مدونة نظام اون لاين

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: قصة قصيرة..........زنزانة الضمير

  1. #1
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    الدولة
    عـا ( الأحاسيس ) لـم
    المشاركات
    39,241
    معدل تقييم المستوى
    40

    افتراضي قصة قصيرة..........زنزانة الضمير

    مثل فأر أغرته قطعة الجبن فانقاد خلفها وخلف شهيته.. ليجد نفسه وقد دلف إلي داخل المصيدة بإرادته.. وعندما يقفل الباب بإحكام تنقلب الشهوة إلي خوف وتتبادر إلي الذهن فكرة الخلاص والمفر.. وربما ينتابه الندم واليأس أمام أمر واقع لا محالة، وتظل قطعة الجبن قابعة بمكانها كما هي ينظر إليها الفأر بذهول تام وكأنه يندب حظه العاثر ويتساءل.. هل تكون حريته.. بل وحياته ثمناً لقطعة الجبن هذه؟ تماماً مثلي أنا..! ومثلما كانت جريمتي الحمقاء ثمناً لحياتي.. ثمناً باهظاً سأدفعه بعد أيام قليلة.. أيام لا أعرف عددها تحديداً لكنها قليلة. وربما غدا فحتي موعد اعدامي ومغادرتي لهذه الدنيا قد صار سرا بيد شانقي وربما كان هذا نوعاً آخر من أنواع القصاص علي الأرض كي أتضور ألما وخوفاًَ بين جدران هذه.. الزنزانة العتيقة التي سوف يسدل فيها الستار علي حياة توقف فيها القطار ليعلن عن هبوطي إلي محطتي الأخيرة.. ومثلما كانت المصيدة هي زنزانة الفأر.. كانت هذه الزنزانة هي مصيدتي.. لكن هذا المخلوق الضعيف أفضل مني حالا ويحمل من الدوافع ما يبرر له دخول المصيدة.. فهو لم يحظ بنعمة العقل مثلنا نحن بني آدم بل حركته الشهية والغريزة الحيوانية التي تلغي وجود العقل والتي تسيطر علي بعض البشر ليتحركوا بها ويضعوا العقل في سبات ونوم عميق.. وعلي أية حال هذا فأر ونحن بني آدم من صنعنا له المصيدة فلا يصح أن نقع فيها.. لكنني وقعت بغير دافع جلي! لم يكن ينقصني طعامي ولا شرابي. حتي المال.. لم أسع خلفه بل إن دافعي وقطعة الجبن التي لهثت خلفها ليستقر بي الحال إلي ذلك المكان الموحش.. هو أنني قد أصبحت قاتلاً من أجل عادات وتقاليد بالية.. رثة حملت كلمة الثأر.. الثأر الذي تعدي قانونه في قريتي.. كل قوانين الكون ونواميس الطبيعة.. فمن قام بقتل شخص من عائلتي.. ذهب إلي السجن يلقي مصيره.. وفي هذه الحالة يجب أن نختار ابنا من أبنائه.. تبكي عليه عائلته وتهتز لفراقه.. ليرتفع علم الثأر ويتدفق نهر الدم. وجاء دوري لأثأر ولأن أكون رجلاً في قانون العائلة.. وجاء دور الضحية ليدفع ثمن ما لم تقترف يداه. وكان الاختيار.. فالضحية شاب ناجح في مقتبل العمر يخطو خطواته بنجاح نحو إنهاء دراسة الطب.. وضعت فيه ثقة أهله بأن يصبح طبيباً يشار له بالبنان.. وضعت الخطة وتربصت له. وكان أضعف مما أتخيل.. كان وديعاً مسالما لم أجد منه أية مقاومة تذكر فقد أجهزت عليه في لحظات قليلة بطعنة غدر لتنطلق الزغاريد في منزلنا احتفالا بالثأر واجتيازي لاختبار الرجولة بنجاح.. وينطلق الصراخ بمنزل الضحية حسرة علي رحيله.. يومان فقط من الهرب وينجح رجال الشرطة في القبض عليّ مثل فريسة تقع في شبكة الصياد بسذاجة.. ليرسلوا الصيد الثمين إلي النيابة ثم المحكمة فتأتي بحكمها العادل والنافذ لتضعني بهذه الزنزانة التي ستكون آخر ما يأويني