؤمن حق الإيمان، وكان يحذّر من تبديل الحروف العربيّة باللاتينية ويقول: إياكم وهذا الأمر؛ لأن الحروف العربية هي حروف لغة القرآن، وإذا مسستم الحروف مسستم القرآن بل هدمتم صرح الإسلام.
ليتني تمنيت المغفرة
يذكر التنوخي في كتابه الفرج بعد الشّدة أن أبا سهل بن زياد القطّان حدّثه، قائلاً: كنت مع علي بن عيسى وزير المقتدر بمكة، حين نفي إليها، فدخلنا في حرّ شديد، وقد كدنا نتلف، فطاف علي بن عيسى وسعى وجاء فألقى نفسه، كالميّت، من الحر والتعب، وقلق قلقاً شديداً، وقال: أشتهي على الله عز وجل، شربة ماء بثلج. فقلت: يا سيدنا تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان، فقال: هو كما قلت، ولكن نفسي ضاقت عن ستر هذا، فاستروحت إلى التّمني.
فخرج أبو سهل من عنده، ورجع إلى المسجد الحرام، فما استقرّ فيه، حتى نشأت سحابة، فأبرقت وأرعدت رعداً متّصلاً شديداً، ثم جاءت بمطرٍ
مواقع النشر (المفضلة)