تؤدي المكاتب الاستشارية دوراً كبيراً في خدمة الاقتصاد السعودي حيث تقدم خدمات عديدة سواء على مستوى الاقتصاد الكلي للدولة أو على مستوى القطاعات الاقتصادية المختلفة. وفي السعودية هناك العديد من تلك المكاتب وبمختلف تخصصاتها فمنها الاقتصادي ومنها المحاسبي والإداري والتنظيمي والبيئي والصحي والقانوني وغيرها. وتختلف الخدمات الاستشارية باختلاف المكاتب أو الشركات فهناك شركات تقوم بإعداد الدراسات البحثية ومن أبرزها: دراسات الاقتصاد الكلي والدراسات التسويقية والجدوى الاقتصادية والدراسات التنظيمية والإدارية ودراسات تحسين الكفاية الإنتاجية والمشروعات الصناعية المتعثرة والتخطيط الاستراتيجي للشركات الأجنبية ودراسات تقييم أصول وممتلكات الشركات والمشروعات. ومن ناحية أخرى تقوم بعض المكاتب بالاتصال بالشركات الأجنبية ودعوتها للمشاركة في الاستثمار داخل السعودية مما يزيد من فرص الاستثمار المحلي. ولأهمية هذا الموضوع في دعم وتنمية الاقتصاد السعودي فقد طرحت جريدة(الباب) قضية الخدمات التي تقدمها المكاتب الاستشارية لخدمة المشروعات الاستثمارية، والتقت بالمسؤولين ونخبة من أصحاب المكاتب الاستشارية الذين سلطوا الضوء على أهم ما يواجهه هذا القطاع من عقبات تحول دون إتمام دوره المأمول، واستطلاع واقع سوق الاستشارات الاقتصادية ومشاكله في السعودية. تعتبر مساعدة المستثمرين على اختيار الفرص الأكثر جدوى من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق المكاتب الاستشارية ومساعدتهم في اختيار التقنيات والمصانع المناسبة لمشاريعهم وإرشادهم نحو المصادر والشركاء الصناعيين الأكثر ثقة وإمكانيات. كما وتستطيع هذه المكاتب تقديم العديد من الخدمات التي من أهمها: إعداد بحوث ودراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الجديدة، ودراسة أوضاع الشركات المتعثرة أو التي تعاني من انخفاض في أرباحها أو تصاعد في الخسائر أو الهبوط في معدلات النمو ومن ثم تقديم الحلول المناسبة. ومن بين أهم المؤسسات الحكومية التي تباشر هذا المجال (الدار السعودية للخدمات الاستشارية ) التي تتولى إعداد الدراسات القطاعية والاقليمية والتنظيمية، ودراسات الجدوى الاقتصادية، دراسات السوق للسلع والمشاريع، وجمع وتحليل المعلومات التقنية وطرق تطويعها وتوطينها، ومراجعة التصاميم الصناعية والتأكد من مطابقتها لمعايير السلامة، وتنظيم جائزة الملك للمصنع المثالي. وفي هذا الصدد يقول محمد بن على المسلم مديرها العام: إن الدار السعودية تقدم كل ما في وسعها لخدمة المستثمر سواء قبل بداية المشروع مثل طرح أفكار وفرص استثمارية وإعداد دراسات تسويقية وأولية وإرشادية لأحسن وأفضل طرق التقنية والمعدات والخطوات اللازمة، كما تقدم المشورة الفنية أثناء فترة الإنتاج لما يعترض الإنتاج أو المنتج من مشاكل فنية وتساهم (الدار) في حلها، إما عن طريق خبراتها أو التنسيق مع مراكز البحوث و الجامعات. كما تقدم (الدار) خدمات للارتقاء بالتنمية الصناعية، من ضمنها إعداد دراسات لبعض مناطق السعودية، إذ أتمت بالفعل إعداد دراسات لمنطقتي القصيم والباحة، وتعد