مدونة نظام اون لاين

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عبدلله القصيمي .. رحلة الاسئلة الكبرى ..؟؟

  1. #1
    ... عضو جديد ...


    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    13
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي عبدلله القصيمي .. رحلة الاسئلة الكبرى ..؟؟

    النشأة و الموطن


    صادف يوم التاسع من كانون الثاني/ يناير لعام2002، الذكرى الخامسة لرحيل المفكر السعودي الثائر عبدالله بن علي القصيمي، الذي يُصنف على أنه حامل لواء الليبراليين العرب، وقائدهم في معركة حامية الوطيس، كان طرفها الأول، وقد جاوزت بسنواتها وهو يخوضها حرب البسوس، فما وهن ولا استكان، بل واصل الطريق بين آكام من الردود، تلقاها بدايةً من علماء الأزهر الذين علموه ودرسوه، فتمرد عليهم، وكشف العوار لديهم، ثم جاءته الصفعة من النجف الأشرف، فتلقاها كالبلسم، وكان قد أوجعهم ضرباً، ثم كانت ثالثة الأثافي عندما تلقاها من السلفيين، وهو الذي ولد من رحمهم، ونشأ في معقل من معاقل التعليم الديني المتشدد لديهم، وهو ابنهم الذي أفرحهم، فتوجوه ورجوه لمستقبل الأيام ذخراً، وفاخروا به الأمم، إلا أنه سرعان ما نكص عليهم، فهجوه ورموه بالسباب والسهام، التي تكسرت على جسده الضئيل النحيل، وما أصابت عقله التأملي الحارق، بل عاش مكابراً لا يقول إلا ما يعتقده، حتى وإن خالف الجميع، عاش شموخ المفكر وكبرياء المتأمل الناقد، فكان نقطة انعطاف وعلامة بارزة في فكرنا العربي الحديث، تناول عطاءه الفكري، إن سلباً أو إيجاباً، مدحاً أو قدحاً، علماء ومفكرون ومثقفون، يُشار إليهم بالبنان، على خارطة الفكر العربي الحديث، فكان القصيمي وكانت حصيلة الرحلة الطويلة، التي لا تزال هناك الكثيرُ من الأسرار تلفها، ولربما حفظها معه فواراها الثرى.
    "إيلاف" تابعت مسار الرحلة بدءً من مسقط الرأس وسقط اللوى، حيثُ "خب الحلوة" الغافي في أحضان الرمال غربي مدينة بريدة في نجد بالسعودية، وانتهاءً بزيارة مشفاه الأخير الكائن في مصر الجديدة بقاهرة المعز، ووقوفاً عند "جامع رابعة العدوية" حيثُ شيعت الجنازة، وحيثُ ووريت في مقابر باب الوزير في مصر،
    مروراً بالعديد من أصدقائه ومعارفه وبعض من أولئك الذين سنحت لهم الفرصة للجلوس معه والتحدث إليه ومناقشته، عندما كان في القاهرة أو لبنان، كما حاورت" إيلاف" أبنائه وممرضته التي أشرفت على علاجه قبل رحيله، فكان هذا الملف الذي تقدمه" إيلاف" في ذكرى رحيله الخامسة، لتذكر العالم العربي، وقد نقدهم وأوجعهم، نقد المحب الوامق، بذلك المفكر الذي وصمهم ذات مرة بأنهم " ظاهرة صوتية" لكنهم خيبوا ظنه، إذ خفت صوتهم فلم يرثوه ولم يقفوا على مسار رحلته فيتتبعوها!!


    المولد والنشأة !!

    ولد الشيخ عبدالله القصيمي في عام 1907م تقريباً في " خب الحلوة" الواقع إلى الغرب من مدينة بريدة النجدية في المملكة العربية السعودية.
    والخبوب: "جمع خب " وتعني تلك القرى القابعة داخل الرمال والمنتشرة حول مدينة بريدة التي كانت ولا تزال تمثل أهم وأبرز معاقل التعليم الديني المتشدد، إذ لا يزال العديد من أبنائها من طلبة العلم الشرعي من يرفض إلى وقتنا الحاضر كثيراً من النظريات العلمية الفلكية والجغرافية، كما أنه يرفض الأخذ بمظاهر الحضارة والتمدن .
    جاء مولد عبدالله القصيمي في " خب الحلوة" ليمثل نقطة انعطاف مهمة في تاريخ تلك القرية الغافية لقرون والتي كانت مجهولة حتى من أبناء المدن المجاورة، شأنها بذلك شأن العشرات من الخبوب والقرى المحيطة بمدينة بريدة والتي لا تزال مجهولة وغير معروفة إلى اليوم هذا، لذلك نقل ميلاد القصيمي تلك القرية لتحتل مكانةً بارزة في كثير من الحوارات الفكرية التي أشعلها القصيمي على امتداد وطننا العربي، كما أنها حظيت بزيارات عدد من المثقفين والمفكرين الذين وقفوا على أطلالها، وكان لـ " إيلاف " أن تقوم بجولة داخل خب الحلوة وتقف على أطلاله المتهدمة التي لا شك أن القصيمي قد خرج من معطفها، كما وقفت إيلاف تحت ظلال تلك النخيل الباسقات التي تكاد تغطي تلك القرية، والتقطت كاميرا " إيلاف " صوراً لتلك القرية .
    والد عبدالله القصيمي هو الشيخ علي الصعيدي، الذي قدم من حائل واستوطن خب الحلوة والذي عرف عنه تشدده الديني الصارم، والذي لم يكفه ما تلقاه من تعاليم دينية في مدينة بريدة لينتقل إلى الشارقة للاستزادة من العلوم الشرعية وللتجارة، أما والدة الشيخ عبدالله القصيمي فهي وفقاً لرواية الدكتور فيصل بن عبدالله القصيمي السيدة موضي الرميح ، التي أنفصل عنها زوجها بعد ميلاد أبنه عبدالله بأربع سنوات تقريباً، ليدعها وطفلها مهاجراً إلى الشارقة، ولكنها سرعان ما ارتبطت برجل آخر من عائلة " الحصيني " المقيمة في قرية "الشقة " المجاورة لخب الحلوة، ويذكر الدكتور فيصل القصيمي أن لديه ثلاثة أعمام من أسرة الحصيني، قدموا إلى مدينة الرياض، واستوطنوها، ولا يوجد منهم أحد اليوم، ولهم أولاد وأحفاد، ويرتبط الشيخ عبدالله القصيمي بروابط أسرية مع عدد من الأسر النجدية كأسرة المزيني والمسلم والحصيني والجميعة، وقد ذكر المؤرخ السعودي عبدالرحمن الرويشد لـ" إيلاف" أن الشيخ ابن جميعة الذي يعمل لدى الملك عبدالعزيز هو عم الشيخ عبدالله القصيمي، وقد هاتفت "إيلاف" المؤرخ إبراهيم المسلم لسؤاله عن مدى الصلة والقرابة بين الأسرتين الكريمتين فقال: تجمعنا قرابة وصلة وخؤولة! وهذه المعلومات تنشر لأول مرة لأنها معلومات لم يكن القصيمي يفصح بها لكل من التقاه من أدباء وصحافيين وباحثين، كما يقول بذلك أصدقاؤه من أنه لم يكن يتحدث بشؤون الخاصة إطلاقاً، كما أن الشيخ علي الصعيدي قد تزوج بامرأة من الشارقة ومن عمان وأنجب أولاداً هناك، ويذكر الدكتور فيصل القصيمي أنه على اتصال دائم بأبناء عمه في الشارقة ويزورونه بالرياض باستمرار.


    أصول أسرة القصيمي

    من المسلم به أن القصيمي ينتمي إلى أسرة "الصعيدي" وهي أسرة ضاربة بعمق في نجد ومنتشرة بين منطقتي حائل والقصيم، ولكن من أين جاءت التسمية بالصعيدي؟
    في الوقت الذي يرى فيه الأستاذ عبدالرحمن البطحي "مؤرخ مقيم في عنيزة بالقصيم" أن أحد أجداد الأسرة كان يعمل بالعقيلات بين مصر ونجد قبل قرون، فنسب إلى المنطقة التي كان يذهب إليها متاجراً، وهذه عادة منتشرة في العديد من المدن النجدية، ويؤيده في ذلك الأستاذ الباحث يعقوب الرشيد والمؤرخ إبراهيم المسلم، إلا أن الدكتور فيصل القصيمي يروي لـ "إيلاف" روايتين حول سبب التسمية بالقصيمي، فإضافةً إلى الرواية الأولى يطرح رأياً آخر وهو أنه ربما يكون جد الأسرة بالفعل قد قدم من الصعيد المصري، واستقر في نجد، إلا أنه يذكر أن أسرة الصعيدي في حائل وبريدة يلتقون في جدٍ جامع لهم، إلا أن الأستاذ إبراهيم عبدالرحمن ( محامي مصري وصديق مقرب جدا من القصيمي) ينكر الرواية الأخيرة، ويذكر أن أول من قال بها هو صلاح الدين المنجد في رده على القصيمي، وكان هدف المنجد كما يذكر المحامي عبدالرحمن هو تبرئة الساحة النجدية من القصيمي!! ويذكر المحامي عبدالرحمن أن فكرة المنجد قد لاقت قبولاً ورواجاً داخل السعودية، إلا أنه يستطرد قائلاً : أن الشيخ حمد الجاسر قد بحث المسألة وتوصل إلى نتيجة وهي أن أصول القصيمي من نجد وأن أحد أجداده قد سافر إلى مصر وعاد مرةً ثانية إلى نجد فعرف بلقب الصعيدي!.
    ورداً على سؤال " إيلاف" للمحامي عبدالرحمن الذي صحب القصيمي مدة خمسين عاماً من أن القصيمي لا بد وأن يكون قد تحدث معه في هذه المسألة خلال هذه المدة الزمنية الطويلة ، قال : أبداً لم يحدث أن تحدث معي الشيخ عبدالله في هذه المسألة ولا غيرها، لأنه كان يرفض دائماً الحديث عن كل مسائله الشخصية!.
    " إيلاف" رغم اعتزازها بصعيد مصر كجزء من أرض العروبة والإسلام، إلا أنها لا ترى أن مجرد النسبة إلى هذا الإقليم أو ذاك سبباً قاطعاً في أن يكون هذا الشخص من تلك المنطقة أو ذاك الإقليم، والدليل أن هناك العديد من الأسر النجدية منسوبةً إلى أقاليم خارج الجزيرة العربية فهناك العماني والتركي والشامي والهندي والرومي والمصري واليماني وغيرها كثير، وفي الوقت الذي لا يرى الدكتور فيصل القصيمي أية إشكالية في أن يكون جد الأسرة قد قدم بالفعل من صعيد مصر، فالأمر سيان لديه، إلا أن إيلاف ترى وجوب حشد الأدلة القاطعة، لأن مجرد الانتساب وحده لا يكفي ليكون دليلاً قاطعاً.
    نشأ القصيمي فيما بين " خب الحلوة" و " الشقة" في ظروف سيئة للغاية، فإضافةً إلى فقده لحنان والديه، فقد كانت الأحوال المعيشية سيئة جداً، الأمر الذي دعاه أن يغادر قريته إلى الأبد!! وهو في سن العاشرة من عمره، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن قرار المغادرة قد أتخذه الفتى بنفسه هروباً من تلك الأوضاع الصعبة يرى الدكتور فيصل القصيمي أن أخوال الشيخ عبدالله هم الذين دفعوه إلى الهجرة بحثاً عن الرزق، وأصروا على مغادرته أمام إصرار والدته، وكانت حجتهم أن يبحث عن أبيه ليطعمه ويكسوه بعد أن ضاقت بهم السبل في تلك الظروف المعيشية السيئة! ركب الفتى عبدالله القصيمي المخاطر مع أول قافلة اتجهت إلى الرياض بعد اتخاذه للقرار الخطير، الذي قاده إلى رحلة طويلة تنقل فيها بين العديد من الأقطار العربية، فما بين مولده في " خب الحلوة" إلى مدفنه في مقابر باب الوزير بالقاهرة رحلة من البحث الطويل المعيشي بدايةً ثم الفكري، الذي أصبح واحداً من أبرز فاعليه على مستوى الوطن العربي .
    في الرياض حيثُ درس القصيمي على الشيخ سعد بن عتيق، تعرف إلى وفد من الشارقة جاء لزيارة الرياض، وكانت المصادفة أن رئيس الوفد صديق لوالده ويعرفه تمام المعرفة، فلاحت في أفقه بوادر أمل في لقاء أبيه، وهذا ماتم على ساحل خليج عمان، إلا أن الدهشة أصابت الفتى الذي كان يتطلع ليس إلى مقابلة والده فحسب، بل إلى ذلك الحنان الذي حُرم منه عشر سنوات، كانت المفاجأة أن والده الذي كان يعمل تاجراً في اللؤلؤ ومتشدداً في تفسيره لكثير من تعاليم الدين الإسلامي قد قابله بشيء من الجفوة والقسوة وفرض عليه أسلوباً في التربية غاية في القسوة.
    هذا اللقاء الجاف لا بد وان يكون له تأثيره اللاحق على حياة القصيمي، يقول القصيمي واصفاً ذلك اللقاء في إحدى رسائله التي بعث بها إلى الأستاذ أحمد السباعي( كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب، لقد وجدت والدي متديناً متعصباً بلا حدود، لقد حوله الدين والتدين إلى فظاظة أو حول هو الدين والتدين إلى فظاظة .. لقد جاء فظاً بالتفاسير والأسباب التي جاء بها الدين وحاول أن يبدو كذلك ولا يراه رجل دين وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة .. ) .
    التحق القصيمي في مدرسة الشيخ علي المحمود، ثم توفي والده عام 1922م فتحرر من تلك القيود التي كبل بها وانطلق يواصل تعليمه، فأعجب به التاجر عبدالعزيز الراشد الذي أخذه معه إلى العراق والهند وسوريا، تعلم القصيمي بدايةً في مدرسة الشيخ أمين الشنقيطي في الزبير، ويذكر الأستاذ يعقوب الرشيد أنه التحق بالمدرسة الرحمانية بالزبير، ثم انتقل إلى الهند ومكث بها عامين تعلم في إحدى المدارس هناك اللغة العربية والأحاديث النبوية وأسس الشريعة الإسلامية، ثم عاد إلى العراق والتحق بالمدرسة الكاظمية ثم انصرف عنها إلى دمشق ثم إلى القاهرة التي شهدت الميلاد الحقيقي للقصيمي.


