الطعام وآدابه
خلق الله عز وجل الأرض وما عليها من خيرات وطيبات لينعم بها الإنسان، ويتذكر دوما نعم الله عليه ويراعي تعاليم دينه في التصرف مع ما يتعلق بها، والطعام احدى هذه النعم التي وهبها عز وجل لعباده، وهو نعمة إلهية كبرى ورد ذكرها في العديد من المواضع في كتابه العزيز.. ومنها ما جاء في سورة عبس “أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم”.
الطعام إذن هو رزق من عند الله يساعد الإنسان على الاستمرار والبقاء والاحتفاظ بصحة جيدة غير أن هناك نقطة لا يجب الاستهانة بها تتعلق بمراعاة الله في التعامل مع هذا الرزق وبما لا يخالف تعاليم ديننا الاسلامى، فالطعام ليس مجرد التهام لما لذ وطاب وبكميات كبيرة بشكل يتخم المعدة ويحول الإنسان إلى ما يشبه الأنعام التي تأكل بغير توقف، ولكن الطعام يجب أن يكون هنيئا مريئا يتلذذ الإنسان به عند تناوله ويحقق له الفائدة مستقبلا في الحفاظ على الصحة.
وكما أن هناك آدابا عامة يحثنا عليها ديننا الاسلامي يجب علينا مراعاتها في مجمل سلوكياتنا فإن الطعام أيضا له آداب حضنا عليها رسولنا الكريم في كثير من المواقف ومنها عدم الإقبال بشراهة على التهام الطعام وان العبرة ليست بتنوعه وكثرته بل الأمر على خلاف ذلك لأن المعدة هي شر وعاء يجب أن يحرص الإنسان على عدم ملئه، لما في ذلك من آثار سلبية صحية واجتماعية.. يقول صلى الله عليه وسلم (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
وفي واقع حياتنا نواجه نماذج تباعدت تماما عن هذه المفاهيم وأصبح الطعام وكأنه الهم الأول والأخير لهؤلاء، فإذا جاعوا لا يستطيعون السيطرة على أعصابهم ولا تهدأ ثورتهم إلا إذا أتخموا معدتهم بكل ما طالته أيديهم من أنواع الطعام الشتى، لا يعطون لأنفسهم فرصة لالتقاط الأنفاس قبل أن ينتهوا من مهمتهم المفضلة، وكم من مشكلات عائلية تدور في بعض الأسر ويكون السبب الاساسي فيها هو الطعام ومثل هؤلاء لا تتوافر لديهم قناعة الرضا فالإنسان يستطيع أن يكبح جماح الجوع ولو لبعض الوقت، كما انه يستطيع أن يجعل الطعام مجرد وسيلة لاستمرار الحياة وليس غاية في حد ذاته.
هذا لا يعني بالطبع ألا يتمتع المرء بما أنعم الله عليه من الطيبات والرزق ولكن يجب أن يتفق هذا التمتع مع ما يحثنا عليه ديننا الاسلامي من قناعة ورضا ومراعاة لحقوقه عز وجل.. يقول تعالى: “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون” الأعراف 32.
وفي الآداب الإسلامية يجب أن نبدأ بالتسمية في أول الطعام والحمد في آخره، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع يده في الطعام يقول: (بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار) وعند الانتهاء منه يقول: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)، والاجتماع على مائدة الطعام تتحقق به البركة، فالمرء عندما يأكل مع أهله وإخوانه يكون الطعام اهنأ بالاجتماع ويؤكد عليه الصلاة والسلام ذلك بقوله: (أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه أيدي المؤمنين) وقوله: (طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة).
والطعام صلة اجتماعية وتواصل وتقارب يتحقق عند الاجتماع عليه، فهو يقرب النفوس ويوطد الأواصر ويعمق الروابط ودائما ما يقال عن الرابطة القوية التي تربط الناس إنها علاقة خبز وملح، وهذه الرابطة يحثنا عليها ديننا الاسلامي ويدخل في إطارها إكرام الضيف وإطعام الجائع ومساعدة الفقير، كما أن إجابة الدعوة للطعام أمر مستحب، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو لصاحب الطعام فيقول (افطر عندكم الصائمون واكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة).
وعندما يذكر الطعام فإن هناك الكثير من السلوكيات المرتبطة به فإكرام الضيف والجود والكرم وإطعام الفقير والسخاء والعطاء كلها صفات تعكس نبل صاحبها وتؤكد عميق إيمانه بتعاليم دينه، كما أن تعففه وقناعته عند تناول الطعام يعكسان مدى الرضا بما رزق الله.
مواقع النشر (المفضلة)