الوقبى في القديم والوقباء في الحديث
لوقبى: بفتح أوله وثانيه، والباء موحدة، بوزن جمزى، وشبكى، والوقب قد فسر في الذي قبله ونزيد ههنا: الوقب الرجل الأحمق وجمعه أوقاب، والأوقاب: الكوي، والوقب: دخول الشيء في الشيء قال السكوني: الوقبى ماء لبني مالك بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم لهم به حصن وكانت لهم به وقائع مشهورة وفيه يقول قائلهم:
يا وقبى كم فيك من قتيل
قد مات أو ذي رمق قليل
وشجة تسيل بالبتيل!
وهي، أعني الوقبى، على طريق المدينة من البصرة يخرج منها الى مياه يقال لها القيصومة وقنة وحومانة الدراج، قال: والوقبى من الضجوع على ثلاثة أميال، والضجوع من السلمان على ثلاثة أميال، وكان للعرب بها أيام بين مازن وبكر، قال أبو الغول الطهوي إسلامي:
فدت نفسي وما ملكت يميني
فوارس صدقت فيهم ظنوني
فوارس لا يملون المنايا،
إذا دارت رحى الحرب الزبون
هم منعوا حمى الوقبى بضرب
يؤلف بين أشتات المنون
عندما كنت ابحث عن حومة والحومانة في اغلب المراجع الادبية توقفت عند هذا النص السالف في معجم البلدان وهو يذكر اسماء اماكن على مقربة من حومة، وكما هو واضح في النص الوقبى وهناك عندنا الضجوع والسلمان والقيصومة وقنه.
اولا - نبدأ: بقنه، فقد اوردها البكري في معجمه معجم ما استعجم يقول الجزء الثالث صفحة 109، القنة: يضم اوله وتشديد ثانيه لا تنصرف، موضع في ديار بني تميم، وقال رؤبة الشاعر:
تربعت من قنه الخرطوما
ثانيا - الضجوع: يقول الازهري في كتابه 'التهذيب' الجزء الاول صفحة 336، الضجوع موضع وهو يعلق على تحليل كلمة ضجوع.
ثالثا - السلمان وهي اشهر من ان تذكر حيث تعرف بنقرة السلمان في الجزء المثلث لمواطن الظفير التي دخلت في ارض العراق.
رابعا - القيصومة وهي المكان المعروف على خط التابلاين في المملكة العربية السعودية قرب حفر الباطن، وكانت منهل وركيه وآبار ماء في القديم.
خامسا - الوقبى: وهذا هو مربط الفرس الذي اوردت اكثر كتب الادب بان الوقبي على مقربة من 'حومان' وحومان كنا قد تحدثنا عنها سابقا وهي حومانة الدراج وعلى هذا الأساس فإنك عندما تعبر من نجد قاصدا الى شرقي الجزيرة العربية كاظم والعراق فلا بد أن تمر بهذا الممر الطريق (القيصومة - الرقعي - حومه الحومان - مطربة - نقرة السلمان - حتى سفوان) وهنا نرى الاحداث التي دارت رحاها في هذه المناطق.
وهنا أنقل ما أورده عبدالله البكري الأندلسي في كتابه معجم ما استعجم الجزء الرابع صفحة (1381) لأضع القارئ الكريم في الصورة يقول:
(الوقبى) بفتح أوله، وإسكان ثانيه بعده باء معجمة بواحدة، مقصور، قال ابن دريد: وقد يمد هكذا ذكره بإسكان ثانيه، وأنشد:
أقول لناقتي عجلى وحنت
إلى الوقبى ونحن على جراد
وكان ابن الأنباري يقول: الوقبى، بتحريك القاف، مقصورة لا تمد، قال أبوعبيدة: كانت الوقبى لبكر على إياد الدهر، فغلبهم عليها بنو مازن، بعون عبدالله بن عامر صاحب البصرة لهم، فهي بأيدي بني مازن الى اليوم، وكان بين بني شيبان 'وبني مازن فيها حرب، ويعرف بيوم الوقبى، قتل فيه جماعة من بني شيبان' والشاهد لابن الأنباري قول أبي محمد الفقعسي:
فالحزم حزم الوقبى فذا الحصر
بحيث يلقى راكس سلع الستر
لا يصح وزن الشطر إلا بتحريك القاف.