    ماسبب التسمية بالقصيمي ؟!!

    يرى الأستاذ عبدالرحمن البطحي أن هناك سبباً وراء التسمية بالقصيمي، وهو أن القصيمي عندما التحق بالأزهر ، كان الأزهر موزعاً إلى أروقة يختص كل رواق بناحية من نواحي العالم الإسلامي، فهناك الرواق العراقي ورواق المغاربة والرواق الشامي والحجازي وغيرها، وحيثُ لا يوجد آنذاك ما يسمى بالرواق النجدي ، فقد سألت اللجنة الموكلة بتوزيع الطلبة على الأروقة عبدالله القصيمي عن منطقته التي جاء منها ، فقال: أنا من نجد!! فقررت اللجنة أن تضمه إلى رواق العراق لقربه جغرافياً من منطقة نجد، فانظم إلى العراقيين في رواقهم، فوجده العراقيون مختلفاً عنهم فسألوه عن منطقته التي جاء منها، فأجابهم بأنه من القصيم بنجد!! فسماه العراقيون بالقصيمي فذهبت علماً عليه داخل الأزهر، فاتخذها الشيخ عبدالله رمزاً أدبياً بعد ذلك ثم أصبحت اسماً له ولأولاده من بعده.
    يرى الدكتور فيصل القصيمي أنه من المحتمل أن التسمية بالقصيمي قد جاءت من العراقيين عندما كان والده يدرس في العراق، فاتخذها والده رمزاً أدبياً بعد ذلك ثم اسماً

    القصيمي في الأزهر !!

    في عام 1927 التحق القصيمي بجامعة الأزهر الشريف، وعلى الرغم مما تحتله الجامعة من مكانة علمية متميزة، كونها أعلى مؤسسة دينية في العالم الإسلامي، إلا أنها خيبت آمال القصيمي، إذ كانت على خلاف ما كان يتصوره القصيمي في فكره عن هذه الجامعة قبل التحاقه بها، وكان الأزهر يواجه آنذاك هجوماً من عدد من المفكرين المصريين وعلى رأسهم الشيخ محمد رشيد رضا، الذي كتب عدة مرات في مجلته المنار عن الأزهر وأن علماءه غير قادرين على تعليم الإسلام الحقيقي ولا على تفسير نصوصه أو فهمها، إضافةً إلى ذلك كان الأزهر كما يقول يورغن فازلا كرة تتقاذفها القوى الوطنية الليبرالية والقوى الملكية المحافظة وذلك حول دور الأزهر في النظام التعليمي المصري، وفي ظل هذه الخصومات أكمل القصيمي دراسته في الأزهر، ثم اتخذ موقفاً في الخلاف الذي نشب حول الوهابية، وكان العالم الأزهري الشيخ يوسف الدجوي قد كتب عدة مقالات يدافع فيها عن شعائر تكريم الأولياء ضمنها حججه تجاه الآراء الوهابية، منها مقالته الشهيرة"التوسل وجهالة الوهابيين" المنشورة في مجلة"نور الإسلام" عام1931، لذلك أصدر القصيمي أول كتاب له وهو" البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية" نقض فيه القصيمي حجج الشيخ الدجوي من خلال استعراض مقولات علماء الحنابلة كابن قدامة والشوكاني وغيرهما.


    الهجوم على علماء الأزهر

    كان لهذا الكتاب ردة فعل عنيفة لدى علماء الأزهر، الذين قرروا فصل القصيمي من الأزهر، وكان ذلك عام 1931 ، لذلك شن القصيمي هجومه على علماء الأزهر من خلال كتبه التالية لكتابه السابق، وهي " شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام" وكتاب " الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم" ووقف الشيخ رشيد رضا إلى جانب القصيمي من خلال مراجعته لكتاب " البروق" في مجلته المنار وقال: إن القصيمي اكتسح العلماء بمعرفته الواسعة وأخجلهم، هذه المعركة التي خاضها القصيمي مع علماء الأزهر أكسبته شعبية واسعة في أوساط حركات التجديد الإسلامية.
    في عام 1936م اعترفت الحكومة المصرية رسمياً بالمملكة العربية السعودية، فأصدر القصيمي كتابه الشهير " الثورة الوهابية" وكان هدفه كما يقول فازلا الدعوة إلى تأييد الدولة السعودية الفتية، وتحسين صورة الحركة الوهابية أمام الرأي العام المصري، وقد ذكر القصيمي في كتابه أن العالم الإسلامي قد وجد في شخص" ابن سعود" رجلاً يمكن أن يساعده على استعادة المكانة التي فقدها خلال القرون الماضية، وعلى العودة إلى الأسس الحقيقة لدينه، وكامتداد آخر للدفاع عن الحركة السلفية في نجد، رد القصيمي على كتاب الكاتب السوري محسن الأمين العاملي المعنون بـ"كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب"، جاء رد القصيمي صاعقاً معززاً مكانته كمجادل ومحاور من الطراز الرفيع، إذ جمع رده في جزأين كبيرين حويا أكثر من 1600 صفحة، وكان عنوان الكتاب" الصراع بين الإسلام والوثنية" يقول عبدالله عبدالجبار في كتابه" التيارات الأدبية" أن أحد علماء نجد قال: أن القصيمي دفع مهر الجنة ولن يضيره ما يعمل بعد ذلك، ولا نجد رأساً يطاول رأسه إلا رأس ابن تيمية!.


    هذه هي الاغلال

    بعد ذلك انتقل القصيمي بفكره من المدافع المنافح عن الوهابية إلى طور التحرر والشك في الموروثات، وهذه المرحلة يصفها الذين تناولوا القصيمي بالدراسة والتحليل بالطور الثاني للقصيمي أو الطريق إلى الانشقاق، إذ بدا مرحلته هذه بكتابه الشهير" هذه هي الأغلال" الذي صدر عام 1946، وأهداه للملك عبدالعزيز، وهو يتحدث فيه عن القيود والعوائق التي تقف ضد تقدم العالم الإسلامي، حسب رأيه، وهذا الكتاب على ما حواه من آراء وأفكار، جعلت القصيمي يُصنف على انه متمرد على السلفية، التي كان مدافعاً عنها محباً لها، وفي الوقت الذي وجد فيه هذا الكتاب رواجاً كبيراً داخل أوساط التنويريين والمثقفين وتناوله العديد مهم بالدراسة والتقريظ، إذ كتب عنه شيخ الأزهر الشيخ حسن القياتي مقالة في المقتطف، قال فيها( شكل ابن خلدون رائد الاشتراكيين طليعة معسكر الإصلاح في الشرق، وشكل الافغاني وتلميذه محمد عبدة والكواكبي جوانبه، أما القصيمي فهو قلبه! ) كما رأى القياتي أن هذا الكتاب يصلح لأن يكون برنامجاً للتعليم الوطني وخطة ناجحة للإصلاح، كما كتب عنه الأستاذ عباس محمود العقاد في الصفحة الأولى من مجلة الرسالة، وغيرهم كثير، إلا أن هذا الكتاب تعرض للنقد الشديد من قبل علماء نجد، إذ أصدر علامة القصيم الشيخ عبدالرحمن بن سعدي كتاباً اسماه" تنزيه الدين ورجاله مما افتراه القصيمي في اغلاله" ثم أصدر عبدالله بن يابس وهو صديق للقصيمي وصحبه في سفره إلى القاهرة، كتاباً سماه " الرد القويم على ملحد القصيم" وتوالت المقالات والكتب التي تناولت الكتاب، والتي أفردت "إيلاف" قائمة بالتعريف بها وبمكان نشرها وتاريخ النشر، ونتيجة للصدمة التي أحدثها الكتاب داخل الجزيرة العربية، يذكر عبدالله عبدالجبار في كتابه" التيارات الأدبية" أن أحد الوجهاء في السعودية قال بغضب: لن يغفر الله للقصيمي، أما تلامذته فقد يتوب عليهم لأنه مغرر بهم!! .

    حلوان.. ثم السجن والنفي

    في عام1950 انتقل القصيمي من القاهرة إلى مدينة حلوان، جنوب القاهرة، ورداً على سؤال وجهته " إيلاف" للمحامي إبراهيم عبدالرحمن عن سبب انتقاله إلى حلوان، وهل كان انتقاله من القاهرة إلى حلوان خشيةً على نفسه من أية محاولة لقتله! سيما وقد تعرض لمحاولة اغتيال، قال المحامي : هذا غير صحيح، فالقصيمي لا يخاف من أحد، فقد كان انتقاله بحكم أن حلوان ضاحية هادئة وتعتبر من المصحات، وأسعارها معقولة جداً، لا سيما وأن القصيمي سكن في بداية أمره بأحياء الحسين المكتظ بالسكان، لذا فأنا اعتقد والكلام للمحامي أن القصيمي قرر الذهاب إلى حلوان بحثاً عن الهدوء والراحة والتفرغ للكتابة والتأليف، وهذا ماكان بالفعل، ويعزّز المحامي إبراهيم كلامه في أن القصيمي قد تعرض لثلاث محاولات اغتيال، وعلى علمه بهن فلم يتوقف ولم يعتزل الناس، وحينما طلبت منه "إيلاف" هذه المواقف الثلاثة، قال: الأول في القاهرة والثاني في السعودية والأخير في لبنان، عن موقف القاهرة، قال المحامي إبراهيم( .. كان القصيمي يتردد على أحد المقاهي في حي السيدة زينب، ولاحظ أن أحد الشباب يتبعه دائماً ويراقب تحركاته، تعرف القصيمي عليه، ووجده شاباً سعودياً جاء من السعودية خصيصاً لقتله، بحجة أن العلماء أفتوا هناك بجواز قتله لأنه خرج عن الإسلام في كتابه الأغلال، وقال له الشاب: لا أصدق أن أحداً مثلك يقتل، بعد أن سمعت كلامك، ومع أن القصيمي علم بهدف هذا الشاب فلم يتوقف أبداً عن الذهاب إلى المقهى للمناقشة والمحاورة، سأل القصيمي الشاب بعد ذلك عن الذين بعثوه، بماذا وعدوه؟!! قال الشاب للقصيمي: وعدوني بالجنة!! قال القصيمي له: لماذا يؤثرونك على أنفسهم بالجنة، لو كانوا يعلمون أن قتلي طريقاً لهم إلى الجنة بالمفروض أن يسبقوك إلىّ!، بعد ذلك اختفى الشاب نهائياً.. ).
    في حلوان كان سكن القصيمي بجوار بعثة الطلبة اليمنيين، فتعرف إليهم وكان يلتقي بهم في الحديقة اليابانية، وكان منهم اللواء عبدالله جزيلان، مفجر ثورة اليمن عام 1962م ونائب رئيس الجمهورية اليمنية سابقاً، والذي التقت به "إيلاف" وسجلت منه شهادته عن القصيمي، وكذلك الأستاذ حسن السحولي، سفير اليمن في مصر، والذي التقت به "إيلاف" وسجلت منه شهادته عن القصيمي، وغيرهم كثير من الذين أصبحوا من القيادات البارزة في اليمن، أثناء ذلك تلقى الإمام أحمد رسالةً تفيد بتأثر هؤلاء الطلبة بفكر القصيمي، لذلك ضغط الإمام أحمد، على صلاح سالم في طرد القصيمي من مصر، فاعتقل القصيمي وزج به في السجن، ثم نفي إلى لبنان.


