عندما تخاذل الرجل وتراخى عن القيام بأسباب قوامته تمرجلت النساء وترجلن عن عروشهن ، وأصبحن يزاحمن الرجال ويحاكين الرجال، ويطالبن بما لم تطالب به نساء الأرض من قبل ! تخلى الرجل عن فأسه فتخلت المرأة عن كرسيها واختلط الحابل بالنابل ، وطاشت الخطى وضاع سهم الحقيقة في ظل التشويش وغوغائية الفكر المنفلت !

للمرأة حقوق .. نعم .. حق التعلم ، حق المشورة ، حق الاختيار ، حق الاعتقاد ، حق الاقتصاد ، حق الفكر ، والكثير غيرها من الحقوق البشرية التي تشترك فيها كنوع من أنواع الجنس البشري مع الرجل ، حقوق لا بد لها من قنوات مفصلة منظمة تضمن للمرأة آلية استخلاصها في حال لزم الأمر ، وأن لا تترك المرأة تائهة في غياهب جهلها وظلم الشريك لها ولنفسه .

خلقت حواء بعد آدم فجاءت غصنًا وريفًا بظلالها وحنانها وانعطافها عليه ، جاءت سكنًا له بعد شقاء وهجير الحياة وجفافها من العاطفة التي تملأ الأرض إشراقًا وتفتحًا وإزهارًا ، جاءت سكنًا جاءت حنانًا، فهل يعيبها أن تكون لحنًا رقيقًا ينساب كنسمات الربيع ؟ هل يعيبها أن تجسد في هذه الحياة معاني اللطافة والاستقرار والجمال؟!

إني أتساءل لماذا يسعى إنسان مهما كان نوعه وراء التعب والكد والشقاء، ويركل برجليه أسباب الدعة والرخاء ؟ لا بد أن هناك أسبابًا تدفعه إلى ذلك ، فالمرأة إما أنها لم تحسن توظيف الأسباب المهيأة فيما يملأ وقتها بالمفيد والخيّر ، وإما أنها دُفعت دفعًا لأسباب خارجة عن إرادتها للتخلي عن ميّزات وحقوق وهبت لها وهبًا، إن التي لم تحسن التوظيف بحاجة إلى تربية وتوعية وتثقيف ، أما التي اضطرت للشقاء فهي الأولى بالدراسة والرعاية والكفاف . إن أشباه الرجال الذين يدفعون النساء إلى ميادين لا تتناسب وطبيعة المرأة، ويرمون بمسؤوليات هم أولى بتحملها على كواهل النساء بحاجة إلى تقويم وتعزير !

أما المرأة التي تنساق وراء هوى النفس وشعارات التضليل فهي بحاجة حقًا إلى إعادة النظر في حساباتها مع نفسها ومع الآخرين ، إن أهواء النفس ورغباتها قد لا تتطابق ومنهج الله في الأرض ، ذلك أن الأنفس قد لحقها ما لحق الماء والهواء من تلوث بيئي ونفسي، فانحرفت عن الفطرة السليمة التي فطرها الله عليها ، وأصبحت قراراتها تابعة لرغباتها لا للحق والخير والجمال !

للمرأة حقوق نعم.. وعليها أن تنتصر للمطالبة بتلك الحقوق المسلوبة، وذلك بالعودة إلى التمسك بالمهمة الأساسية التي أرادها الله لها في الأرض. إن تربية "الإنسان " والتعامل اليومي معه ذكرًا كان أم أنثى ، طفلاً كان أم شيخًا ، فن راقٍ وعمل شاق لا تتقنه سوى الأنثى بما حباها الله به من قدرة على العطاء العاطفي، وقوة صبر وتحمل على التعامل مع حاجات وتفاصيل صغيرة قد لا يطيقها الرجل مفتول العضلات ، لهذا قيل : يتعامل الرجل مع الأرض والزرع والجمادات بأنواعها وهو قادر عليها بإذن الله ، وتتعامل المرأة مع " الإنسان " وهي مهمة أرقى وأعقد بكثير لأنها تحتاج كما قلنا إلى طاقات نفسية وعاطفية خلقها الله في المرأة بقدر صالح لأداء هذه المهمة الهامة في حياة البشرية جمعاء ، بينما منح الرجل القوة الجسدية اللازمة للتعامل مع الطبيعة بمختلف أشكالها القاسية .

وهذا الحق حق التركيز على مهمة تربية " الإنسان " هو الحق الأساسي والأول الذي ينبغي أن تلوح به النساء في وجه الرجال ، وتطالبه أن يعفيها من مهام كثيرة هو أولى بتحملها والسعي فيها لكي تتمكن هي من المحافظة على طاقاتها الشعورية وقوتها الجسدية والفكرية وتسخيرها لتربية نشء طيب وأجيال صالحة لحمل الأمانة وعمارة الأرض بالصورة التي أرادها الله سبحانه عز وجل لنا في هذه الحياة ! إن ترويض الأنفس وتذليلها لإرادة الله تعالى هو المحك الذي نقف عنده ، وما نراه اليوم نقيض ذلك تمامًا، فنحن لا نملُّ من اللهث وراء كلمة أو مخرج نحلل فيه أو نهون فيه ما حرّم الله ، أو نحبب فيه ما كرّه الله، وكان الأولى بنا أن نأتي الطاعات عن حب وقبول ، لا عن تمنّع ومنّة وجدال!

آخر المطاف :

من أجمل ما سمعت :" تلوى أعناقنا لإعلاء دين الله في الأرض ، ولا يلوى عنق الدين لإعلاء رغباتنا"