امام هذا النص السالف وحتى تستقيم لنا الاحداث والتصورات يجب ان نعلم ان قبيلة بكر بن وائل كانت السباقة للوصول الى شرقي الجزيرة العربية، خصوصا كاظم والذي يدلك على ذلك تواجدهم في 'الضبيعة الصناعية' اليوم المنسوبة الى بني ضبيعة وأم قصبة القصبية التي كان يسكن فيها بعض من قوم قيس بن ثعلبة وكلهم من بكر بن وائل، وكان هناك فرع آخر منهم من بني شيبان كانت قبيلة تميم بفروعها في أواسط نجد وأخذت تزحف خلف بكر حتى أخذت تلتقي بها على سفوح هذه المناطق التي ذكرتها آنفا.
وحتى تكون الصورة واضحة لنشرح بعض هذه الفروع المتواجدة في الكويت المتحاربة:
أولا - بنو مازن وهم فرع من تميم وهو مازن بن مالك بن عمرو بن تميم وهم أشراف ولد عمرو بن تميم.
ثانيا - ذهل بن شيبان فرع من فروع بكر بن وائل وقلت في حديث سابق ان بني 'بل عنبر متواجدون في المنطقة المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية اليوم وكانوا هم من يرشد ابناء القبائل الاخرى للطريق ولنا في قصة العنبري الذي ضاع وتاه مع الفرزدق وكذلك حاكم البصرة عبدالله بن كريز الذي ضاع مع العنبري.
وهنا لنا قصة مع هذا العنبري الذي انشد حيث يقول:
لو كنت من مازن لم تستبح ابلي
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
اذا لقام بنصري معشر خشن
عند الحفيظة ان ذو لوثة لانا
قوم اذا الشر ابدى ناجذيه لهم
طاروا اليه زرافات ووحدانا
لا يسألون اخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا
لكن قومي وان كانوا ذوي عدد
ليسوا من الشر في شيء وان هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
ومن اساءة أهل السوء احسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته
سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوما اذا ركبوا
شدوا الاغارة فرسانا وركبانا
هذا العنبري كان عنده ابل ترعى في المنطقة ولما كان العنبري من تميم، وبنو مازن ابناء عمه لهذا اخذ يشيد بهم حين ان قوما من بني شيبان قاموا بنهب إبله وبعارينه، ولما كان استنجد بقومه وجماعته بني العنبر فلم يساعدوه خوفا من بني شيبان وحنقا عليه او تكاسلا، لكن بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم قاموا بالواجب فانقذوه واستردوه، ولهذا قال هذه القصيدة الجميلة
هذه 'الوقبى' التي نحن بصدد الحديث عنها والتي تدور الاحداث فيها لم يتركها أبو الفول الطهوي من دون ذكر، وهو شاعر ظهر في العصر الاسلامي من قوم الطهويين يقال لهم بنو عبد شمس بن أبي سود ويكنى أبي البلاد راجع في ذلك شرح حماسة ابي تمام للأعلم الشنتمري تحقيق د. علي حمدون من صفحات 357 حتى .365
فدت نفسي وما ملكت يميني
فوارس صدقوا فيهم ظنوني
فوارس لا يملون المنايا
اذا دارت رحى الحرب الزبون
ولا يجزون من حسن بسيئ
ولا يجزون من غلظ بلين
ولا تبلى بسالتهم، وان هم
صلوا بالحرب حينا بعد حين
هم منعوا حمى الوقبى بضرب
يؤلف بين اشتات المنون
فنكب عنهم درء الاعادي
وداووا بالجنون من الجنون
ولا يرعون اكناف الهوينا
اذا حلوا، ولا ارض الهدون
وهنا يشيد ابو الفول الطهوي في بهذه (الوقبى) والدفاع عنها كأنها اليوم حيث يكون الحاكم او المسؤول بعض المناطق تسمى 'حمى' مناطق رعوية لا ترعى فيها الا ابله فقط وتجري الاحداث والصراع على اشده على موارد المياه بين الفينة والفينة وهذه مرة على سفوح المنطقة الشمالية في حدود الكويت حيث تدور المعركة والقتال بين بني شيبان من بكر بن وائل وبني مازن من تميم بين (سفى وسفوان) ويقول هنا الوداك بن ثميل المازني.