    القصيمي في لبنان

    يتحدث المحامي إبراهيم عبدالرحمن لـ"إيلاف" عن أول موقف حدث للقصيمي بعد نزوله مطار بيروت، يقول الأستاذ إبراهيم( ..تعرض الشيخ عبدالله لموقف ظل يرويه لسنوات طوال بكل مرارة وحسرة، وذلك أنه عندما نزل من الطائرة في مطار بيروت، كان لا يعلم في أي مكان هو!! فسأل وأشار عليه أحد العاملين أن يركب مع حافلة الشركة التي تنقل الركاب مجاناً إلى وسط المدينة، ولم يكن في جيبه قرشاً واحداً، فركب مع الحافلة التي دارت بكل الركاب وأنزلتهم، وبقي هو وحيداً، فسأله السائق: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: لا أعلم!! قال له السائق: هل تعرف أحداً؟ قال القصيمي: لا!! فسأله السائق: وما جنسيتك؟ فقال: سعودي، وكان السائق لطيفاً معه إلى أبعد الحدود، فاقترح عليه أن يأخذه إلى السفارة السعودية، فرحب القصيمي بالفكرة، سيما وقد تذكر أن أحد معارفه يعمل بالسفارة، فذهب به السائق، ولكم كانت الصدمة كبيرة عندما وجدا السفارة مغلقة، لأن مجيئه كان في يوم عطلة‍‍!! وبعد طرق خرج أحد المستخدمين، فسألوه عن ذلك الشخص، فقال: إنه يقضي عطلته في جبل لبنان! عندئذٍ تطوع السائق بإيصاله إلى محطة الركاب في وسط البلد، ليأخذ تاكسي ينقله إلى هناك، ويدفع صديقه أجرة التاكسي، وفعلاً ذهب معه إلى المحطة وأخذ تاكسي وذهب مع السائق إلى الجبل، ولكم كانت المفاجأة عندما قال موظفو الفندق: أن هذا الرجل خرج قبل قليل!! ولكنه سيعود في المساء، وقد تكفل الفندق بدفع أجرة التاكسي وأخذها من صديق القصيمي بعد عودته إلى الفندق، عاد هذا الرجل ووجد القصيمي ينتظره، فكان اللقاء!!.. ) .
    على الرغم من هذا الموقف الحزين الذي تعرض له القصيمي في أول يوم من أيامه في بيروت، إلا أن أيامه بعد ذلك كانت رخاءً له من حيث النشر والحضور الفاعل في الأوساط الثقافية في بيروت، إذ عرفه هذا الرجل( علمت إيلاف أن اسمه صالح الحميدي ) على الناشر اللبناني قدري قلعجي، الذي أفرد له الصفحات في مجلته " الحرية" كمت تعرف إلى الأستاذ سهيل إدريس صاحب مجلة " الآداب" والتي اشرعت أبوابها للقصيمي ليكتب، كما تعرف إلى العديد من الشخصيات الأدبية والفكرية والقيادات السياسية في بيروت، ذكر أصدقائه ومعارفه الذين التقت بهم" إيلاف" أن عدد أصدقائه في بيروت لا يحصر، وذكروا منهم: الأستاذ أنسي الحاج و السياسي منح الصلح ، والناشر رياض الريس، والكاتب طلال سلمان ، والكاتب محمد بعلبك والكاتب جورج جرداق والكاتب زهير مارديني والسياسي كمال جنبلاط وغيرهم العشرات.
    يذكر المحامي إبراهيم عبدالرحمن أن القصيمي تعرض لمحاولة اغتيال في بيروت، يرويها لـ" إيلاف" قائلاً ( .. فوجئ القصيمي بصديقه الرئيس محسن العيني، رئيس وزراء اليمن السابق، يطرق عليه الباب في المساء، وقال له: لقد جئتُ لك من دمشق خصيصاً، وقد علمنا في دمشق أن هناك محاولة لاغتيالك، من قبل بعض الجماعات المتشددة!! وقد جئتُ أبلغك رسمياً واطلب منك أن تأتي معي إلى دمشق، وسوريا مستعدة لحمايتك وتكريمك!! فرفض القصيمي ذلك، ويصيف المحامي قائلاً
    ( .. فوجئ القصيمي في الصباح وإذا بأحد ضباط الأمن يهاتفه ويطلب منه أن يلتقي به، فرحب به القصيمي، وقال الضابط: أن المخابرات اللبنانية اكتشفت مؤامرة لقتلك، وأنها لاتستطيع حمايتك، كما أن لبنان غير قادرة على أن تتحمل قضية اغتيالك! وعليك أن تغادر لبنان، فذهب القصيمي إلى كمال جنبلاط، وهو صديق له وداعمه، وقال له كمال: لا بد أن تغادر لبنان، إننا لن نستطيع أن نمنع ذلك عنك، فقال القصيمي لكمال جنبلاط مقولته الشهيرة( إنني أجبن عن أن أكون جباناً، أنا لا استطيع أن أهرب، بل سأبقى وأواجه مصيري وعلى مسئوليتي) إلا ان أجهزة الأمن ضممت على مغادرته لبنان، حماية لسمعة لبنان، من أن يغتال فيها!! ) .
    بعد ذلك سمحت الحكومة المصرية بعودته إلى القاهرة، فعاد واستقر فيها، واخذ يتنقل بين القاهرة وبيروت، وبذلك يكون القصيمي قد دخل عهداً جديداً سماه فازلا بـ( العودة إلى الحياة العامة) وتوالت إصدارات القصيمي بعد ذلك، بدءً من كتابه" العالم ليس عقلاً" والتي كان يطبعها في بيروت، وأصبح للقصيمي حضوره الوهاج في الأوساط اللبنانية، بعد توالي إصداراته، وعندما ساءت الأحوال في لبنان، وبعد تعرض قدري قلعجي، كما يقول المحامي إبراهيم عبدالرحمن إلى ضغوط رهيبة وهدد بحرق مكتبته، وجد القصيمي صعوبة في متابعة إصداراته من لبنان، فاتجه إلى باريس، فكان أول كتاب يصدره من باريس هو كتاب" العرب ظاهرة صوتية" وبقي بعد ذلك في منزله في روضة المنيل بشارع عبدالعزيز آل سعود، يستقبل زواره وضيوفه، في ندوته الأسبوعية .


    عن إيلاف .................................. يتبع نظرا لطول الموضوع

  2. #2
    ... عضو جديد ...


    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    13
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    من أقوال القصيمي

    ---------------------------------------------------------------------- ----------


    كتب القصيمي عن الإرهاب باسم الدين، وكأنما هو يتحدث بيننا اليوم، ويقرأ الأحداث التي تجري على الساحة الدولية، يقول القصيمي:
    ( .. ومن ثمّ فإننا نعتقد أن هذه الجماعات المنسوبة إلى الدين، الناطقة باسمه لو أنها استطاعت الوثوب على الحكم ووضعت السلاح في يدها لحكمَ البشرَ عهدٌ من الإرهاب يتضاءل إزاءه كل إرهاب يستنكره العالم اليوم، وهذا أمر يجب أن يعرفه أولوا الرأي والمقدرة وأن يحسبوا له الحساب قبل فوات الأوان، ولن تجد أقسى قلباً ولا أفتك يداً من إنسان يثبُ على عنقك ومالك، يقتلك ويسلبك، معتقداً أنه يتقرب إلى الله بذلك، ويجاهد في سبيله، وينفذ أوامره وشرائعه!! والسوء لمن ناموا على فوهة البركان قائلين: لعله لا ينطلق ... ) .
    ويتحدث القصيمي عن النتائج السياسية للحركات الدينية، مشبهاً نجاح النازيين في ألمانيا بنجاح الجماعات الدينية في العالم العربي( .. ولا يجب أن نعجب إذا وجدناً مخبولاً يهذو ويمني بالمستحيلات، فقد نجح وأخذ برقاب الآلاف أو مئات الآلاف أو الملايين من هذه القطعان البشرية، يقودها حيثُ شاء، فإنه قد هاجم أضعف جانب فيهم- وهو جانب الرجاء والأمل- فقد انتصر عليهم دون عناء! وعلى هذا فمن البعيد الصعب الوقوف في سبيل هؤلاء المخادعين وفي سبيل استيلائهم على الجماعات بواسطة التلويح لها بآمالها، وعلى هذا يجب ألا يعد نجاح هؤلاء دليلاً على أن لهم قيمة بل يجب أن يعد دليلاً على ضعف النفس الإنسانية المؤملة المرجية .. ) من كتاب هذه هي الأغلال، 1946م.
    وعن أصالة الغوغائية في الذات البشرية يقول ( .. إن القتل والبذاءة باسم العقيدة أو المذهب أو الدفاع عن العدل أو الحرية، هما قتل وبذاءة بالتوحش الذاتي والرغبة النفسية، بُررا تبريراً أخلاقياً وعقائدياً، بل حولا إلى عقيدة وأخلاق ..) " عاشق لعار التاريخ " .
    ( .. أنا أرفض أن أموت، أن يموت أبني، أن يموت صديقي، أن يموت أي إنسان، أن يموت خصمي، أن يكون لي خصم! أنا أرفض ذلك تحت أي شعار، تحت أي فكرة تختفي وراءها أضخم الأكاذيب وأفجر الطغاة والمعلمين، لهذا أنا أ{فض التعاليم والمذاهب التي تعلمني كيف اكون قاتلاً، كيف أكون مقتولاً، كيف أؤمن بذلك، كيف أهتف لمن يدعونني إليه، لمن يوقعونه بي!! ) " صحراء بلا أبعاد" .
    وعن الوحدة العربية، يقول القصيمي :[ ( .. يادولة العرب الواحدة الكبرى، إني أخاف مجيئك لأني أخاف مجيء هارون الرشيد الجديد !! إني أخاف مجيء هارون الرشيد لأني قرات عن هارون الرشيد القديم، كان يقاتل بآبائي ويقاتلهم بالسيوف والرماح والسهام والنبال، كان ينفق قوت آبائي على الجواري والشعراء والمغنين، كان يعرض ذاته وهيبته ووحشيته وكبرياءه فوق المنبر وفي المسجد وفي مواكبه البدوية المنطلقة من القصر إلى المصلى، ومن المصلى إلى القصر، ومن هذا القصر إلى ذاك القصر، ومن مخدع هذه الجارية إلى مخدع الجارية المنافسة الأخرى، كان يحارب ذكاء آبائي وحرياتهم بالمشايخ وبالآيات والأحاديث، وبالأنبياء وبالسلف وبالقبور.. ) من كتاب لئلا يعود هارون الرشيد
    وعن عدم قدرة العرب على تقبل النقد !! يقول ( .. الشعوب العربية لا تعترف بقيمة النقد، بل لا تعرفه، إن النقد في تقديرها كائن غريب كريه، إنه غزو خارجي ، إنه فجور أخلاقي ، إنه بذاءة، إنه وحش فظيع يريد أن يغتال آلهتها ، إن النقد مؤامرة خارجية ، إنه خيانة، إنه ضد الأصالة ، إنها لذلك تظل تتغذى بكل الجيف العقلية التي تقدم إليها، لا تسأم التصديق ولا تمل الانتظار، إن أسوأ الأعداء في تقديرها هم الذين يحاولون أن يصححوا أفكارها وعقائدها أو يحموها من لصوص العقول ومزيفي العقائد، وبائعي الأرباب ، إن تكرار الأكاذيب والأخطاء والتضحيات لا يوقظ فيها شهامة الإباء أو الشك أو الاحتجاج، لقد جاءت مثلاً أليما في الوفاء والصبر والانتظار لكل مهدي لا ينتظر خروجه .. ) من كتاب" صحراء بلا أبعاد" .
    وعن الصحافة في العالم العربي ، يقول ( .. الصحافة في البلدان العربية ، غزو للإنسان، غزو لذكائه، لأخلاقه، إنها لاتفهم الحقيقة ، لا تحترمها ولا تبحث عنها، إنها لا تحاول أن تدافع عنها، أن تقف معها، أن تدافع عن شرفها، إنها في كل حالاتها بلا شرف، إنها ليست فساداً فقط، إنها غباءة ، جهالة ، افتضاح، إنها قوم من المنحلين والمرتشين، والضعفاء والمنافقين يعرضون في السوق عرضاً دائماً أسوأ ما فيهم، يعرضونه على انه أسمى رسالة إنسانية ووطنية واخلاقية، يعرضونه على أنه تضحية في سبيل الإنسان تفوق جميع التضحيات، عن هؤلاء الذين يشرفون على هذه الصفحات هم أردأ شخصيات المجتمع، منذ البداية، وإما بالتعويد والممارسة!! كم تعذبني هذه الصحافة، كم أخاف منها ...) ( .. ما أضيق وأخطر الطريق الذي يسير فيه الصحفي العربي الذي يرفض أن يكون ملوثاً أو جباناً أو ضالاً أو بليداً، ما أضيق وأخطر الطريق الذي يسير فيه الصحفي النظيف !! ) " صحراء بلا أبعاد " .
    وعن الكاتب العربي، يقول القصيمي ( .. إن الكاتب العربي يطيع كل الأوامر، إنه يخاف أن يعصي أو يخالف، إنه يعبد كل الأصنام في كل المحاريب، إنه يتحول إلى داعية خوف وطاعة، إنه يعلم الجماهير كيف تطيع وتخاف، إنه يسوغ لها ذلك ويدعوها إليه، إنه رسول مضاد لمعنى كل رسالة، إنه يلوث السوق أكثر من أن يحاول تنظيفها، إنه يعارض حيث تكون المعارضة مغنماً لا مخاطرة، إن المعارضة عنده دائماً نوع من البحث عن الربح، لا عن التضحية، ليست المعارضة عنده صراعاً مع الخطر، إنها مغازلة ومساومة، ومتاجرة وإعلان ...) " صحراء بلا أبعاد " .
    وعن الطغاة والثوار في العالم العربي، يقول ( .. إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية، إن الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته، إنها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير والسلوك الجيد، إن الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها، إن الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة أعصاب ووقار مجتمعها).
    ( ما أوقحك وأكثر ذنوبك أيتها الشعارات، ما أوقحك في فم الطاغية، في أجهزته، في فلسفته، ما أوقحك في فم المعلم والكاتب والخطيب والواعظ، كم كذبت ؟ كم قتلت؟ كم خدعت، كم سرقت، كم هيجت؟ إني أخافك، إني أحتقرك أيتها الشعارات ..) " عاشق لعار التاريخ " .
    ( .. الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون، إنهم يتحدثون عن الحرية والاستقامة، وهم أقوى أعدائها، وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق ومن يمارسون الكذب ويجزون الكاذبين مثلهم! وعن حقارة النفاق وهم احسن من يزرعونه، ويستثمرون، ويتعاملون معه، وعن الرخاء مع أنهم من أذكى من يبتدعون جميع أسباب الإفقار والأزمات والحرمان، وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية، إنه لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً، ويتحدثون عن العدل والحب، وهم يعنون بهما تخويف كل الطبقات، وقهرها، وسوقها لمصلحة كبريائهم، وأحلامهم.. ) .
    ( .. قد يأتي وقت يعلن فيه الرجل بأنه ثائر، فيقال " هذا ثائر" للطعن فيه، كما يقال اليوم: رجعي، قد يقال في يوم من الأيام: هذا إنسان، أو هذا المجتمع مصاب بحالة ثورية أو حالة عسكرية، مثلما يقال اليوم: هذا مصاب بحالة مرضية أو بحالة إنهيار أخلاقي أو انهيار عصبي ، قد يقال في يوم مقبل" هذا ثائر، أي مخرب، سارق قاتل، محارب للناس/ مريض/ مصاب بالشذوذ.. ) " عاشق لعار التاريخ" .
    ( إن الديكتاتور هو اشد الناس تعاسة حين لا يجد معارك يخوضها، ولا أعداء يتغذى بعداوتهم والتشنيع عليهم، إن الدكتاتور لا يسعد بشيء يملكه، حتى الانتصارات الكبيرة لا تستطيع أن تسعده، ولا أن تشفيه من همومه العدوانية، من أشواقه الدائمة إلى المعارك والخصومات، إن الانتصارات قد تعذبه، كما تعذبه الهزائم... ) .

    عن إيلاف

    شهادات من أصدقاء ومقربين

    ---------------------------------------------------------------------- ----------


    التقت إيلاف بالعديد من أصدقاء المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي وهم الذين التقوا به إما في مصر أو بيروت أثناء إقامته هناك. كما التقت "إيلاف" بأبنائه وبمسؤولة قسم رعاية كبار السن في مستشفى فلسطين، وقد تحدثوا عن ذكرياتهم ولقاءاتهم مع القصيمي، فكانت هذه الشهادات، التي تنشر لأول مرة :
    الأستاذ إبراهيم عبدالرحمن، محامي مصري
    تعرف الاستاذ ابراهيم عبد الرحمن على القصيمي منذُ أن كان طالباً في الثانوية، وصحبة لمدة خمسين عاماً تقريباً، وهو من أشد الناس معرفة بالقصيمي، ويعتزم على إصدار كتاب بعنوان"خمسون عاماً في صحبة القصيمي" تحدث حديثاً مطولاً لـ" إيلاف" نوجزه فيما يلي: (تعرفت على القصيمي في حوالي عام 1950 وكان للقائي معه قصة، وهي أنه عندما كنتُ في سن الفوران العقلي، كانت الأسئلة التي أطرحها على أقاربي لا تنقطع، وكان لي خال متدين جداً، أقلقت باله أسئلتي تلك، وكان يسمع عن القصيمي الذي كان موجوداً لدينا في مدينة حلوان بعد انتقاله من القاهرة، فأخذ بي خالي إلى القصيمي عسى أن يجد لديه ما يساهم في حل أسئلتي التي كنت أطرحها بكل جرأة، ذهبنا إلى الأستاذ عبد الله الذي كان يسكن في شارع رياض باشا مع شارع محمد سيد أحمد، وكان مشهوراً في حلوان على أنه طالب علم أزهري، رحب بنا الشيخ واحترم تساؤلاتي وشجعني على التفكير والبحث بما يشبع العقل، على عكس ما وجدته من المشائخ الذي ذهبت إليهم وطلبوا لي الهداية!!
    العبادة ليست سببا للنجاح وانما العمل والدراسة
    لقد كان استقباله وتشجيعه لي الأثر الكبير في أن تدوم العلاقة بيني وبينه نحو 50 سنة، لم أفارقه حتى واريته الثرى في مثواه الأخير، وذكر المحامي إبراهيم موقفاً حدث له في شبابه، وهو أنه نشأ نشأة دينية وكان متديناً مواظباً على واجباته الدينية، إلا أنه لم يكن طالباً جاداً، بل كان يهتم بالنشاط اللاصفي، ولم يكن يعطي المذاكرة حقها، يقول: كنتُ أعول على أن الله سينصرني في اختباراتي، ولقد كانت هذه الاتكالية تسود مجتمعات المتدينين، وعندما أخبرت الشيخ عبد الله، قال: هذا غير صحيح، إذ أن المحك في الحياة هي الأسباب التي تعطيها أنت للحياة، فالعبادة ليست سبباً للنجاح في الحياة الدنيا، إنها علاقة بينك وبين ربك، في العمل والدراسة لا بد أن تعطي أسباب النجاح، كان هذا كلام القصيمي على عكس ما كان يقوله لي المتدينون عندما أشكو عليهم اخفاقي أحياناً فهم يقولون: لا بد أن تزيد من الطاعة، إذا كنت تريد النجاح، ولكني وجدت كلام الشيخ عبدالله أبلغ وأقرب إلى الواقع وهو الصحيح الذي ثبت لي فيما بعد.
    عمل نسخة كربونية من الكتاب قبل ارساله الى الطبع
    وكان المحامي إبراهيم عبد الرحمن هو الذي يقوم بكتابة ونسخ كتب القصيمي عندما كان طالباً في الحقوق، يقول الأستاذ إبراهيم(كنت أقوم بعمل نسختين من كتبه، لأنه لا يستطيع أن يدفع بكتابه إلى أي مكتبة لنسخه، فكنت أحتفظ بالصورة الكربونية، أما المنسوخة فيأخذها الأستاذ محمد أحمد نعمان إلى بيروت لطباعتها، أما الأصل فتبقى عن الشيخ عبدالله، وتبقى العملية سراً كاملاً حتى صدور الكتاب، وذكر المحامي إبراهيم أن القصيمي كان محاوراً من الطراز الأول، وكان يحاور كل من يقابله بالشارع، كما يحاور ويناقش أصحاب المحلات الذين يذهب إليهم لشراء حاجاته الشخصية، وعندما كنتُ أذهب معه إلى ندوة الأديب السعودي عبدالله عبدالجبار، الذي كان مقيماً في القاهرة آنذاك، كنا في الغالب نصل متأخرين لكثرة مناقشات وحوارات الأستاذ عبدالله لكل من قابلنا!!وذكر المحامي إبراهيم أنهما كانا يذهبان باستمرار مشياً على الأقدام من سكن القصيمي في المنيل، بعد عودته من حلوان، إلى مقهى الفيشاوي في حي الحسين، ثم إلى قهوة السكرية بعد ذلك، ويذكر المحامي أن القصيمي كان معجباً بالشاعر المتنبي كشاعر، لكنه كان يحترم المعاني في أشعار بشار بن برد وأبي العلاء المعري، ويضيف: أن القصيمي كان في منتهى التواضع وعلى جانب كبير من الخلق.
    رجل يقدس الصداقة
    وقال أن القصيمي كإنسان شيء لا يصدقه عقل، وكان يحترم أصدقائه، وذكر من تواضعه وبساطته أن أغلب رواد ندوته الأسبوعية كانوا من محدودي الثقافة، ومن البسطاء الطيبين، وكان ترحيبه بأصدقائه لا حدود له وكان يقدس الصداقة بشكل غريب جداً، وذكر المحامي لذلك مثالاً في عبدالحميد الغربلي، الذي كان يعمل إماماً للجامع، كان من محدودي الثقافة وكان القصيمي يبالغ في إكرامه وتقديره، وكان يسميه" الإمام" وكان يحترم الفقير والغبي ويشفق عليهم، لأنه لا حول لهم ولا طول فيما حصل لهم، وكان مع أصدقائه ورواد ندوته يستفز عقولهم بأسئلته ولا يستفز الضعف البشري لديهم، إنما يخاطب العقول، ولا يتطاول على أحد ولا يتناول سيرته الشخصية أو ذاته إذا رد على أحد من معارضيه .. ويذكر المحامي أن القصيمي كان لا يستمع إلا لفيروز ... ) .
    اللواء عبدالله جزيلان
    مفجر ثورة 1962 ونائب رئيس الجمهورية اليمنية سابقا
    والسيد عبد الله جزيلان، أحد أبرز أصدقاء القصيمي، وأحد الحضور الرسميين لندوته الأسبوعية، تحدث إلى" إيلاف" بحديث مطول عن القصيمي، نوجزه فيما يلي: (تعرفت على الشيخ عبدالله القصيمي في عام 1948 عندما كنتُ طالباً في البعثة اليمينة في مصر، وكانت معرفتي به عن طريق الشيخ سيف عقلان، الذي أخذ بي إليه ذات مرة في الحديقة اليابانية في حلوان، وعندما تم اللقاء رحّب بنا الشيخ عبدالله أشد الترحيب وبدأ يطرح علينا أسئلة في الثقافة العامة كانت أعلى من مستوانا، ثم تكررت هذه اللقاءات مع الشيخ القصيمي وكنا نسعد بها لأنها كانت تثير قضايا الفكر وتفتح الذهن، ثم حصلت على نسخة من كتابه"هذي هي الأغلال"
    قراءة الكتب المترجمة واحترام الشخص بغض النظر عن جنسه وبلده
    وقرأت الكتاب بشغف شديد، حيثُ تناول فيه قضايا هامة، منها قضية المرأة، ويذكر اللواء جزيلان أنه حدث له موقف بعد أن قرأ الكتاب عام 1949 إذ كان بعد ذلك في امتحان مادة التعبير وكانت أسئلة الاختبار أن تكتب عن موضوعين، هما المرأة أو شم النسيم! أمسك اللواء جزيلان بالقلم وكتب أربع صفحات عن المرأة هي خلاصة ما قرأه في كتاب الأغلال، يقول اللواء جزيلان: رفض مدرس المادة كل ما كتبت، إذ كان رأيه أن مكان المرأة هو البيت!!. يذكر اللواء جزيلان أنه كان يحضر ندوته الأسبوعية، وقد لازمه حتى توفي، وذكر أنه كان يستفز أصدقاءه في ندوته الأسبوعية، وكان محاوراً لا يشق له غبار، وذكر جزيلان أن الشعراوي ومصطفى محمود كانوا يخشون مناظرته ومحاورته، وذكر جزيلان أن من أبرز صفات القصيمي الهدوء والحلم مع من كانوا يردون عليه، وكان يحترم الشخص الذي أمامه بغض النظر عن جنسه وقطره، وذكر أنه كان يمشي يومياً في المنيل، وكان يقضي حاجاته من السوق بنفسه، وكانت نصيحته لنا أن نكثر من قراءة الكتب المترجمة) .
    الأستاذ حسن السحولي، سفير الجمهورية اليمنية السابق في مصر،
    والاستاذ السحولي كان قد تعرف على القصيمي أيام دراسته في القاهرة ثم صحبه بعد ذلك، إلى أن توفي القصيمي، تحدث سعادة السفير اليمني بحديث مطول لـ" إيلاف" كان منه قوله (القصيمي شخصية مفكرة كبيرة جداً تعرفت عليه أولاً من خلال مقالة نشرها في مجلة" الأحد" التي يصدرها رياض طه في بيروت، إذ كتب القصيمي مقالة ذاك تحت عنوان " احذروا عصر الأبطال" ومعلوم من كان يقصد القصيمي في مقالته تلك!
    كنت وقتها في السجن وكان عبد الناصر يمثل لنا آمال الأمة العربية ووحدتها! وكانت مجلة الأحد تدخل إلى السجن سراً، فكتبت من داخل السجن مقالة رداً على القصيمي وأرسلتها إلى المجلة عن طريق عدن، ولا أدري بعد ذلك هل نشرت أم لا؟ إلا انه في عام 1961 خرجتُ من السجن ووصلت مصر، واستقبلني في المطار الزعيم اليمني أحمد محمد نعمان وابنه الأستاذ محمد نعمان، وكانوا وقتها مشكلين جبهة وطنية ضد الحكم في اليمن، أخذني الأستاذ أحمد نعمان إلى منزل القصيمي، وعرفني عليه، ثم سألته بقوة قائلاً له: هل أنت الذي تحارب الأبطال؟! فسألني: هل أنت الذي كتبت رداً علي في مجلة "الأحد" وأبدى إعجابه بالمقال وقال: أن رياض طه رفض نشر المقال، ولكني رجوته أن ينشره، فشدني بأسلوبه وجلست أمامه استمع إلى كلماته، فعرفت المستوى الفكري الجبار بالنسبة إلى مستوانا المتواضع!
    الثورة ليست الحل بل العقل والعلم يطوران الشعوب
    تكررت بعد ذلك الزيارات وتكونت العلاقة وكنا نكن له كل التقدير والاحترام والحب، والحقيقة أن الشخص بهرني بأسلوبه، وكان يقدم لنا نحن اليمنيون النصائح تجاه اليمن، كان يرفض اتجاه الأحرار اليمنيون في قضية مؤامرة قتل الإمام أحمد، وقال لنا: أذهبوا إلى الإمام وتفاهموا معه وحاولوا أن تكسبوه لصفكم حتى لا تقعوا فيما وقع فيه الآخرون، وقال: الثورة ليست هي الحل! العقل والعلم هما اللذان يطوران الشعوب ويحولانها من التخلف إلى التقدم، وذكر السفير أن علاقته بدأت من عام 1961 وحتى وفاته إذ شارك في مراسم تشييع الجنازة ودفنها. يذكر سعادة السفير أن القصيمي كان على مستوى كبير من عزة النفس وكبريائها، وذكر لذلك موقفاً، قال فيه : بعد الثورة عام 1962 عدت إلى اليمن وعينت مديراً لمكتب رئيس الجمهورية عبدالله السلال، كتبت رسالة بخط يدي ووقعها رئيس الجمهورية السلال، وهي موجهة إلى السفير اليمني في القاهرة الأستاذ أحمد احمد باشا، ومضمونها الاتصال بالقصيمي ومنحه جواز سفر دبلوماسي يمني، وصرف مبلغ شهري قدره 100 جنيه مصري، وكان وقتها مبلغاً كبيراً، وتسهيل مهمة وصول القصيمي إلى اليمن! في الوقت الذي يريد، وكنت حامل الرسالة الذي جاء بها من اليمن، ذهبت مع أحمد نعمان إلى القصيمي وأعطاه الرسالة وقرأها، فقال: هذا الخط ليس غريباً علي! لمن هو؟ فقال نعمان: خط حسن السحولي، فقال القصيمي: شكراً، شكراً وأخذ الورقة وأدخلها في جيبه، وقال: أعطوني فرصة للتفكير وسأقول رأيي بعد ذلك! ولقد كانت إمكانيات القصيمي آنذاك ضعيفة جداً وعلى الرغم من ذلك رفض العرض وقال: رجاءً اسدلوا الستار عن الموضوع، يكفيني هذا أن هناك من يفكر فيني!
    كلموني حتى تخف آلامي
    ويضيف سعادة السفير قائلاً: ظل القصيمي يحتفظ بهذه الرسالة حتى قبل وفاته بشهرين عندما أطلعني عليها وقال: هذا وسام أعتز به يا حسن، ويقول السفير: ان القصيمي كان رقيق المشاعر وعندما نغيب عن الاتصال به ليوم أو يومين يتصل علينا يسأل عن السبب في تأخرنا بالحضور أو الاتصال به وكان يقول: كلموني أبدا حتى يخف الألم! وكان يهديني كل كتبه عند صدورها، وعلى الرغم من كبر سنه إلا انه يتطور ويتجدد ويعطي أكثر وأكثر، كان لا يمل ولا يكل بل يكتب باستمرار، وقال : بيني وبينه مجموعة من الرسائل المتبادلة أتمنى أن أخرجها في كتاب! وقال كان يحب الناس ولا يحمل في نفسه الحق على أحد، وكان كثير التألم إذا شاهد أحداً يتألم أو يشكو من أوجاع الزمان وظروفه! وكان لا يرفض الأشخاص الذين لا يقتنعون بما يقول، بل يقدرهم ويدعوهم ويحترمهم، ويضيف السفير أنه في مرضه الأخير حاولت مع المحامي إبراهيم عبدالرحمن أن نقنعه بالسفر على بريطانيا للعلاج إلا انه رفض، وبالمناسبة فالمحامي إبراهيم عبد الرحمن هو الشخص الملازم للقصيمي وأقرب الناس إليه خلال 50 سنة وأكثرهم وفاءً ووداً له إلى اليوم هذا، ويضيف السفير أننا حاولنا أن نقنعه بممرضة تساعده في منزله إلا أنه رفض ذلك! وذكر السفير السحولي موقفاً طريفاً، يقول: كانت زوجتي بالمستشفى ذات مرة، ووضعت طفلة توفاها الله في الحال، فكتب القصيمي رسالة لي قال فيها " مشاكل الناس تخرج صارخةً يا أستاذ حسن، أما مشكلتك فقد خرجت ميتة!!" وذكر السفير أن القصيمي لم يكن يدعو إلى رفض الدين إطلاقاً كما يقول البعض عنه.

