تحريف الكلم عن مواضعه
أشياء كثيرة تغيرت في حياتنا.. وللأسف تغيرت إلى الأسوأ.. وهذا التغير لم يأت فجأة. ولم يسقط علينا من السماء ولم يصب كوباء!! بل أسهمنا في حدوثه حينما مهدنا له جميع الطرق.
وأول هذه الطرق التي يسرناها للتغيير نحو الأسوأ هو أننا أضعنا التسميات الحقيقية للأشياء. وألبسنا كثيراً من المصطلحات ثوبا غير ثوبها. فصرنا نعيش في عالم أتقن تحريف الكلم عن مواضعه.
فالرشوة هي الاكرامية والاختلاسات شطارة والوصولية (فهلوة) وانتهاك حقوق الغير والقتل والاحتلال ونهب الثروات وإبادة الأمم سمي (استعماراً) وهو لفظ مأخوذ من عمارة الأرض وحياتنا وتنظيم الحياة فيها.
ونشر الرذيلة صار حرية.. والانحلال والابتذال وصور الكليبات العارية صار نوعاً من حرية المرأة ومصطلح فتيات العشق والمجون تحول إلى فنانات إغراء.. والعري والإباحية في الظهور وارتداء الملابس الفاضحة هو الموضة!!
وعلى كل موجة وفي كل المستويات نجد تغيراً في المفاهيم وتحولاً في معنى كثير من المصطلحات.
فهاهي الحرية.. اصبحت تعني كل شيء وأي شيء يدل على الفوضى والانحلال والانسلاخ من القيم العظيمة.. فصارت الحرية خالية من المسؤولية التي طالما تحصنت بها!!
كما صار الاعتداء على مقدسات الآخرين وعقائدهم تعبيراً عن حرية الرأي والفكر!!
وأصبح الطعن في الآخرين على المستوى الاجتماعي نوعاً من الفضفضة والحقد والغيرة والحسد والنميمة اجتهادات للدفاع عن الرزق.
أما الاهتمام بالهمّ العام.. والقضايا القومية والشؤون الإسلامية والأمور المصيرية.. فهو (وجع دماغ) (ماله داعي) أي من دون داع.
كما صار الانسلاخ من الهوية.. والتخلي عن القيم والمبادئ الأصيلة وجهاً من وجوه التطور. بل وصلنا إلى درجة أن البعض يستنكر التمسك بالاسلام ويعده جموداً.. ويرى أن التطور.. كل التطور في التراخي في تطبيقه.. وتيسير كل عسير في طريق ذلك.. تحت شعار (الدين يسر لا عسر).. وصار تقبل ثقافة الآخرين وسلوكياتهم بكل مافيها من غث وسمين واندفاع في ذلك والارتياح له انفتاحاً ومن لا يفعل ذلك فهو شخص منغلق !!
إننا انفتحنا على الآخرين وعلى الغرب وأسرفنا في ذلك.. فماذا جنينا؟ وماذا كسبنا؟
والله ما زادنا ذلك إلا ضعفاً وهواناً!!
ان ما يجرى من استغلال مصطلحات غير حقيقية لو حدث من الكفار فلا غرابة.. فالشيء من معدنه لا يستغرب.
لكن ان يحدث منا نحن العرب والمسلمين. فهو أمر خطير ومؤلم.. إننا كي نستعيد انفسنا وقيمتنا وقوتنا.. لابد أولاً ان نستعيد المعنى الحقيقي لمصطلحاتنا.. وأن نسمى الاشياء بأسمائها الحقيقية ونكف عن تحريف الكلمات وتلميع المعاني !!
مواقع النشر (المفضلة)