قبل الرحيل عن الدنيا ليأخذ المجتمع حقه وثأره وليبحث أهل الضحية عن كبش فداء جديد من عائلتي.. وتدور الدائرة غير عابئة بمن يضيع بين رحاها.. أما أنا فأجلس بهذه الزنزانة خاضعاً.. مستسلماً فلا نوازع الشر بداخلي ولا الشيطان الذي تملكني قادران علي اختراق جدران هذه الزنزانة العاتية.. الصلبة.. القاسية كالقذارة التي وضعت بها كل معاني الرهبة والخوف.. جدران سميكة تلف أرضا فارغة إلا من نافذة عالية صغيرة بقضبان حديدية صلبة لا أكد ألمسها إلا بأطراف أصابعي.. وعلي الأرض مفرش خشن مهتريء للنوم يعلوه وسادة متحجرة بنية اللون لكن لونها الأصلي بدا مختفيا من شدة قذارتها والدموع التي تغرقها كل ليل ببكاء النادمين..وهناك بأحد الأركان يتدلي من الحائط صنبور مياه للغسل والوضوء وضع أسفله وعاء بلاستيكي لتلقي المياه الفاقدة. ودائما ما كنت أتعمد ألا أغلق الصنبور جيدا فتتسرب المياه نقاطا تسقط بالوعاء فتحدث صوتا كل ثلاث ثوان يبدولي كموسيقي تصويرية تؤنس وحدتي وهناك إلي جوار الفرش تقبع كسرة خبز جافة بقيت من طعام الأمس وعلي الرغم من شعوري بالجوع الشديد فحتي الآن لم يأت طعام اليوم رغم ولوج الليل وعلي ما يبدو أنهم قد نسيوني.. فأنظر إلي كسرة الخبز وأمد يدي ناحيتها ثم تعود يدي أدراجها عندما يلح علي ذهني هاجس يقول.. وما الفائدة من سد جوعك وإسكات معدتك إنها ساعات قليل وسيعدمونك. ينتابني اليأس من كل شيء فأجلس متكئاً بظهري علي الحائط.. وأميل بخدي علي برودة الجدار فتستقر أذني عليه عندما أسمع الصوت القادم من بعيد.. صوت كعوب أحذية السجانين يقترب في الممر الطويل المؤدي إلي الزنزانة وكلما يقترب كلما تزلزل كياني وأقشعر بدني.. إلي أن يذهب الصوت وتذهب أقدامهم إلي مكان آخر فأهدأ هدوءاً مؤقتاً.. أعاود الجلوس ناظراً إلي النافذة العالية الصغيرة تأتي أنفاسي منها.. وتأتيني عبرها الشمس زائرة لدقائق علي حين غرة ثم تذهب عني تاركة اياي مع الظلام والخوف ومواجهة الضمير الذي بدأ يصحو ويشاركني اقامتي هنا.. أنظر إلي أسفل واضعاً رأسي بين يدي فأري لباس الاعدام الأحمر القاتم المرعب الذي أرتديه فترتعد أوصالي.. أذهب بنظري إلي الحائط المواجه لي فأري كتابات لزائرين قبلي كتبت بخطوط مهزوزة يائسة.. بالأعلي كتب.. ما أسهل اغراء الإنسان يسقط أمر الشيطان فلا ضمير يصده.. ولا أيمان وأسفلها كتب بخط ضخم أيقظ ضميرك أهرب من اقتحام الأفكار ومن عذاب الضمير فأعود بذهني إلي الماضي لأتذكر الروحين اللتين أزهقتهما روح من جنيت عليه وروحي التي ستذهب بعد وقت قصير.. أبحث بمخيلتي عن بقعة صافية في الماضي فأري أيام دراستي الجامعية بالقاهرة أري المدينة المستيقظة الساحرة تحمل في جعبتها بشراً طيبين.. أري نهر النيل بمائه العذب وقد التف حوله الناس مثل أم حنون تحابي علي صغارها.. أري حياة تسير ولسوف تسير.. غير عابئة برحيلي.. وأراني فقدت كل تلك الأشياء.. أهرب من الماضي فأجنح إلي المستقبل لكن المستقبل خالي إلا من صورة قاتمة لحبل المشنقة يتدلي فرحا في انتظار الضحية.. ليس بوسعي إلا أن أعيش الحاضر اللحظة التي أنا عليها الآن.. فالوقت المتبقي لي بهذه الدنيا قليل أشعر بأنهم سيأخذونني عند الصباح.. لماذا أخاف..؟