    عن إيلاف ....................... يتبع

  3. #3
    ... عضو جديد ...


    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    13
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    شهادات من أدباء سعوديين ومن أبنائه

    ---------------------------------------------------------------------- ----------


    التقت إيلاف بالعديد من أصدقاء المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي وهم الذين التقوا به إما في مصر أو بيروت أثناء إقامته هناك. كما التقت "ايلاف" بأبنائه وبمسؤولة قسم رعاية كبار السن في مستشفى فلسطين، وقد تحدثوا عن ذكرياتهم ولقاءاتهم مع القصيمي، فكانت هذه الشهادات، التي تنشر لأول مرة :
    الأديب السعودي عبدالكريم الجهيمان (95عاماً) :
    ذكر الشيخ عبدالكريم أول لقاءٍ له بالمفكر السعودي عبدالله القصيمي، وأنه كان في بيروت، وكان الشيخ عبدالكريم يتواجد في بيروت آنذاك يشرف على طباعة كتابه الشهير " الأمثال الشعبية في الجزيرة العربية" والقصيمي هو الآخر كان يطبع كتابه الشهير " العالم ليس عقلاً" يقول الجهيمان : كنتُ أقول للقصيمي أن كتابي سيكتب له الذيوع والانتشار والبقاء، أما كتابك هذا فسيموت! فيضحك القصيمي، يقول الجهيمان : ثم تكررت اللقاءات بالقصيمي في مصر، إذ كنتُ التقي به في شقة الشيخ حمد الجاسر، ويصفه الجهيمان بأنه كان فيلسوفاً مجادلاً محاوراً، وكانت له آراؤه الجريئة، التي يجهر بها دون عابئ أو مبالي! .
    الأديب السعودي يعقوب الرشيد( 80عاماً) :
    يُشير الأستاذ يعقوب الرشيد إلى الوطنية الحقة التي كان يتمتع بها المفكر القصيمي، ودّلل على ذلك بأمثلة تؤكد على مدى محبة القصيمي لموطنه السعودية وولاءه له، ويذكر الأستاذ الرشيد إلى أنه التقى بالمفكر القصيمي في بيروت، وأنه في حدود عام 1954م كان الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في بيروت يجري فحوصاته الطبيه، فرغب القصيمي في لقائه ومحاروته، فطلب من الشيخ محمد العثمان القاضي أن ينقل رغبته إلى الشيخ ابن سعدي، فرفض الشيخ ابن سعدي وشرط للقاء شرطاً واحداً وهو أن يتخلى القصيمي عن كتابه" هذه هي الأغلال: ويعلن توبته، لذلك لم يتم اللقاء! ويتذكر الأستاذ الرشيد أن القصيمي كان مغرماً بالمشي، فهو يمشي في اليوم لمدة ساعة أو ساعتين، وكنتُ والكلام للرشيد، أمشي معه في بيروت، وأشار الرشيد أن القصيمي كان يُحبُ عصير الجزر!! .
    المؤرخ السعودي عبدالرحمن الرويشد (80 عاماً):
    عاد المؤرخ الشهير عبدالرحمن الرويشد وهو يتحدث لـ"إيلاف" إلى الوراء كثيراً، متذكراً زيارة القصيمي للسعودية في عام 1943م، عندما حج القصيمي، يقول الرويشد: في عام1363هـ حججنا إلى بيت الله وكان معنا الشيخ ضحيان العبدالعزيز، وكنا متلهفين لرؤية القصيمي الذي سيحج برفقة الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد حامد الفقي رئيس أنصار السنة المحمدية، وكنا قد سمعنا عن القصيمي وعن نشاطه المحموم وكفاحه الطويل في الذود والدفاع عن السلفية وعن الملك عبدالعزيز، وعندما جاء القصيمي احتفلنا به وقابل الملك عبدالعزيز، وذكر الرويشد، أن القصيمي عندما أراد أن يقابل الملك عبدالعزيز حاول أن يظهر بأحسن صورة فجاء حالقاً لحيته، وكان يحلقها دائماً، وكان الوزير عبدالله السليمان يقدم الضيوف للملك عبدالعزيز أثناء السلام عليه، فبعد رشيد رضا والفقي تقدم القصيمي للسلام، فلما سمع الملك عبدالعزيز اسم القصيمي، سأل مستنكراً: هذا هو الشيخ القصيمي؟!! قال: نعم! قال : وأين لحيتك؟! فقال القصيمي، وكان حاضر الذهن سريع البديهة: أن اللحية ليست بذات أهمية وأنها سنة وشعيرة ولكن لا يُنكر على من أخذ منها أو كلها!! فالتفت الملك عبدالعزيز للشيخ رشيد رضا وقال له: أنت أعلم منا جميعاً بهذا الأمر فما تقول؟! فأخذ رشيد رضا يتحدث عن اللحية وأن هناك العديد من الأحاديث التي تدعو إلى إعفائها، فقال القصيمي: ليس هنا مجال بحث هذا الأمر! ولكني أنكر على من أنكر حلق اللحية! وقد أثر في الملك عبدالعزيز هذا الموقف، فأمر الملك عبدالعزيز بأن يسكن رشيد رضا والفقي في فندق التيسير، أما القصيمي فقد سكن معنا في ضيافة ابن قنيعير، وذكر الرويشد موقفاً آخر عن القصيمي، وهو أنه في الضيافة يقدم الأكل ثلاث مرات في اليوم، ولكن دون أن يكون هناك إشعار للنزلاء، وأحياناً كثيرة لا يكفي الأكل، وعندما يوضع الأكل يذهب القصيمي ليغسل يديه، وكان نظيفاً مهتماً بمظهره، أما غيره فلا يغسلون أيديهم، بل يبدأون بالأكل، وكلما جاء القصيمي كي يأكل وجد الصحون فارغة!! فيخرج ليشتري فولاً أو غيره ليأكله!. تحدث المؤرخ الرويشد عن كتاب"هذه هي الأغلال" وقال أن فكرة الكتاب تقوم على أسئلة طرحها القصيمي عن أسباب تأخر وتخلف العالم الإسلامي، وكان القصيمي قد أصدر كتاب" لماذا تأخر المسلمون؟" وهذا الكتاب مقدمة لكتاب الأغلال، حسب كلام المؤرخ الرويشد، الذي يستطرد قائلاً : أن القصيمي سأل عالماً كبيراً من العلماء عن أسباب تأخر المسلمين فقال ذلك العالم: أن السبب هو تفسخ المرأة وخروجها ولهذا عاقبنا الله! ولو عادت المرأة إلى بيتها لتقدمنا وسابقنا واشنطن ولندن!! فقال القصيمي: هذا الكلام لا ينطبق على الواقع! فلا توجد دولة في العالم نساؤها محجوبة عن الشمس إلا دولتين اليمن والسعودية، ولا توجد دولة في العالم العربي متخلفة مثل هاتين الدولتين!! وذكر الرويشد أن الشيخ حمود بن جميعة الذي يعمل في الديوان الملكي لدى الملك عبدالعزيز هو عم المفكر عبدالله القصيمي، وأشار الرويشد في حديثه لـ"إيلاف" أن الأغلال لم تقرأ بعد! قراءة عميقة ومتأنية، وذكر أن الأمير مساعد بن عبدالرحمن قد قرأ الأغلال في وقتها وكان معجباً بها وإن لم يؤيد القصيمي في كل ما ذهب إليه، كذلك فقد قرأها وأبدى إعجابه بها معالي الشيخ عبدالله المسعري، رئيس ديوان المظالم السابق، والشيخ محمد أمين التميمي، وهؤلاء فوجئوا والكلام للرويشد بكتب الرد على القصيمي، كرد ابن يابس وغيره، وذكر الرويشد موقفاً طريفاً وهو أن عدداً من طلبة العلم رد على القصيمي بقصائد شعرية( أشارت إيلاف إلى ذلك في الردود على القصيمي) وكنا نجتمع آنذاك لقراءة القصائد، ومنها قصيدة صالح بن سحمان التي مطلعها: في مصر وزغٌ تمادى في الضلالات!! وكان حاضراً معنا رجل من الحوطة، فقال : ياجماعة الخير، أنا لا أعرف الشعر ولم أقل يوماً بيتاً من الشعر! ولكن مطلع القصيدة يقول: في مصر وزغ ! ولو قال الشاعر: في مصر قط ! لكان أولى وأفضل، لأن القط هو الذي يفترس ويأكل اللحم! أما الوزغ فمسالم!!، واستطرد الرويشد يتذكر ما في ذاكرته عن القصيمي وهو أن القصيمي عندما ذهب إلى الهند ورأى الدراسة هناك، تمثل بالبيت القائل: أما الخيامُ فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها!! وذكر الرويشد أن الشيخ عبدالرزاق عفيفي كان زميلاً للشيخ القصيمي في الأزهر، وقال أن السعوديين الذين ذهبوا مبكراً للدراسة في الأزهر لم يقدموا للمملكة مثل ما قدم القصيمي في الدفاع عنها وعن سلفيتها، وذكر أن القصيمي كان بمثابة وزارة إعلام لوحده في الدفاع عن الملك عبدالعزيز.
    الأستاذ عبدالعزيز السنيد:
    التقى الكاتب السعودي الأستاذ عبدالعزيز السنيد بالقصيمي في بيروت، وقال كنتُ أقرأ للقصيمي ما كان يكتبه في مجلة: الأحد" في عام 1956م والتي كان يرأس تحريرها رياض طه، وذكر أن القصيمي كان متشائم من قيام الوحدة العربية، وقد انتقد الحكم العسكري، انتقاداً لاذعاً، وذكر أن القصيمي كان بسيطاً للغاية متواضعاً وأنه كتاب مفتوح، والحقيقة والكلام للسنيد، أنني اشمأزيت من كلامه عن الشيعة، وأعتقد أن الآيديولوجية والتفكير الضيق، كانت هي السبب في ذلك، وقد تستغرب من القصيمي الذي أصدر كتاباً أدخلوه الجنة بسببه! ومدحه إمام الحرم المكي بقصيدة، ثم يصدر كتاباً يكفر بسببه!.
    الأستاذ عبدالمحسن المنقور، الملحق الثقافي السعودي ببيروت سابقاً:
    تحدث الأستاذ عبدالمحسن المنقور، الذي تعرف على القصيمي إبان عمله في بيروت، بأن القصيمي كان ناقداً حاداً لا يجامل وكان يجهر برأيه، ولم يكن ملحداً كما يقال عنه، بل مؤمناً بربه، وذكر المنقور أن عدداً من أعيان المجتمع السعودي كانوا يعرفون الظروف المادية السيئة للقصيمي أثناء إقامته في بيروت، وكانوا يرسلون لي أموالاً له دون أن يعلم، فكنتُ أعطيها له، ولم يكن يعلم من أين هي؟! وعندما سألت" إيلاف" السيد المنقور عن أسماء هؤلاء الأعيان رفض بحجة أنهم هم لا يريدون ذلك آنذاك، حتى لا يعلم القصيمي فيرفض أخذ النقود! وليس من حقي الآن أن أذكر اسماءهم وقد انتقل منهم من انتقل إلى رحمة ربه! وذكر المنقور أن القصيمي كان حاداً في نقده للرئيس عبدالناصر.
    الأستاذة آمال عثمان:
    التقت" إيلاف" بالسيدة آمال عثمان المسؤولة الإدارية عن قسم كبار السن في مستشفى فلسطين في مصر الجديدة، الذي كان يتعالج فيه المفكر القصيمي، وفيه قضى نحبه، وسألتها إيلاف عن القصيمي فقالت: لقد كان العم عبدالله القصيمي "راجل زي العسل!" وكان طيباً محترماً يخاطبنا نحن العاملون القائمون على خدمته بلغة راقية شاعرية، وكان يكثر المزح معنا، ويداعبنا بألفاظه الرقيقة، وكان يقول لي، أنكِ إذا تمشين فإن الأرض تدعو لك!، وكان يدعو لنا بالتوفيق، ونصحنا كثيراً بأن نعيش بسلام ووئام، وأن نترفع عن الصغائر والضغائن، وقال لنا: أن الله يراقبنا من فوق، فعلينا أن نطهر قلوبنا من الحقد والحسد، وأضافت السيدة آمال تقول: دخل الشيخ عبدالله المستشفى في يوم 12/12/1995م ولم يخرج إلا في يوم9/1/1996م يوم أن توفاه الله، ورداً على سؤال " إيلاف" عن الكيفية التي كان المفكر يقضي فيها وقته إذا لم يكن لديه زائرون، قالت: كان يقضي وقته في قراءة القرآن الكريم، الذي كان بجانبه طيلة إقامته في المستشفى، وأضافت تقول: أنه في بعض الأحيان يقرأ القرآن الكريم بصوت مرتفع ويرتله ترتيلاً!! وأضافت أن الدكتورة نادية عبدالوهاب، رئيسة القسم، كانت تجلس إلى أحياناً وتحاوره في كثير من الأمور الفكرية.
    الدكتور محمد بن المفكر عبدالله القصيمي:
    شكر الدكتور محمد القصيمي "إيلاف" على هذا الملف، وسألته إيلاف عن الكيفية التي كان يتعامل بها والده مع أبنائه، فقال: كان الوالد أباً مثالياً في تعامله، وكان يتسم بالهدوء الذي لا حدود له، وكان أسلوبه في التربية عندما كنا أطفالاً وشباباً يقوم على الحزم والشدة والتوجيه نحو معالي الأمور، وقد ربانا على تعاليم الإسلام الحنيف ووجهنا منذ الصغر كي نتعلم، وطلب منا أن نتعلم اللغات منذ أيام الشباب، فالتحقنا بالمعاهد التي تعلم اللغات، ورداً على سؤال فيما إذا كان الشيخ عبدالله قد رغب منه أن يتعلم العلوم الشرعية، وان يحذو الابن حذو أبيه، قال: أبداً، لقد رغب منا أن نتعلم وندرس العلوم الطبيعية، ولم يكن يرغب أبداً أن ندرس الدراسات النظرية، وذكر الدكتور محمد القصيمي أنه وأخاه الدكتور فيصل، بعد أن تخرجا في الطب، في أنجلترا، وجدا فرص عمل هناك فانخرطا في العمل، فعتب عليهما والدهما وطلب منهما العودة فوراً إلى السعودية، مهما كانت المغريات، وأن يساهما في خدمة الوطن ورفعته، ويضيف الدكتور محمد أنه أمام إصرار الوالد عدنا إلى السعودية، ونحن نقدم جهدنا في خدمة الوطن، وأضاف الدكتور محمد القصيمي يقول: أنه بعد عودته من لندن قابل الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، الذي قال له:" على الرغم مما قيل عن والدكم، إلا انه رجل لا يباع ولا يشترى!" ويشير الدكتور أن والده تلقى عروضاً من عدد من الدول للبقاء فيها وعرضت عليه الجنسية، إلا انه رفض ذلك، تقديراً منه واحتراماً لوطنه الأول، وأشار الدكتور محمد إلى الأثر الكبير الذي تركه والده في مستشفى فلسطين، حيثُ كان محبوباً من جميع العاملين، الذين تأثروا أكبر الأثر على رحيله، وأضاف أن والده قضى أيامه الأخيرة في مستشفى فلسطين يقرأ القرآن الكريم أغلب الوقت.
    الدكتور فيصل بن المفكر عبدالله القصيمي:
    يشير الدكتور فيصل إلى أن الأسلوب الذي اتبعه والده في التربية، كان قائماً على قدر كبير من الحرية وأنه لم يفرض عليهم صبغةً أو أسلوباً أو أن نمطاً معيناً، وأضاف الدكتور فيصل يقول: كانت لدي ميول للدراسة الأدبية، إلا أن الوالد أنزعج انزعاجاً شديداً عندما علم بذلك، وأرشدني إلى أن هذا لا ينفع في الوطن العربي، وغير مريح، فعندما تكون كاتباً فستتعرض لكثير من المشاكل، ورغب الوالد أن أدرس دراسات علمية تطبيقية، وعن البرنامج اليومي للمفكر القصيمي، أشار الدكتور فيصل أن والده كان منظماً تنظيماً دقيقاً، إذ يصحو في الساعة السابعة صباحاً ويتناول إفطاراً خفيفاً، ثم يقرأ الصحف العربية التي تأتي إليه من مختلف الأقطار العربية، وكان يقرأها بشيء من الاشمئزاز، وفي العاشرة صباحاً يبدأ يكتب إلى الساعة الثانية ظهراً، فيتناول غداءه وينام إلى الساعة الرابعة عصراً، وفي المساء إما أن يقوم بزيارة أحد أو يستقبل ضيوفه في منزله، ونادراً ما يكتب في المساء إلا أن تكون قد خطرت فكرة على باله فيكتبها، وأضاف الدكتور فيصل أن والده يتبع برنامجاً غذائياً صارماً، وكان يمشي في اليوم لمدة ساعتين على الأقل .
    ......
    عن إيلاف ......................... يتبع

  4. #4
    ... عضو جديد ...


    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    13
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    القصيمي بين مؤيديه ومعارضيه!!



    يقف المفكر السعودي عبدالله القصيمي في طليعة حملة لواء الفكر الليبرالي العربي، وقد اختط لنفسه منهجاً عارض فيه الكثير من التيارات الفكرية، وكان بذلك ظاهرة فكرية لافتة للانتباه، لذلك انقسم الناس حوله وحول منهجه، ما بين مؤيد له ومعارض لا يرى فيما طرح القصيمي إلا فلسفةً عبثية فارغة من أي مضمون، وكان لجرأة القصيمي في طرحه، إضافةً إلى ما يتسم به الطرح لديه من قوة وحدّة، ولتقلباته الفكرية، دور كبير في اتساع قاعدة الرفض أو التأييد من قبل قرائه ومتلقي كتاباته. لقد عاش القصيمي خلال ستين عاماً معركة ثقافية كبرى رفض فيها المهادنة، بل يواصل تدعيم آرائه بكتاب تالٍ لكتاب. فيما يلي تعرض " إيلاف" أهم الأعمال التي تناولت القصيمي خلال مسيرته الفكرية، سواءً تلك الأعمال التي رأى كاتبوها في القصيمي مفكراً حراً وفيلسوفاً ثائراً، أم تلك التي تناولت أعماله ووصمته بالمروق والخروج على الدين.
    من أبرز الأعمال التي تناولت القصيمي معجبةً به وبفكره :
    1- تُعدُ المقالة التي كتبها الأستاذ عباس محمود العقاد، عن كتابه" هذه هي الأغلال" من أهم الدراسات التي تناولت القصيمي وكتابه المذكور، سيما وكاتبها من المحسوبين على الفكر الإسلامي، وقد نشرت المقالة على الغلاف الرئيس لمجلة" الرسالة" التي يرأس تحريرها الأستاذ أحمد حسن الزيات، وقد نشرت في العدد 695 الصادر بتاريخ 3 ذي الحجة 1365هـ الموافق 28أكتوبر 1946م، يقول فيها العقاد (... والكتاب بحق كما وصفه مؤلفه الفاضل ثورة في فهم العقل والدين والحياة، لأنه يهجم على سلطان غشوم هو سلطان الجهل، ومعقل حصين هو معقل العادة، وجحفل متحجر هو جحفل الغوغاء وأشباه الغوغاء، يرفع السيف والمعول بغير رهبة ولا هوادة ويعتمد سيفاً واحداً ومعولاً واحداً في هذه الثورة، هما سيف اليقين ومعول البرهان، وهو يشن الغارة الشعواء على من يقدسون البلاهة ويوجبون على الناس الكسل باسم الاتكال على الله ويحرمون تعليم المرأة وتدريبها على فرائض الأمومة والرعاية الاجتماعية ويوهنون ثقة الانسان بنفسه وينكرون الحمة القديمة والعلم الحديث، ويزعمون إن الزمن يتأخر ولا يرجى فيه من أبناء اليوم والغد رجاء يضيفونه إلى تراث السلف ومآثر المتقدمين ... ) .
    1- مقالة للشيخ رشيد رضا، بعنوان" البروق النجدية" في المنار، 1932م.
    2- عن كتاب" العالم ليس عقلاً " كتب الأستاذ يوسف الحوراني مقالة قال فيها( .. عربي عربي هذا الكاتب، حتى لتخاله يبحث في كتابته عن مضارب قبيلته، التي فقدها في الصحراء بعد غربة طويلة عنها، هو صرخة هو احتجاج على كل تفاهة وتحجر واجترار وعبودية وتبعية غبية، وأنا أكتفي بما قدمه لنا القصيمي ولا أطالبه بأكثر، بل أرشحه إلى حيث يمكن أن يحرق حياً انتقاماً منه وعندئذٍ بعد موته يكون لنا برنو عربي ينير لنا طريق حرية الفكر، نعم أرشح القصيمي للموت حرقاً لأننا نريد نبياً جديداً يبدأ لنا حضارة جديدة .
    3- كتب الأستاذ كامل مروة، فصلاً كاملاً عن القصيمي في كتاب " دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي"، بيروت،1965م.
    4- أما الأستاذ أنسي الحاج، فكتب عن الكتاب مايلي ( .. هذا الرجل القادم من الصحراء، هذا السعودي المقاتل لكل شيء، الرافض لكل شيء، الحر في وجه كل شيء يريد المستحيل، يريد أن يفرغ الدنيا العربية من نفسها، ويؤلفها على الحرية والكرامة، في الصحراء من قلب الصحراء نبت، من الصحراء فجأة وفيما الجميع لا يترقبون هناك أحداً، نبت كالشوكةالفاجعة، وحيث مشى في الصحراء صارت كل حبة رمل بطلة ..) .
    5- كما كتب الأستاذ ميخائيل نعيمة فقال( ... كتاب العالم ليس عقلاً لا مثيل له في التفكير العربي قديماً وحديثاً .. ) .
    6- وكتب جورج جرداق فقال (.. إنه كتاب فريد في اللغة العربية وإنه لتعليل مثله في التفكير الغربي، وآمل أن يصبح أبناء هؤلاء الذين يهاجون الكتاب يوما، صالحين لأن يكونوا مواطنين لعبدالله القصيمي..).
    7- كما كتب الشاعر أدونيس يقول( .. لا تستطيع أن تمسك به فهو صراخ يقول كل شيء ولا يقول شيئاً، يخاطب الجميع ولا يخاطب أحداً، بريء وفتاك، متناقض ومنطقي، شعري وعقلاني، معتم وصاف، كانه الرمل وقطرة المطر ...).
    8- وكتب الأستاذ احمد سويدان قائلاً ( .. عيب هذا الكتاب أنه أكبر من المجتمعات التي صدر فيها ...) .
    9- عقب السياسي أميل الخوري،على مقالات القصيمي قائلاً( إن أعظم مفكر عالمي ليضع اسمه تحت هذه المقالات بافتخار ..) كما ورد في كتب" التيارات الأدبية لعبدالله عبدالجبار "
    10- كتبت مجلة الآداب، في العدد التاسع مايلي(.. كل من اطلع على الكتاب الذي جمع فيه الأستاذ محمد زكي عبدالقادر أقوال مفكري الشرق والغرب عن الحرية والكرامة والإنسانية سيحس بنقصان كبير في ذلك الكتاب، لأنه لم يشتمل هذه الروائع التي أبدعها القصيمي، والتي وصفها بعض الكتاب بأنها من جوامع الكلم التي تمتاز بالقوة والروعة والبلاغة المعجزة ولا تقل عن مثيلاتها من كلمات مونتيسكو و رسو و ديدرو وغيرهم من أعلام الفكر ) .
    14- أفردت مجلة" إبداع" التي يرأس تحريرها الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي، ملفاً عن القصيمي، وذلك في عددها الثاني، الصادر في فبراير من عام 1996، وشارك في الملف الكاتب سيد القمني في مقالة بعنوان"عبدالله القصيمي.. صوت صارخ في البرية" والكاتب حسن طلب في مقالة بعنوان"عبدالله القصيمي.. قطرة الشك في صحراء اليقين" والكاتبة البحرينية فوزية رشيد مقالة بعنوان"بعد رحيله، كبرياء التاريخ في مأزق" .
    15- طرح الأستاذ صبحي حديدي، في مجلة" نزوى" العمانية، في العدد السابع، دراسة حاول من خلالها البحث عن المنظومة المفقودة، عنوانها "حقيبة الانشقاق التي أفضت من منفى على منفى" .
    16- كتب الدكتور يورغن فازلا ، من ألمانيا، مقالة عن القصيمي في مجلة" Wir Stellen Vor " الألمانية .
    17- في جريد" الأهالي" الصادرة في 24 يناير 1996، كتبت الكاتبة البحرينية فوزية رشيد، مقالة بعنوان" القصيمي محظور حياً أو ميتاً" .
    أما أبرز كتابات خصوم القصيمي، فمنها:
    2- قصيدة للشيخ راشد بن صالح بن خنين، وقد نظمها بعد تأليف القصيمي لكتابه" هذه هي الأغلال" وتقع في (56) بيتاً، وقد فرغ من نظمها في 12/4/1366هـ، يقول فيها :
    هذا القصيمي في الأغلال قد كفرا
    وفاه بالزيغ والإلحاد مشتهرا
    من بعد نصرته للدين في كتب
    أضحى يفنده يا بئس ما ابتكرا
    واسم الكتاب دليل الخبث متضحٌ
    ما فيه بسملة إذ خيره بُترا
    يا ابن القصيمي هداك الله شرعتنا
    أترك زهوك وادع الله معتذرا
    3- حظيت قصيدة راشد بن خنين بتقريظ من قاضي الخرج آنذاك، الشيخ عبدالعزيز بن باز، قال فيها أن من جملة أضاليل هذا الزائغ المفتون قوله أن الخطب أيام الجمعات إحدى النكبات، لأنها لتكررها كل أسبوع استطاعت أن تجعل تخديرها مستمراً مضموناً متجدداً، وبرهن الشيخ ابن باز على إلحاد القصيمي قوله- أي القصيمي- أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ رسالته بالخلوة الطبيعية، وبمناجاته فوق غار حراء وختمها بمناجاتها وهو في حجر عائشة، بينما كان يجود في أنفاسه فلقد كان شاخصاً ببصره إلى السماء لا يحوله عنها هول ولا أهل، ويقول: اللهم في الرفيق الأعلى‍‍!! فالشيخ ابن باز يقول أن القصيمي بذلك يدعو إلى عبادة الطبيعة، كتبها ابن باز في عام 1366هـ، الخرج .
    4- قصيدة للشيخ صالح بن سليمان بن سحمان، نظمها في عام 1366هـ بعد اطلاعه على كتاب " هذي هي الأغلال" وجاءت القصيدة في 53 بيتاً، منها يقول :
    في مصر وزغ تمادى في الضلالات
    وتاه في تيه ديجور الجهالات
    أبدى مخازيه في أغلاله وهوى
    في هوة وتعامى بالمقالات
    ويشير الشاعر بن سحمان إلى كتب القصيمي، التي أصدرها يوم أن كان وهابياً، فيقول:
    أين الصراعُ ونقد والبروق وما
    أعلنت بالحق عن هذي الخرافات
    أتلك زندقة والرشد ما نطقت
    أغلالك الآن من هذي الحماقات
    أخزيت نفسك عند الناس قاطبةً
    وما اتقيت عليماً بالخفيات
    5- قصيدة للشيخ صالح بن حسين العلي العراقي، وهي قصيدة طويلة جداً تقع في (17) صفحة، وقد قدم لها الشيخ عبدالعزيز بن باز، قاضي الخرج، وذلك بتاريخ 11/11/1367هـ .