حالياً دراسات لكل من حائل، نجران، وجازان، وتشمل هذه الدراسات كيفية استغلال الموارد الاقتصادية والخامات المتوافرة في المنطقة، وبالتالي إيجاد فرص استثمارية صناعية مناسبة، كما تباشر الدار إعداد بعض التقارير والدراسات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، مثل تقارير المؤشرات الاقتصادية والأدلة الاسترشادية. المستثمر والمكاتب الاستشارية ولكن هل المستثمر متأكد من نجاح فكرة المكاتب الاستشارية ومدى الخدمات التي تقدمها قبل البدء في المشروع وبعد العمل فيه وتصحيح مسار العمل لضمان الكفاءة في السير؟ حول هذا الاستفهام يعتقد البعض بفاعلية الدور الذي تضطلع به المكاتب الاستشارية بالنسبة للمستثمرين، فيما ترى الغالبية أن هناك عدم إدراك من المستثمرين لأهمية هذه المكاتب. وفي هذا الصدد، يقول د. هيثم فاروق أخضر، أحد أصحاب المكاتب الاستشارية الاقتصادية: إن دور هذه المكاتب غير واضح بالنسبة لكثير من المستثمرين، الذين يلجأون للمكاتب الاستشارية فقط من منطلق الضرورة. وغالباً ما يأتي المستثمر لهذه المكاتب لتلبية متطلبات لبعض الجهات الحكومية كوزارة الصناعة وصندوق التنمية الصناعية، اللذين يشترطان دراسة جدوى المشروع للموافقة على الترخيص أو منحه القروض. وفي المقابل- الحديث لا يزال للدكتور أخضر- لا نجد سوى قلة من المستثمرين الذين يستعينون بمكاتب استشارية للدراسة الجدية للمشاريع قبل تنفيذها. إحباط للمستثمرين وتواجه المكاتب الاستشارية-أيضا- مشكلة عدم فهم المستثمر لدور الاستشاري، حيث يشعر المستثمر أحيانا بخيبة أمل وإحباط، إذا ما أوصاه الاستشاري بعدم جدوى تنفيذ المشروع، وللتغلب على هذه المشكلة تضطر بعض المكاتب التي تعمل من أجل المادة فقط إلى إظهار فكرة المشروع على أنها ذات جدوى عالية لإرضاء المستثمر، مما قد تنتج عنه خسائر تتجاوز كثيراً الأتعاب التي يتقاضاها المكتب. ويرى حمدي أبو زيد الخبير الاقتصادي، ورئيس أحد المكاتب الاستشارية بأن إيمان المستثمر بنجاح فكرة هذه المكاتب ينبع عادة من مدى اقتناعة بما يمكن لهذه المكاتب تقديمه له من آراء ومشورة تساعده في تحقيق أهدافه أو حل مشكلاته، وهذا يتوقف على درجة وعي المستثمر بأهمية الاستشارات وقدرة المكاتب الاستشارية على تحقيق ما يريد. وحول هذه الجزئية يعتقد محمد المسلم، أن قناعة المستثمر بالعمل الاستشاري الآن تختلف عن السابق، حيث كان هناك اعتقاد خاطئ لدى البعض بأن الدراسات الاقتصادية أو الاستثمارية من الممكن أن يباشرها أي شخص، وبما هو متاح لديه من إمكانات، وذلك لوعي المستثمر وإدراكه لأهمية دراسة المشروع قبل البدء فيه وبعد الإنتاج. لأجل الترخيص ويلجأ بعض المستثمرين للمكاتب الاستشارية لإعداد دراسات جدوى إيجابية مسبقاً، ليستخدمها المستثمر بدوره بهدف تمرير فكرة المشروع على الجهات الرسمية، أو الحصول على الترخيص اللازم من الجهات المختصة فقط. وساهمت بعض المكاتب الاستشارية غير المؤهلة في ترسيخ هذا المفهوم الخاطئ عن مكاتب الاستشارات، عبر مباشرتها تقديم خدمات متواضعة، نتيجة ضعف إمكاناتها، سواء بالنسبة للكفاءة البشرية للعاملين لديها أو الإمكانات المادية، أو عدم القدرة على توفير المعلومات الجيدة والحديثة التي يجب أن تتضمنه الدراسات. وضع سوق الاستشارات الاقتصادية و يتفق عدد من العاملين في الاستشارات على أن السوق يتسم بضعف الطلب، ويرجع حمدي أبو زيد، ذلك لأسباب عدة من أبرزها عدم وجود وعي كاف بأهمية الإستشارات ودورها المؤثر في حل مشاكل المشاريع وتطوير أنظمتها وإجراءاتها، ومن ثم تحقيق الأهداف التي تسعى إليها. ورغم التعدد والتنوع الذي يشهده قطاع الخدمات الاستشارية وما يعول عليه من توسيع قاعدة الاختيار للمستثمرين إعمالاً لظروف المنافسة، فإن الجانب السلبي لهذا التعدد انعكس في عدم مناسبة حجم الطلب مع عدد المكاتب. وتختلف الآراء حول عنصر زيادة عدد المكاتب العاملة في السوق، ويرى د. هيثم فاروق أخضر، أن تزايد أعداد المكاتب الاستشارية ظاهرة صحية، إذا ما كان وجودها سيثرى المهنة، وكذلك اتساع دائرة البحث والدراسة، لكن غالبية المكاتب الاستشارية الموجودة بالفعل لا يوجد لديها باحثون متفرغون، إنما يتمثل المكتب في صاحبه وسكرتيره. ويباشر المكتب، وهو بهذا الحجم من الموارد البشرية، اقتباس بعض الدراسات المعدة من قبل الآخرين، وإعادة طباعتها بعد إجراء تعديلات بسيطة عليها، أو أن يقوم بدور الوسيط بين الجهات طالبة الدراسة وبين البعض ممن يعدون من منازلهم عن طريق سرقة دراسات معدة سابقاً وتحديثها، لا سيما إذا ما كانوا يعملون في جهات تحتفظ بمثل هذه الدراسات. وفيما يصف- أخضر- أصحاب هذه المكاتب بالمقاولين، يحدد نسبتهم بنحو 50% من المتعاملين في السوق، وممن ينطبق عليهم هذا المعيار. زيادة الطلب من جهته يعزو فارس غندور- الخبير الاقتصادي في شركة آرثر دي ليتل الدولية- تزايد المكاتب الاستشارية في السعودية إلى زيادة الطلب على الخدمات الاستشارية الناجم عن نمو الحركة الاقتصادية، وتزايد عدد الشركات وعملياتها، بجانب تصاعدحدة التنافس بين المكاتب. ويحلل- غندور- نمو سوق الخدمات الاستشارية بزيادة أهمية القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي، مشيراً إلى أن هذا القطاع أكثر استهلاكاً للخدمات الاستشارية مقارنة بالقطاع العام. وفيما اعتبر - غندور- ظهور عدد كبير من الشركات الاستشارية الصغيرة ظاهرة صحية، أكد أنها تحتاج إلى عناصر كثيرة لنجاحها مثل توافر الخبرة وبنوك المعلومات. في حين يؤكد-أبو زيد- أن الطلب يتسم بالضعف ولا يتناسب مع حجم المكاتب، وإذا لم تتغير ظروف الطلب فإن النتيجة المتوقعة ستكون غير مواتية لأغلبية المكاتب مما قد يؤدي إلى عدم مقدرتها على الاستمرار في العمل، وفي هذا إضعاف وخسارة ليس للمكاتب وحدها فقط بل للمجتمع بأسره. وبهدف رفع مستوى هذا القطاع يقترح-غندور- تجميع الشركات الصغيرة القائمة في السوق حالياً، إضافة إلى تعاونها مع شركات مماثلة في أسواق أخرى أو شركات عالمية. كما يرى- المسلم- أن هناك تزايداً في أعداد المكاتب الاستشارية، مؤكداً أن المهم ليس عدد المكاتب العاملة في السوق، لكن الأهم هو النوعية، مع مراعاة أن التنمية الشاملة التي تشهدها السعودية تحتاج إلى زيادة المكاتب الاستشارية ذات الكفاءة والإمكانيات الفنية العالية. ومن هذ المنطلق- يضيف المسلم- لا بد من توافر مقومات نجاح هذه المكاتب، والدار السعودية للخدمات الاستشارية كمؤسسة حكومية استشارية تعمل على المساعدة في تطوير الأعمال الاستشارية في السعودية، وتطبق الدار هذا الهدف عبر: - إعداد معايير عامة لاتباعها عند إعداد الدراسات الاقتصادية، وتوزيعها على المكاتب الاستشارية الخاصة مجاناً. - إعداد المتطلبات اللازمة لإقامة المصانع في المدن الصناعية لمساعدة المكاتب الاستشارية في إعداد المخططات الصناعية للمصانع. - إجراء دراسة تأهيلية للمكاتب الاستشارية الاقتصادية والهندسية في مجال الصناعة. - عقد الندوات واللقاءات مع المكاتب الاستشارية المحلية. - إتاحة الفرصة للمكاتب الاستشارية للاستفادة من مصادر المعلومات المتاحة لدى الدار. وحول أهمية المكاتب الاستشارية في التقليل من مخاطر فشل المشاريع بشكل عام، وسلبيات دراسات الجدوى الاقتصادية الغير مبنية على أسس علمية والتي إعتمد عليها صاحب المشروع في إقامته، أكد- أخضر- على ضرورة أن تحدد الدراسة للمستثمر المخاطر المحتملة التي سيواجهها المشروع حتى يمكنه الاحتياط منها ومن تلك الاسباب: - مشاكل تسويقية مثل عدم دقة تقديرات السوق كأن يكون أقل حجماً من طاقة المشروع الإنتاجية، وبالتالي لا يمكن للسوق أن يستوعب إنتاج المشروع بسبب وجود عناصر محتكرة أو وجود تفاوت بين جودة أسعار المنتجات المماثلة بالسوق وجودة منتجات المشروع مما يجعلها مهمة صعبة للتغلل في السوق. - مشاكل فنية مثل عدم ملاءمة التكنولوجيا المستخدمة لإمكانيات فريق العمل بالمشروع أو وجود أخطاء فنية في تركيب خطوط الإنتاج. - مشاكل مالية كعدم وجود توازن في الهيكل التمويلي للمشروع بالإضافة لمشاكل عدم وجود رقابة داخلية لمنع حدوث كوارث مالية بالمشروعات. وأجمع معظم من استطلعت أراءهم في القضية، على ضرورة مساندة الجهات المسؤولة، خاصة الغرف التجارية للمكاتب الاستشارية. وتتمثل المساندة المطلوبة من الغرف- وفق د.هيثم فاروق اخضر- في تقييمها لدراسات الجدوى المقدمة لها للتحقق من أن هذه الدراسات أجريت من قبل مكتب متخصص ولديه رخصة في نفس المجال. ومرد هذا المطلب وجود بعض مكاتب المحاسبة والمكاتب الهندسية التي تباشر دراسات الجدوى، في حين أن تراخيصها لا تسمح بذلك. كما أن هناك تقصير من قبل الجهات الحكومية المسؤولة في إمداد المكاتب الاستشارية بالمعلومات المتوفرة لديها، والتي يستفاد منها في إعداد الدراسات. وأن الاحصاءات التي تصدر من التجارة الخارجية عن وزارةالمالية والتي يعتمد عليها بشكل كبير في دراسات الجدوى غير دقيقة ويجب النظر في آلية إعدادها. وأخيراً فإن نجاح المشروع الصناعي أو الخدمي يتوقف على مدى تفهم المستثمر للمشروع الذي يرغب إقامته، والجهد الذي بذله في دراسة الفكرة من كافة جوانبها، فالمستثمر مثلاً، يربط أمواله الخاصة بعملية الإنتاج حتى تؤتي ثمارها بعد فترةمن الزمن، وبالتالي لا بد أن تكون لديه رؤية مستقبلية واضحة لعملية الاستثمار، وكلما وضحت هذه الرؤية زادت حافزه على الاستثمار.