    ماذا في الموت ربما يكون أفضل حالا لي.. لقد أتي الضمير أتي متأخراً لكنه أتي علي أية حال ليبعث في نفسي راحة وفي عقلي نورا وفي ذاكرتي ندماً.. أشعر براحة..لم أعهدها من قبل.. أستيقظ الضمير.. سأذهب إلي غرفة الاعدام بصدر رحب إنني أستحق العقاب.. هناك عبر النافذة الصغيرة سحب صافية تتحرك مسرعة ونجوم تتلألأ في عباءة الليل السوداء.. وقمر ذهبي ينحسر تدريجيا ليخلي المكان للشمس كفتاة خجولة تداري وجهها. وهناك علي الشجرة العتيقة أري عصفورة تطير سعيا للرزق مكللة بدعوات صغارها القابعين بالعش في انتظارها وأري الضمير أتاني في صورة رجل مسن تقي علي وجهه الورع والايمان، مرتديا ملابس بيضاء.. فيأخذني من يدي إلي صنبور المياه لأتوضأ وأصلي وعند سجودي أجهش بالبكاء، وتزيد الدموع ربما تغسل ذنوبي وتنقي قلبي. بعدها أنظر إلي الحائط جاحظا ببصري إلي كلمة الضمير فتنفرج أساريري وينشرح صدري بهذا الشيء الضمير الذي فقدت معناه طوال عمري ليأتيني عبر هذه الليلة مخففا عني عبء الخروج من الحياة.. ينطلق الوقت مسرعا نحو صباح يوم جديد. بل نحو صباح يوم أخير.. إنني أسمع أصوات كعوب الأحذية تقترب.. وتقترب.. وأمام الباب وقفوا وتوقفت أصوات الأقدام.. لينطلق عبر السكون.. صوت مفتاح الزنزانة يدور ليفتح الباب.. لم أخف ولم أنزو بالركن هلعا مثل كل مرة بل انتظرتهم خلف الباب ليأخذوني من يدي إلي غرفة الخلاص والرحيل.. فيسألونني عن آخر مطلب لي بالحياة فأرد.. لا شيء لقد قابلته بعد غياب طويل ليسألونني مندهشين.. ومن الذي قابلته.. فأرد مبتسماً بآخر ابتسامة لي بالدنيا.. قابلت الضمير..!!

  2. #2
    ... V I P...


    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    New York
    المشاركات
    9,464
    معدل تقييم المستوى
    10

    افتراضي

    كل انسان له ضمير لازم له زنزانه لضميره ولا كن الضمير بدون زنزانه لايكون للشخص احساس وتأنيب له ,, او يكون صاحب مشاعر ,, موضوع رائع

    ~*¤ô§ô¤*~*¤ô§ô¤*~سلمت اخوي وسلم قلمك~*¤ô§ô¤*~*¤ô§ô¤*~

    [move=up]تقبل مروري ورده الـــــــــــــــــــروح[/move]

  3. #3
    الله يرحمها ويغفر لها


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    الدولة
    مصر المنيا
    المشاركات
    3,324
    معدل تقييم المستوى
    4

    افتراضي

    الثأر الذي تعدي قانونه في قريتي.. كل قوانين الكون ونواميس الطبيعة..

    الثأر عادة سيئة

    رحمنا الله منها

    مشكور اخى على القصة المعبرة والمؤثرة

    بارك الله فيك ولا حرمنا من حضورك المتألق

  4. #4
    كبآآر الشخصيآت

    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    الدولة
    عـا ( الأحاسيس ) لـم
    المشاركات
    39,241
    معدل تقييم المستوى
    40

    افتراضي

    وردة الروح

    فاطمة محمد حسين

    أنــآ ليّ الـــشرف بِمرور الكِرامـ أمــثالِكــم ..!!

    يــسرني أن تكـــونوا من الـح ــآضرين

    المتميزين في صفحتي

المواضيع المتشابهه

  1. (¯`•._.•(موت الضمير)•._.•°¯)
    بواسطة درة الزين في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 33
    آخر مشاركة: 05-04-2008, 07:03 PM
  2. ^*-.][حين يموت الضمير ][.-*^
    بواسطة ابوقلبين في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-06-2006, 02:39 PM
  3. موت الضمير
    بواسطة لبيب المالكي في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 23-05-2006, 12:25 PM
  4. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15-02-2006, 06:20 AM
  5. > >قصيرة ... قصيرة ... رائعه ... غريبه ... ولكنها حقيقيه
    بواسطة الــــــحزيــــن في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 16-12-2005, 05:49 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •