رغم خسارتها لابنها وزوجها ومعاناتها المستمرة تعتبر ترايسي سمولوود ان ابنتها الصغيرة بعثت لتنقذ حياتها وتملأها فرحاً بعد الأحزان المتتالية التي عصفت بها وحولت سعادتها الى كابوس مرعب. وتتذكر ترايسي (38 عاما) عند اكتشافها حملها كيف جهزت وزوجها وولتر غرفة في المنزل للابن القادم الذي سيملأ حياتهما سعادة. الابن الذي جاء بعد 10 سنوات من ارتباطهما سمياه كورتيس، وعندما ولد أحست ترايسي ان سعادتها اكتملت، لكن المستقبل كان يخبئ لها الكثير.
البيت المليء بالفرح تحول الى بيت موبوء بالخوف والألم ببلوغ كورتيس سن الثالثة عندما اشتكى من ألم في الرقبة والظهر فأخذته أمه الى الطبيب الذي طمأنها بعدم وجود شيء. في الأيام التالية بدأ مسلسل الشكوى والألم من كورتيس، فتارة يشتكي من أوجاع بقدمه وينفجر باكياً وتارة في ظهره ولم تستطع الأم المسكينة تحمل آلام ابنها فهرعت به الى الاطباء الذين طمأنوها مجدداً بعدم وجود خطر حقيقي وأن الأمور كلها أوهام. الطامة الكبرى حدثت عندما لم يعد كورتيس يقدر على المشي فأدخل المستشفى لإجراء فحوص طبية ولكنها لم تظهر شيئاً. الوالدان ترايس وولتر أصيبا بالحيرة وتساءلا: كيف سنغادر المستشفى والابن ما زال يتألم؟ وبينما كانا في طريقهما للخروج من المستشفى، نادتهما الممرضة وهي تركض “ارجعا، وجدنا شيئاً” للوهلة الأولى غمرت الفرحة ترايسي، وهتفت: “أخيراً نجحوا في تشخيص حالته ويستطيعون الآن مداواته وشفاءه”، لكن الفرحة انقلبت الى غم وهلع عندما رأت الوجوم على وجه الطبيب الذي لخص الكارثة بقوله: يعاني كورتيس من السرطان. الصدمة أصابتها في الصميم وبينما خضع الطفل لفحوص إضافية تعززت مخاوف الوالدين، إذ يعاني كورتيس من أورام في عموده الفقري وتمكن منه المرض الذي تغلغل في نخاع عظمه.
الوالدان حاولا إظهار الشجاعة أمام ابنهما، إلا أن الدموع كانت تفضحهما في وحدتهما، أخضعاه للعلاج الكيميائي وعندما حاولا علاج الأورام، لم يستطع جسده الضعيف التحمل، وكانت عبارة الطبيب الشعرة التي تقصم الظهر: آسف، ليس باستطاعتنا فعل أي شيء.
حاول الزوجان تمالك نفسيهما أمام مأساتهما وصمما على جعل أيام طفلهما الأخيرة سعيدة فأخذاه الى مدينة “ديزني لاند” الترفيهية في باريس حيث قضى أجمل أيامه وعندما عادوا تدهورت حالته الصحية ولم يبق لهم إلا الاستسلام وتوفي كورتيس بعد ستة أسابيع من عودته من “ديزني لاند”.
انهيار: انهارت ترايسي ولم تستطع تقبل فكرة خسارتها لابنها إلا أن الاقدار ساعدتها عندما اكتشفت حملها بعد شهر من وفاته، وجاءت المنقذة كريستال، فساعدت أمها على النسيان وان لم تنجح في ذلك تماماً. تقول ترايسي: من دون كريستال كانت حياتي محطمة لذلك ركزت كل جهودي على اسعادها وتوفير حياة كريمة لها.
وفي إحدى الليالي، اخبرت ترايسي ابنتهما كريستال عن أخيها الشجاع ومنذ تلك اللحظة داومت كريستال على سؤال أمها عن كورتيس قبل النوم كل ليلة.
وخلال السنوات الخمس التالية، عمدت ترايسي الى بناء جو أسري رائع، ورغم بكائها على كورتيس إلا أنها استجمعت قوتها من كريستال وولتر. وفجأة دق جرس الهاتف وأخبرها المتصل ان زوجها وولتر نقل الى المستشفى لإحساسه بآلام في ظهره، فحصه الطبيب ثلاث مرات وفي كل مرة كان يؤكد له أنه بخير ولكن الألم ازداد وما عاد محتملاً. وبعد ستة أيام من الفحوصات الطبية ظهرت النتيجة: “لديك سرطان في المعدة وفي مرحلة متطورة، آسف لا نستطيع عمل اي شيء”، كلمات الطبيب امتصت الهواء من رئة ترايسي.
وبشجاعة سأل وولتر طبيبه: “كم بقي لي من الوقت لأعيش؟”، وكان الجواب واضحاً: “بضعة أسابيع”.
وأعاد التاريخ نفسه وأحسست ترايسي بفداحة ان تخسر الاثنين معاً وعندما طلب منها زوجها أخذه الى البيت، ضغطت على يده بحنان مصممة على ان تظهر رباطة جأشها أمامه وتؤجل الدموع الى موعد لاحق وقريب.
واجه وولتر مرضه بشجاعة ولكن جسده بدأ بالخمول ليفارق الحياة عن عمر 45 سنة.
“إنه حب حياتي، كيف سأحيا من دونه”، هكذا صرخت ترايسي المصدومة، لكنها لم تستسلم فقالت لابنتها “والدك مع كورتيس في الجنة”. فما كان من كريستال إلا القول: “إذاً لا تبكي يا أمي، لكن ترايسي لم تستطع إخفاء دموعها، رغم انها قررت ان تعيش حياتها مع ابنتها بشجاعة ولن تستسلم أبداً”.
مواقع النشر (المفضلة)