    6- رسالة من الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، إلى عبدالله عبدالعزيز العقيل، مؤرخة في 18صفر من عام 1366هـ تناول فيها الشيخ ابن عدي كتاب الأغلال بالنقد والتحليل وتقع في عدة صفحات .
    7- كتاب " تنزيه الدين ورجاله مما أفتراه القصيمي في اغلاله" كتاب مطبوع للشيخ عبدالرحمن بن سعدي، القاهرة، 1366هـ.
    8- كتاب" الرد القويم على ملحد القصيم" لعبدالله بن يابس، القاهرة، بدون تاريخ الطباعة .
    9- كتاب" بيان الهدى من الضلال في الرد على صاحب الأغلال" تأليف الشيخ إبراهيم بن عبدالعزيز السويح لانجدي، المطبعة السلفية بالقاهرة،1369هـ .


    عن إيلاف


    عبد الله القصيمي: الرجل القادم من الصحراء

    --------


    بقلم : أنسي الحاج
    "كلمات كلمات كلمات" الجزء الأول،صفحة283-284، دار النهار بيروت 1987
    ينزل عبداللّه القُصيمي تمزيقاً في المحرّم. كتاباه "هذا الكون، ما ضميره؟" و"كبرياء التاريخ في مأزق" لم أعرف مثلهما في الأدب العربي تحريضاً وإشاعة عصيان. وهو ليس مفكّراً يشرح نظريات، إنه القاموس العربي وقد استحال صراخاً ضد التزوير، بمعناه التاريخي، ضد القمع والتخلف والسدود كلها.
    هذا الرجل القادم من الصحراء، السعودي المقاتل كلّ شيء، الرافض كل شيء، الحر في وجه كل شيء، يتكلم كالشهيد الحيّ. ماذا يريد؟ يريد أن يفرّغ الدنيا العربية من نفسها ويؤلفها على الحرية، والعقل والكرامة.
    كُتُبُه فضيحة تاريخية. فضيحة أن يكون العربي قد ظلّ حتى الآن خالياً من عبداللّه القصيمي. فضيحة، عبداللّه القصيمي، تفضح ألوف ماسخي الكلمة العربية كل يوم من المحيط إلى الخليج.
    اقرأوا القصيمي. لا تقرأوا الآن إلاّ القصيمي. يا ما حلمنا أن نكتب بهذه الشجاعة! يا ما هربنا من قول ما يقول! يا ما روضنا أنفسنا على النفاق، وتكيفنا، وحطمنا في أنفسنا الحقيقة، لكي نتقي شر جزء مما لم يحاول القصيمي أن يتقي شر قوله في كتبه. ويهجم على الكلمة هجوم البائع الدنيا بكلمة. وتقتحمك كلماته التي لا تتوقف اقتحام الحريق المتصاعد. ضد كل شيء.
    وهل من شيء لا يوقَف ضده في حياة العالم العربي؟
    ضد كل شيء. بزخم تجمعت فيه إرادات عصور من التمرد السجين والحرية المكبوتة.
    ويرفع القصيمي يده المعروقة، المؤلمة الجارحة، وينزل تمزيقاً.
    ينزل كالمجنون.
    ويجن جنونه ببساطة الأولاد والأنبياء، بقوة عمياء من الطبيعة.
    يجن جنون الصحة على المرض، الحياة على الموت.
    جنوناً وحيداً صارخاً في الصحراء.
    يجن عن كل العرب منذ مئات السنين.
    و لا يرتاح له عَصَب. ولا يتراجع منه اللسان. ولا تصدقه عيناك!
    أَعَربيّ، تتساءل، هذا القائل هذا؟
    وكثيراً تتساءل. إنه يبقيك في الخوف عليه من أن يتوقف أو ينهزم. لكنه لم يستحق عَبثاً حكم الإعدام الصادر عليه!
    ومن الصحراء، من قلب الصحراء نَبَت. في الصحراء فجأة، وفيما الجميع لا يترقبون هناك أحداً.
    نَبَت كالشوكة كالفاجعة. نبت ضد الطبيعة. وحيث مشى في الصحراء صارت كل حبة رمل بَطَلة.
    وصار في الصحراء شجرة عظيمة.

    عن إيلاف


    الرحيل والارث الفكري


    يذكر المحامي إبراهيم عبدالرحمن أن العشر سنوات الأخيرة من حياته، بدأ يواجه بعضاً من المتاعب الصحية، وبدأت تظهر عليه آثار السنين، ويقول السفير حسن السحولي أنه بعد فقده لزوجته ساءت أحواله الصحية، وقد رفض الاستعانة بخادمة أو ممرضة بعد رحيل زوجته، تقديراً لها ووفاء منه، ويضيف السحولي أن القصيمي بكى بكاءً مراً على زوجته، وقال الدكتور فيصل القصيمي أن والده في السنتين الأخيرتين بدأ يشتكى من التهاب في الرئة على الرغم من أنه لا يدخن اطلاقاً، وقد دخل المستشفى عدة مرات، ثم ذهب للعلاج في أمريكيا على نفقة الأمير طلال بن عبدالعزيز، وفقاً لرواية المحامي إبراهيم، ثم عاد وأدخل مستشفى فلسطين في مصر الجديدة، بتاريخ 12/12/1995، وفقاً لما ذكرته لـ"إيلاف" السيدة آمال عثمان، المسؤولة الإدارية في القسم الخاص بكبار السن في مستشفى فلسطين.
    مستشفى فلسطين في القاهرة
    وفي اليوم التاسع من شهر كانون الثاني/ يناير من عام 1996 اسلم الروح لبارئها، بعد رحلة طويلة من الجهد والبحث والمنازلات الفكرية، شكل القصيمي خلالها ظاهرة من أهم الظواهر الفكرية في عالمنا العربي، لا تزال كثير من التساؤلات حولها مجهولة الإجابة، فربما حمل القصيمي معه أسرار كثيرة، قد نحتاج إلى وقت طويل لفك طلاسمها ومعرفة كنهها، وعلى الرغم من أن القصيمي وصف قومه العرب بأنهم ظاهرة صوتية، فإن هذا الصوت خفت ولم يرثه أحد!! سوى صديقه إبراهيم عبدالرحمن الذي نشر خبر نعيه في صحيفة" الأهرام" المصرية إضافةً إلى بعض أخبار النعي التي كتبت في صحف عربية كالشرق الأوسط وغيرها، وهي أخبار لا تتناسب وقامة هذا الرجل الذي ظل لعقود ستة مشغلاً للرأي الثقافي العربي، ما بين مؤيد ومعارض! .
    يقول المحامي إبراهيم عبدالرحمن: في يوم وفاته وزعت السفارة السعودية بياناً على الصحف المصرية، نشرته بعض الصحف المهمة، كما قامت السفارة بعمل إجراءات الدفن وأمنت سيارة لنقله من المستشفى إلى الجامع والمقبرة، وعرضت السفارة السعودية على أبنائه، وفقاً لرواية المحامي، نقله إلى السعودية لدفنه هناك، إلا أنه أوصى أن يدفن إلى جوار زوجته في مقابر باب الوزير، وقد شيعت الجنازة من جامع رابعة العدوية في مصر الجديدة ووريت الثرى، رحم الله القصيمي وتجاوز عنا وعنه. أولاد القصيمي : تزوج القصيمي من السيدة فاطمة علي محمود، وذلك في الثلاثينات الميلادية، كما يذكر الدكتور فيصل القصيمي، وأنجبا أربعة من الأولاد، هم : 1- الدكتور محمد بن عبدالله القصيمي، درس الطب في انجلترا، وتخرج من الكلية الملكية للأمراض الباطنية، وعمل عميداً لكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز، وهو أستشاري الأمراض الباطنة والصدرية. 2- الدكتور فيصل القصيمي، هو الآخر درس الطب في انجلترا، في الكلية نفسها التي درس بها أخوه محمد، وهو ألان استشاري الأمراض الباطنة والصدرية. 3- السيدة عفاف القصيمي، زوجة الأستاذ محمد أنعم غالب، وزير الاقتصاد اليمني سابقاً، وسفير اليمن في كوريا. 4- السيدة ليلى القصيمي، زوجة الدكتور وسيم النشاصي(طبيب أردني). الإرث الفكري ومكتبة المفكر القصيمي: تشكّل لدى المفكر عبدالله القصيمي من خلال رحلته الطويلة في البحث والتأمل والقراءة والكتابة، مكتبةً ضخمة حوت المئات من الكتب المتخصصة في كافة المجالات، وقد آلت مكتبته بعد رحيله إلى مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، وهي المكتبة القومية السعودية، واحد أبرز المعالم الثقافية بالسعودية. أما عن كتب الشيخ القصيمي، فقد لاحظت " إيلاف" حركة طرح ناشطة لإعادة طباعة كتبه في بيروت وألمانيا!، وقد سألت" إيلاف" المحامي إبراهيم عبدالرحمن فيما إذا كان الشيخ عبدالله القصيمي قد منح أحداً حقوق نشر كتبه بعد وفاته، فقال: أن الشيخ عبدالله لم يمنح أحداً حقوق النشر،إلا أنه وكأنه قد أهدى هذه الحقوق إلى رفيق دربه وصديقه الأستاذ قدري قلعجي، لما له من افضال عليه، وقد كان هدف القصيمي هو النشر، أما ما يترتب على ذلك من حقوق فلم يكن يفكر فيه، والعلاقة فيما بين القصيمي وقدري أكبر من أن يطالب أحدهما الآخر، ولكن لم يكن هناك اتفاق، بل هو إهداء شفهي، لا أقل ولا أكثر، أما ما يحدث اليوم فشيء يؤسف له، ويضيف المحامي إبراهيم قائلاً : أن الأستاذ خالد المعالي، صاحب دار منشورات الجمل في ألمانيا، قد اتصل بي وقال لي أنني نشرت بعض كتب الشيخ لأني لا اعرف من هو صاحب حقوق النشر، وقلتُ له: أنهم أبناؤه وأعطيته أرقام هواتفهم في السعودية، والذي أعلمه أن الأستاذ خالد هاتفهم ونسق معهم بهذا الخصوص، وقد ذكر الدكتور فيصل لـ" إيلاف" أن الأستاذ خالد المعالي قد أتصل بهم، يريد أن يأخذ الموافقة منهم في النشر، لكنه في نفس الوقت وجد أن دور النشر في بيروت قد نشرت وأعادت طباعة بعض كتب الشيخ، فنشر، وكل الذي يعنينا والكلام للدكتور فيصل، أن تنشر كتب الشيخ وان تطبع طباعة قيمة جيدة . القصيمي في سيرة الجنابي الشاعر العراقي المقيم في باريس عبد القادر الجنابي، يكتب في سيرته الذاتية "تربية الجنابي" عن المفكر الراحل القصيمي قائلا: إثر كلّ اجتماع، إثر كلّ فيلمٍ نشاهدُهُ، إثر كلّ كتابٍ نقرأه أو نصتفَّحه، كان عِرقُ التساؤل ذاتُهُ ينبُضُ في السرّة. وليس ثمّة أفضل من عبداللّه القُصيمي في طرح هذا التساؤل الذي لا أزال أستصرِخُهُ إلى اليوم: "



    عن إيلاف

    القصيمي وموطنه السعودية


    منذُ أن غادر القصيمي مسقط رأسه " خب الحلوة" الواقع في غرب بريدة بمنطقة نجد بالسعودية، في العاشرة من عمره لم يعد إلى السعودية إلا مرةً واحدة كانت لأداء فريضة الحج، حدث له فيها موقف في مكة المكرمة يرويه بالتفصيل لـ" إيلاف" المؤرخ السعودي عبدالرحمن الرويشد(80عاماً)، الذي كان شاهداً على الموقف، وذلك في شهادته التي قدمها لـ"إيلاف".
    "إيلاف" طرحت سؤالاً على كل من ألتقهم من أصدقاء القصيمي عن حنين القصيمي لموطنه وموقفه منه ومن قياداته، ففي الوقت الذي أشار فيه المحامي المصري إبراهيم عبدالرحمن أنه لم يلحظ على القصيمي من خلال صحبة دامت حوالي خمسين عاماً أية حنين أو شوق إلى مسقط رأسه السعودية، بل كان يحنُ إلى بيروت التي وجد فيها متنفساً للنشر والكتابة، إلا أن السفير اليمني حسن السحولي يؤكد على أن القصيمي كان كثير الحنين إلى السعودية، وأكد ذلك اللواء عبدالله جزيلان قائلاً: لا يوجد هناك من لا يحنُ لمسقط رأسه والقصيمي كان يحن للسعودية!. وعن موقفه من بلاده السعودية قال المحامي إبراهيم عبدالرحمن أنه لم تكن هناك علاقة رسمية بينه وبين الحكومة السعودية، إلا أن الاحترام والتقدير كان متبادلاً بينهما، وكانت الحكومة السعودية تجري له مكافأة شهرية عن طريق السفارة السعودية، وكانت له علاقة بالعديد من أعيان ووجهاء السعودية من أمثال الأمير طلال بن عبدالعزيز الذي تكفل بكامل علاجه بالولايات المتحدة الأمريكية. واعتبر المحامي إبراهيم موقف الحكومة السعودية من أبنائه موقفاً ممتازاً عندما قررت الحكومة السعودية ابتعاث جميع الطلبة الذين كانوا يدرسون في مصر إلى الغرب أوروبا وأمريكيا، للدراسة بد أن ساءت العلاقة بين مصر والسعودية، إذ قررت الحكومة السعودية ضم أبنيه فيصل ومحمد إلى البعثة السعودية لدراسة الطب، رغم أنهما ليسا من ضمن البعثة، وهو موقف يدل على احترام السعودية للشيخ عبدالله القصيمي، وذكر المحامي أن القصيمي على علاقة وطيدة بعدد من رجال الفكر السعوديين الذين يزورونه في القاهرة ويجلسون معه لساعات طويلة وكان بعضهم يفضل ألا يعرف أحد بذلك، وذكر أن من المسؤولين الذين كانت لهم علاقة جيدة جداً مع القصيمي معالي الشيخ حسن آل الشيخ وزير التربية والتعليم بالسعودية، فقد كان يُجلُ الأستاذ القصيمي، وكانت بينهما لقاءات عندما كان القصيمي مقيماً في بيروت، وقد قابلتُ الشيخ حسن آل الشيخ في الرياض عام 1977م وكنتُ أحمل إليه رسالة من الشيخ القصيمي، فرحّب بي أشد الترحيب، بل وبالغ في ذلك وأعرب عن تقديره وحبه العميق جداً للشيخ القصيمي، وحملني رسالة رداً على رسالة القصيمي له، وذكر المحامي أن من أصدقائه السعوديين الشيخ حمد الجاسر والشيخ عبدالعزيز التويجري، وقد ذكر الأستاذ جاسر الجاسر في صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة بتاريخ 11يناير 1996م أن ممن عايشوا القصيمي في بداياته وتابعوا تبدلاته حمد الجاسر وعبدالكريم الجهيمان وعبدالعزيز التويجري. ويقول المحامي إبراهيم عبدالرحمن أن فيصل بن عبدالله القصيمي عندما ذهب إلى الرياض لاستكمال أوراق ابتعاثه استدعي إلى الطائف وقابل ولي العهد آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز، الذي رحب بالابن فيصل وقال له نحن نحترم والدك وأنت اليوم في بلدك السعودية . ويضيف المحامي إبراهيم أن القصيمي كان يحترم بلده ويحترم الملك عبدالعزيز، لأنه نقل بلاده ومجتمعه من غياهب التخلف ووضعها على عتبات التقدم والرقي، كما كان يحترم الملك فيصل ويقدره، وقد سمى ابنه فيصل تيمناً بالملك فيصل بن عبدالعزيز. أما السفير اليمني حسن السحولي فقال: كان القصيمي يحترم السعودية ويرفض أن يتحدث عن السعودية بأي شكل يسئ لها، وكان لايفضل الحديث عنها أبداً، وقد أدركنا فيما بعد لماذا رفض الجواز الدبلوماسي الذي قدمته له من اليمن!! كان يحترم بلده وعندما قدمنا له الجواز كانت العلاقة بين السعودية واليمن متأزمة، فرفض أن يكون هذا استغلالاً له من قبلنا ضد السعودية، والشيء نفسه فعله مع سوريا عندما عرضت عليه الانتقال والبقاء فيها وحمايته يوم أن كان في بيروت، فرفض لأن العلاقة كانت هي الأخرى متأزمة مع السعودية، ومواقفه هذه تدل على احترامه الكبير لبلده السعودية، ويضيف السفير قائلاً: رحمه الله كان متوازناً مع نفسه ومع الآخرين!!. ومما يدلل على ما كان يكنه القصيمي لبلده السعودية، ما ذكره الشيخ حمد الجاسر قبل وفاته، يقول: كنتُ في القاهرة قبل أكثر من ستين عاماً ونشرت مجلة" الدعوة" الناطقة باسم الإخوان المسلمين، والتي كان يرأس تحريرها الأستاذ حسن البنا مقالة عن الملك عبدالعزيز، لم تعجب القصيمي، يقول : جاء القصيمي لي متأثراً وطلب مني الذهاب معه إلى مقر المجلة لتوبيخهم عن الموضوع الذي نشروه ضد إمام المسلمين عبدالعزيز، يقول الجاسر: ذهبنا ووجدنا سكرتير التحرير محمد الغزالي، وكان شاباً وقتها، فاستقبلنا وقال: أهلاً بالشيوخ النجديين، ورحب بنا ثم سأل، فأجابه القصيمي: بأنكم هاجمتم غمام المسلمين! فطلب منه الغزالي أن يرد وأعطاه ورقة وقلم، فقال القصيمي: هذه لا تكفي، فكتب أربع ورقات ودفعها إليه وقال الغزالي: سننشرها الأثنين القادم، ولكن لم ينشر المقال كما وعد الغزالي، فجاء لي القصيمي مرةً ثانية منفعلاً يقول: لم ينشروا المقال، هيا بنا إلى فوزان السابق نشتكيهم عليه! فاعتذرت منه لأني كنتُ وقتها مشغولاً، ولا أدري ما الذي حدث بعد ذلك؟!. ومما يؤكد على ما يكنه القصيمي لبلده وقادته من حبٍ واحترام، تلك المقالة التي نشرها القصيمي في مجلة" الكتاب" الجزء الرابع، صفر1365هـ، الموافق فبراير1946هـ، وهي مجلة شهرية تصدر عن دار المعارف المصرية، ويرأس تحريرها آنذاك الأستاذ عادل الغضبان، يقول القصيمي في مقالته تلك ( .. والملك عبدالعزيز أول من سُمي من آل سعود ملكاً بالمعنى المعروف القانوني، وكان آباؤه من قبل يسمون بالأئمة، ويرون أن هذه التسمية أكثر انطباقاً عليهم وأصدق معنى، لأنهم إنما يقومون بوظيفة الأئمة من الإصلاح الديني ومن محاربة الفساد والباطل المحسوب ديناً، وجلالته أول من وحد هذه المملكة الواسعة المترامية الأطراف، المكونة من الحجاز ونجد وعسير والأحساء والقطيف وتوابع ذلك، وأول من عمل على استخراج الثروة الطبيعية المخبوءة في أرجاء المملكة.. أما مبدأ أمر جلالته ومبدأ الفكرة عنده في إيجاد هذه المملكة فما أشبه ذلك بالقصص الروائية، على أنه الحقيقة الرائعة الواقعة المعاصرة التي لا تمكن المماراة فيها، ويختتم القصيمي مقالته الطويلة، قائلاً ( يظن كثير من الناس أنه هذا الملك يحكم بلاده وشعبه حكماً مطلقاً، ولكن لا يجب الذهاب مع هذا الظن، فإن جلالته قد قيد نفسه بقانون رضيه هو وآمن به، ورضيه شعبه وآمن به، هذا القانون هو الشريعة الإسلامية، وهو لا يتدخل فيه، غنما يعمل على حمايته، وإذا كان يُسمى ملكاً دستورياً مَن كان مقيداً بدستور وضعه الناس، لهم أن يغيروه أو يبدلوه أو يبطلوه، فماذا يسمى من قيّد نفسه بدستورٍ وضعه الله؟! يرى أنه لا يصح أن يبدل ولا أن يُغير ولا أن يُبطل! إننا أمام أحد رجال التاريخ الحقيقيين الذين سيظل التاريخ يذكرهم كلما ذكر الأعمال الخالدة والرجال الخالدين، وإننا لا نحتاج أن نرجع إلى الوراء لننقب في زوايا تاريخنا عن العظمة الحقة في رجالنا، وما علينا إلا أن نلتفت إلى هذه العظمة المعاصرة، لنقول: إننا رأيناها بأبصارنا ...). ويذكر المؤرخ السعودي عبدالرحمن الرويشد أنه لم يكتب أحد مدافعاً عن الملك عبدالعزيز كما كتب القصيمي في وقته.

    عن إيلاف

المواضيع المتشابهه

  1. كل الاصوآت مبآحه لي بعد الفرآق إلآ صوتك
    بواسطة شوق أنثى~ في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 14-10-2010, 10:04 AM
  2. أنظر الى الصورة وأجب عن الاسئلة التالية هع هع
    بواسطة وحي الشوق في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 16-10-2009, 03:23 PM
  3. مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 02-05-2007, 02:21 PM
  4. يوم اني بامريكا ،، قصه من التراث القصيمي
    بواسطة حنين العمر في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 20-05-2006, 01:22 AM
  5. ((( ارجو ان يحاول كل منا الاجابة عن هذه الاسئلة
    بواسطة al-shmaly في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-01-2006, 03:33 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •