:16ar: العلم في الإسلام مطلوب لذاته. وليس لأنه مرتبط بالوظيفة أو تحسين الدخل. لأن من يطلب العلم إذا لم يستطع أن يصل به إلي الوظيفة التي ينشدها أو المهنة التي يرجوها لشدة المنافسة وكثرة عدد من يتقدمون لشغلها فإن فائدة العلم لن تنتهي ولن تقف عند هذا الحد. ولكنها سوف تشمل الإنسان في ذاته وتمسه في كيانه لتخلق منه إنساناً متعلماً يفهم حقيقة نفسه والغاية من وجوده في الحياة. كما يفهم حقيقة من حوله. ويستطيع أن يدرك سر الله في خلقه وكونه. وهنا يصل إلي غاية نبيلة ومقصد اسمي وهو خشية الله سبحانه والخوف منه. والانقياد لما شرعه. ولهذا قال الله سبحانه: "إنما يخشي الله من عباده العلماء".
وإذا كانت الآية تخبر عن أن الذين يعلمون يمكن أن يكون علمهم هذا طريقا إلي خشية الله وسببا إلي تلك الخشية. إلا أن الخبر فيها بمعني الطلب. كأن الله - عز وجل - يقول للعلماء: عليكم بخشية الله والخوف منه. أو الزموا خشية الله ولا تنحرفوا عن مسارها الصحيح.
ولو أن العلماء التزموا بما طلبه منهم ربهم. لأصلحوا أنفسهم. ولأصلحوا الكون من حولهم. لأنهم ورثة الأنبياء في الفضل والهداية والدعوة إلي الخير والرضاء والحق والفضيلة. وقد اختص الله الأنبياء بالصلاح في أنفسهم وجعلهم منارات وأسباباً لإصلاح من حولهم. ولو أن الخشية من الله قد تحققت لتغيرت أحوال الناس والكون والحياة.
وإذا كان المتعلم لا يستطيع أن يصل بعلمه إلي المنصب الذي ينشده أو المركز الذي يتطلع إليه. فحسب أنه قد حصل العلم الذي يستطيع أن يكون به كريما وقادراً علي التفكير الصحيح والتصرف القويم الذي يجعل منه قدوة. ويجعل الناس يألفونه ويقبلون عليه ويتعاملون معه. ولهذا فإن أثر العلم علي شخص المتعلم يمكن أن يكون عوضا له عن أكبر الوظائف. وأعلي المناصب. وربما وصلت حاجة الناس إليهم وتعلقهم به إلي درجة أشد من حاجتهم إلي ذوي السلطات والوظائف. بل وربما استطاع أن يحقق من الدخل والثراء ما لايستطيع الموظفون أن يحققوه. وقد وقع في الحياة الكثير مما يؤكد هذا ويدل عليه.
ولهذا فإن الاقبال علي العلم ينبغي أن يكون مطلوبا لذاته كحق من حقوق الإنسان التي يحتاج إليها لتكوين ذاته وتقويمه شخصيته والوصول به إلي مرتبة الكرامة الإنسانية التي اثبتها الله للإنسان وكلما انتهي عام دراسي وأصبح الناس في شغل بنتائج امتحاناته يتعين احياء هذه المفاهيم في حياتهم حتي لا يكون طلب العلم مرهونا بالوظائف فيضيع بضياعها.
مواقع النشر (المفضلة)