قسم الله تعالي الأرزاق علي عباده بحكمة بالغة ودقيقة للغاية، حيث قدر الله تعالي لإنسان أن يحصل علي رزق عالٍ يعيش به في رفاهية وسعادة، وأيضاً قدر الله تعالي أن يحصل إنسان آخر علي رزق ضئيل لا يكاد يكفي معيشته، ولكن هذا الرزق قد يكون بلاءً واختباراً يختبر الله جل وعلا به عباده، حيث قد تكون الرفاهية والسعادة التي حصل عليهما الإنسان الأول سبباً في ضلاله وابتعاده عن هدي دينه الحنيف، وإذا ما طلب الإنسان الثاني منه أي مساعدة أو عون فإنه من النادر أن يقدم له أي مساعدة، وإذا ما قدم له مساعدة فإنه لا يقدمها إلا لمصلحة أو حاجة له عند ذلك الإنسان الضعيف.
وأما من يتأمل حياة الإنسان الآخر الضعيف الذي لم يحصل إلا علي رزق ضئيل فإنه يجده صابراً محتسباً متمسكاً بدينه الذي ارتضاه له خالقه سبحانه وتعالي، فهو يرفض الخضوع والانقياد لغير الله عز وجل ويرفض كذلك أن يطلب الرزق من غيره لأنه يعلم انه لن يأتيه إلا ذلك الرزق الذي قدره الله تعالي وقسمه له، فتراه يضني نفسه في العمل الذي يقوم به فيتقنه أشد الاتقان وهذا كله ليس لكي ينال مدائح الآخرين ويقال عنه انه كادح ومتقن لعمله ولكنه يقوم بذلك من أجل أن يعيش وعائلته عيشة راضية وهنيئة وأيضاً لكي يوفر لأولاده الخير الذي سينفعهم مستقبلاً بإذن الله تعالي، وأيضاً لكي يتخلص من ذل الإنسان الغني الذي يرفض أن يمد له يد المساعدة والعون.
فهذا الرجل لم تشغله الدنيا التي شغلت ذلك الإنسان الغني السعيد ولن تشغله أبداً، فعلي ذلك الرجل السعيد أن يعلم بأن النعم التي يعيشها لا تدوم ولابد لها أن تفني وتزول، وعندئذ حتماً أنها سوف تذهب إلي ذلك الإنسان المؤمن الصابر، وعندئذ لن ينفع ذلك الإنسان الذي كان سعيداً من قبل التحسر والندم علي ما ضاع منه، فمن المؤكد أن ذلك الإنسان المؤمن سوف يشكر الله تعالي علي هذه النعم التي منحها إياه، وأما ذلك الإنسان الآخر فسوف يشعر بذلك التعب والعذاب الذي كان يعيشهما من قبله ذلك الإنسان المؤمن الصابر، وصدق الشاعر عندما قال أبياته تلك التي تصف الحال المتقلب لذلك الرجل الغني السعيد حيث يقول:
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها
علي الناس واعلم انها تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخل يبقيها إذا هي ولت
مواقع النشر (المفضلة)