تفتقد أو تفتقر أمتنا الإسلامية اليوم إلي صفات كثيرة ومن أهمها افتقادها أو افتقارها الشديد إلي صفة الرجولة. وإن الأمم تعرف برجالها البواسل والجريئين الذين يحمون رجولتهم من كل دناءة ورذالة. وقد أوصل فقدان الرجولة في رجالنا أمتنا الاسلامية اليوم إلي حافة الذلة والمسكنة والعار حتي أصبحنا أمة لا يعبأ ولا يبالي بنا أمم العالم. ولم يبق لنا في العالم صوت مسموع وما بقي لكلمتنا رعب وهيبة بل إننا صرنا أمة افتقدت هويتها وعزها وشرفها ومكانتها بين الأمم المتحضرة في العالم. فماذا بقي لمن افتقد مبادئه ودعائم مبناه؟ وماذا بقي لمن استوصلت جذوره وزلزلت أقدامه؟ فأي سقف لمن لا جدران له أو أي بيت لمن لا أرض له أو أي صوت لمن لا لسان له أو أي نداء واستجارة لمن لا مجيب ولا مجير له.

لقد حفل تاريخنا بالأمثلة القيمة للرجولة الحقة فكان نبينا محمد صلي الله عليه وسلم نبيا رجلا علم الرجولة للإنسانية، وكان الصديق رضي الله عنه رجلا في رحمته وصدقه ووفائه، وكان عمر رضي الله عنه رجلا أشد الرجال في أمر الله، وكان عثمان رضي الله عنه رجلا في صدق حيائه، وكان علي رضي الله عنه رجلا في منتهي قضائه، وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما نموذجا للرجولة في شبابهما، وكان حمزة رضي الله عنه رجلا في كونه أسد الله وأسد رسول الله، وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه رجلا في مواقفه الخالدة في حروب الإسلام، وهكذا نجد تاريخنا مملوءا بأمثلة الرجولة الصادقة التي قدمها لنا أسلافنا.

وعلينا الآن أولا أن نستكشف أسباب فقدان وغياب الرجول من أنفسنا ثم نسعي لاستعادة ما فقدناه وما غاب عنا، واعتقد أن ديننا الاسلام واليقين الكامل علي ذات الله تبارك وتعالي هو الذي بث في قلوب أسلافنا روح الرجولة، كلما ابتعدنا من ديننا وكلما اضمحل يقيننا علي الله كلما تجردنا من الرجولة.

عندما كان رسولنا ينام تحت ظل شجرة وسيفه معلق بها إذ أخذه كافر وسله عليه ثم قال من يضعك مني. هنا ظهر موقف الرجولة من نبينا الباسل المتوكل علي خالقه عندما جهر بقول الله سقط السيف من يد العدو وبدأ يرتجف.

وعندما طلب مشركو مكة من أبي طالب عم الرسول صلي الله عليه وسلم أن يمنع ابن أخيه وعندما علم بذلك رسولنا الكريم قال: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر حتي يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته أو كما قال عليه السلام.

وفي إحدي المغازي وعند تنفس الأنفاس الأخيرة وفي حالة العطش الشديد عندما يؤثر صحابي عطش أخيه علي عطشه هنا يظهر الموقف الرجولي حتي عند اللحظات الأخيرة من حياته.

وهكذا موقف سيدنا عبدالله بن حذافة رضي الله عنه عندما أسره ملك الروم وعرض عليه عروضا مغرية من الشراكة في الملك والتزويج بابنته مقابل ترك دينه الحنيف واعتناقه النصرانية وإلا واجه القتل أشد القتلة في القدر المليء بالزيت المغلي وهو يبكي عند القائه في ذلك القدر ليس علي فقدان حياته بل علي اظهار موقفه الرجولي، عندما سأله ملك الروم لماذا تبكي؟ هل خفت من الموت؟ قال: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقي في هذه القدر الساعة في الله فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله .

وما مات منا سيد حتف أنفه

ولا طل منا حيث كان قتيل

تسيل علي حد السيوف نفوسنا

وليس علي غير السيوف تسيل


ونحن في زمن العقم نريد أن نخلق الرجال، نريد أن نبحث عن الرجال، نريد أن نعد الرجال في كل شعبة من شعب الحياة، نريد أبا رجلا، ابنا رجلا، معلما رجلا، تلميذا رجلا، تاجرا رجلا، صانعا رجلا، قاضيا رجلا، سياسيا رجلا، وزيرا رجلا، رئيسا رجلا، ملكا رجلا وكل ذي صناعة رجلا وعلي الجملة إنسانا رجلا.

لا نكتفي بادعاء كوننا أمة غنية بالمواقف الرجولية وتاريخنا مملوء بالأمجاد الفاخرة بل نحاول أن نصبح بأنفسنا رجالا يفتخر بنا من يأتون بعدنا، صحيح أننا لا ينقصنا رجال مثل خالد بن الوليد والمثني بن حارثة الشيباني ومحمد بن القاسم وموسي بن نصير وطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبي والسلطان تيبو والسيد أحمد الشهيد ومحمود الغزنوي وغيرهم من عظماء الرجال الذين جعلونا نفخر بهم بانجازاتهم القيمة الرائعة الخالدة ولكن هل نجعل من يأتون بعدنا أن يفخروا ويعتزوا بنا؟ وعلنيا أيضا أن نترك آثارا خالدة وأن نكون خير سلف لمن خلفنا نثبت بأعمالنا بأن هذه الأمة لم تتعقم بعد بل إنها لاتزال تولد أبناء يحاولون بانجازاتهم وبأعمالهم وبابتكاراتهم أن يبقي المجد متصلا والفضل خالدا.


سيذكرني قومي، إذا جد جدهم

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

ونحن أناس، لا توسط عندنا

لنا الصدر، دون العالمين، أو القبر

تهون علينا، في المعالي، نفوسنا

ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر