الطيبة كلمة لها أشكال وألوان، خصائص وصفات وأفعال وأقوال، البعض يستخدمها بغرض الخير والبعض الآخر يستخدمها بغرض الشر، البعض يستخدمها لأنها فطرة من الله، والبعض الآخر لأنها وسيلة لكسب المصلحة؛ أي بمعنى يستفاد منه، البعض يظن أنها صفة الضعفاء والبعض يظنها واجباً على كل مسلم أن يتصف بهذه الصفة.
لاحظت في الآونة الأخيرة أن معظم الناس لا يتصفون بها ولا يكترثون لها، بل يقولون عنها إنها صفة الضعفاء.
أنا لا أدعو أن نكون سذجاً، فثمة خيط رفيع بين الطيبة والسذاجة.
فالطيبة تعني نقاء النيَّة وصفاء السجيَّة والعفوية والتلقائية، أما السذاجة فتشير إلى الغباء والوقوع صيداً سهلاً للخداع والمكر والكيد. والصراع بين الخير والشر والفضيلة والرذيلة صراع أزلي لا نهاية له حتى يوم القيامة.
اعلم أيَّها القارئ أنه إذا كان هناك نوع من البشر طيبين بالفطرة فإن هناك نوع آخر من البشر غلبت عليهم نزعة الشر وتملَّكتهم حتى بدؤوا يسخرون من الطيبة ويصفونها بالغباء والعجز والضعف والمهانة.
إن ما بين الطيبة والسذاجة هناك الكثير من التأملات والحكايات والخبرات والأفكار كل يرى فيها تجربته وخبراته وخيبته وتفاؤله وتشاؤمه. وتظل الحياة هي الحياة بتناقضها وازدواجيتها وغرابتها، ويظل الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان يبحث في النهاية عن قلب عطوف وصدر حنون وعيون محبة تبصر في الأعماق.
إن القلب هو الكنز الذي لا يقرؤه إلا مَن يملكه وإن راحة الضمير أنوار تتلألأ في الغلس وينابيع متفجِّرة في الصحارى وكنوز داخل البيوت المهجورة؛ لذا كانت الطيبة كالكنز يجعل من صاحبه دليلاً لكل الحائرين والتائهين بين زحام القلوب، وكالنور الذي يهرب إليه الجميع من الظلام والوحشة، ولذا جاء في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخبر صحابته عن رجل سيدخل عليهم هو من أهل الجنة.. إنها بشارة بالجنة لرجل لا يزال يعيش على الأرض وبين الناس، وحينما حاول أحد الصحابة الكرام أن يعرف سر دخول هذا الصحابي الجنة وجد أنه الطيبة، فهو حينما يضع رأسه على الفراش لينام لا ينسى أن يشهد الله أنه قد عفا عن كل من ظلمه وغدر به واغتابه لا لشيء إلا طلباً لرضا الله وعفوه ورحمته.
وأيضاً قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه (... ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
إذاً فهل فكرت يوماً في أبعاد أن تكون طيِّب القلب؟ هل تأملت ماذا يمكن أن يحدث لك وللعالم من حولك حينما تكون في غاية الطيبة والمودة.. مرهف الحس.
أخيراً: أيها القارئ اعلم جيداً أنه من المؤلم أن يكون المرء غبياً لكن الأكثر إيلاماً أن يتغابى عليك الآخرون، واعلم أيضاً أنه من الصعب جداً على المرء أن يسير بمحاذاة النهر ويكتشف أن اليد التي احتضنت دفء كفه منذ برهة هي ذاتها اليد التي دفعته بلا رحمة في النهر.
لكن الأصعب من ذلك أن نفقد القدرة على الحب وعلى المزيد من الطيبة وأن نغلق أبواب القلب والنفس بالخوف والتوجس والحذر والشك؛ لأننا اكتشفنا ذات لحظة موجعة ومفجعة أن طيبتنا تحوَّلت في يد الآخرين إلى جواز مرور لنكون ضحية لغدرهم ومكرهم فنشعر كم كانت طيبتنا سذاجة وبراءتنا غباء.
أخي القارئ إن ما أود أعرفه لماذا يستغل أصحاب القلوب الضعيفة طيبتنا لإغراضهم الشخصية، لماذا لا يبادلون هذا الشعور بالمثل.
إذاً ما أود قوله إن الطيبة هي سلاح يستخدمه أصحاب القلوب الخيِّرة لنشر المحبة والسلام والتراحم والتعاطف. ويستخدمه أصحاب القلوب الضعيفة من أجل كسب مصلحة من مصالحه الشخصية؟