رويدا بني شيبان بعض وعيدكم
تلاقوا غدا خيلي على سفوان
تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى
اذا ما غدتا في المأزق المتداني
عليها الكماة الغر من آل مازن
أولات طعان عند كل طعان
تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم
على ما جنت فيهم يد الحدثان
مقاديم وصالون في الحرب خطوهم
بكل رقيق الشفرتين يماني
اذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم
لأية حرب أو لأي مكان
بعد ان قمنا بهذه الاطلالة على الوقبى في التاريخ القديم ومسرح الاحداث وارتباطها بكثير من المواقع والاماكن في الكويت وتاريخها، وعندما نريد ان نتحدث عن الاحداث في الكويت القديمة فلابد ان نتحدث عن هذه الوقبى لتكون الصورة واضحة أمامنا.
ونلاحظ ان موارد المياه كانت معروفة منذ القدم، لكن يجب علينا ان نجلي هذه الوقبى في التاريخ الجديد ونقول اين الوقبى اليوم؟
بعد رجوعي الى كثير من ا لمراجع الحديثة لا اجد امامي الا سكان المنطقة في العصر الحديث فتوجهت الى هذه القبائل الآهلة فيها فوجدت اقربهم قبيلة الظفير، القبيلة العربية الكبيرة، والمعروف ان قبيلة الظفير هم ابناء عم قبيلة شمر حيث ان جدهم واحد وهو طي.
ولما كانت شمر تسكن في اجا وسلمى وحائل، والظفير في اواسط نجد حالهم حال بني حنيفة وتميم وحرب سكان نجد القدامى فإن التطورات الاجتماعية والمجاعة التي حلت بالجزيرة العربية دفعت قبائل كثيرة للتوجه الى الشمال، منهم شمر الى الموصل، وعنزة الى العراق وسوريا والاردن، والظفير الى المثلث بين الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية وتجاوروا قرب قبيلة المنتفق.
كان الدكتور المستشرق (بروس انفام) من جامعة لندن اعد بحثا لدراسة كتاب قام بترجمته الفاضل عطية عبدالكريم الظفيري واحسن بذلك، وقد استخلصت منه قصة الآبار الطوال التي تملكها قبيلة الظفير ومن ضمنها الوقبى، وهنا اضع للقارئ الكريم هذا الملخص حول ذلك في العصر الحديث بقول.
ج - الطوال: وهي مجموعة آبار على اعماق سحيقة شمال غربي حفر الباطن واهمها: الوقباء، ونصاب، والجليدة، والرخيمية، والدليمية، وبعض الآبار المماثلة في الشمال منها. وهناك عدد آخر من الآبار يوجد غربي المنطقة والتي ليست بالسهولة تحديدها الى اي منطقة تتبع، وقد تم توضيحها بالخريطة المرفقة.
هذه الآبار واماكن تجمع المياه تختلف من حيث نوعية وكمية المياه المنتجة، ومعظم الآبار المذكورة اعلاه تحتوي على اكثر من بئر، اي مجموعة آبار. بئر كابده، على سبيل المثال، تحتوي على خمس وعشرين بئرا، بينما بعضها بئر مفردة، ومن الآبار التي شاهدتها الوقباء والدليمية فقط.
وتقع الوقباء في مسطح منبسط في منطقة كثبانية تحتوي على اربع آبار عميقة جدا. وحول فوهة البئر متراس (نثيلة) من الحجارة والصخور يجعلها مرتفعة عن المسطح الارضي. ويستخرج الماء منها بوساطة الجمال التي تربط بحبال طويلة تتدلى في نهايتها الدلاء (جمع دلو)، وعند استخراج الماء من البئر يتم تفريغه او سكبه في احواض قروه (جمع قرو) تبعد بضعة امتار عن فوهة البئر، وعادة يوجد حول كل بئر اربعة احواض، وحول متراس البئر مسطح منبسط وهذا الانبساط يساعد في تواجد اعداد كبيرة من القطعان حول البئر، ووجود المتراس (النثيلة)، يمنع الاكتظاظ والازدحام حول فوهة البئر ويحميها من التخريب. الدليمية، من ناحية اخرى تحتوي على بئرين في منطقة منخفضة نسبيا ويكتنف سطحها صخور حجرية.
اخيرا، و حتى لا نطيل في هذه الوقبى في القديم والوقباء في العصر الحديث والتي كانت معركة فيها دار رحاها في 1830 - 1246 بين الامام تركي بن سعود وبني حسين من الظفير في الوقباء قرب حفر الباطن، وذلك ليدخل رعيته في طاعته.
هذه الوقباء التي نسيها التاريخ الحديث والتي تعد من الآثار التاريخية، سجل لها التاريخ بصمات وكلمات.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حبيبتي حطمتني
مواقع النشر (المفضلة)