أعتقد أنّ ما نراه في التلفاز، يُخبرنا أننا وصلنا ذروة تخطّي الحدود،ورُبما،اشتعلت النقاط الحمراء، واحترقت أيضاً. حُمّى الإعلانات التي تتراءى أمامنا في الشاشة في كلّ برنامج أو مسلسل كالنّار في الهشيم! قد لا تمر عشر دقائق إلاّ وتبدأ اسطوانة العرض، ولا يُمكن أن تهنأ بمشاهدة ممتعة وهادئة من دون "نطنطة" الإعلانات بألوانها وأشكالها، حتى صار اتصال البرنامج من دون أي مقاطعة ضرباً من ضروب المستحيل.
ربما يغضّ المشاهد الطرف عن هذهِ الناحية، وقد يحاول التأقلم معء الوضع، ولكن للأسف الأمر ليس مجرد إعلانات والسلام! المسألة تعدت لتكون الإعلانات مادة متحوّرة إلى سلعة إيحاءات جنسية. قد تكون هذه القضية مأخوذة من الغرب حيثُ إن لهم أسلوباً خاصاً في تداخل الجنس مع عروض السلع، ولكن في حين أننا نشهد تطوراً هائلاً في مسألة صقل الأفكار وتحويلها إلى إعلانات ملهمة ومثيرة للجدل والفكر والعقل عندهم، وإيثار أسلوب الفكاهة على الأسلوب الجنسي، نجد أننا نتراجع للخلف، و نلملم ما بقيَ من أوراق الشجر اليابس.

عندما نرى أن كلّ ما يعرض في قنواتنا قد تحول إلى سلعة جنسية، يتقاذفها المعلنون والمصممون ومديرو القنوات ككرة مضرب ونحن "المشاهدون" الحضور لهذه المباراة السخيفة، ولا يُمكننا أن نطهر أعيننا من إعلان، إلا ويُعرض الإعلان الذي بعده، لينسينا مفاجأة ما قبله، وُيعيّشنا في فجيعته.

في السابق كان يُمكن لكل أفراد العائلة قضاء وقت مستقطع من يومهم في جوّ صحيّ برئ، يتشاركون فيه اهتماماتهم، ويستمتعون بلحظاتهم، الآن، صار التلفاز العدو الأول للعائلة، والأهل في هاجس دور الرقيب على أولادهم عندما يُضغط زر تشغيل التلفاز، وكأنه إيذاناً بما لا تُحمد عقباه.

وقد يبلغ الأمر إلى التخلص منه أو منع الأطفال من مشاهدته، وقد قرأت رداً لمنى سليمان حول هذا الموضوع في مجلة عربيات قائلة: "عن نفسي كأم أمنع أطفالي من مشاهدة التلفزيون خلال أيام الأسبوع وأختار لهم برامج معينة في الإجازات أحرص على أن تكون هادفة ترتقي باهتماماتهم وتوسع مداركهم، وأعترف بأنني أراقبهم رقابة لصيقة وأسعى دائماً إلى إيجاد البدائل لقضاء أوقات فراغهم بوسائل مفيدة ومسلية تساعد على نموهم الذهني والبدني مثل الرياضة والقراءة وحفظ القرآن الكريم".


إن صدّ هذا الطغيان الهائل والمريع قد يكون بأكثر طريقة، الامتناع عن مشاهدتها هو الحلّ البديهي، و إذا أردت رداً جذرياً، فإن محو القناة قد يفي بالغرض، أو رُبما مراسلة القنوات الفضائية أو أصحاب العلامات التجارية المنتجة.. وإبداء الرفض والاستنكار لهذه المواد. بالإضافة طبعاً إلى تثقيف الجيل الجديد وتبيان الخطوط الصحيحة والمسارات المستقيمة وفتح آفاق النّور حتى لايجزعوا من الظلام.. أرى أنه الحلّ المثالي لكي يكون عند المرء تلك الذائقة المرهفة التي تستطيع تمييز الغثّ من السمين.