نافس العمران القديم بصموده وشموخه المباني الحديثة، وبات يشكل لوحة فنية جمعت بين القديم والحديث، باختلاف مواد البناء التي استخدمت في البنيان، كما اختلفت السواعد التي شمّرت لبنائه ورسمت زخارفه، وحفرت داخل جدرانه رفوفاً لحفظ المقتنيات بشكل يوحي بدقة الهندسة واحترافها، فعلى الرغم من أن المنزل القديم بني من “مدر” أي الطين وبانت منه في بعض أجزائه قواقع المحار التي ساندت البناء بالوقوف ضد تعرية الزمن، إلا أنه تحمل حفر تلك الزوايا بكل خفة يد.

وبرهنت المواد الطبيعية الأصيلة قوتها وصلابتها فعلى الرغم من مرور أكثر من مائة سنة على هذا المنزل الشامخ الذي يتربع على أرض شاسعة في منطقة المعيريض في رأس الخيمة على طابقين إلا أنه برهن واختزل صلابة كل ما هو قديم بثباته وصموده.

وساند صمود المدر في المنازل القديمة، حطب “الجندل” الذي جلب من افريقيا خصيصاً للبناء وعرف الأجداد مدى صلابته وتحمله عوامل الطبيعة القاهرة حيث أسند إليه دور حمل أسقف الغرف والأبواب حيث يوضع عليه “المنقور”، وهو عبارة عن حصير مصنوع من سعف شجرة تشبه سعف النخيل بالشكل وتختلف عنها بعرضها وسماكتها ويجلب من البصرة في العراق، ويفيد ناصر الكاس المهتم بالتراث، وأحد المحافظين عليه بأن المنقور يبقى لسنوات طويلة دون تأثر بعوامل الزمن ويتميز بسمكه وعرضه مقارنة بسعف النخيل.

كان الأهالي قديماً يختارون كل مادة خام أسهمت في البناء بعناية فائقة، فكل مادة تجلب خصيصاً من مناطق مختلفة، فالحصى الذي يحل محل الطابوق الحالي يرص بطريقة مائلة نسبياً ويجلب من جزيرة طنب الكبرى ويعتبر من أجود أنواع الحصى بملمسه الناعم وأشكاله المتشابهة كما تجلب صخور مسطحة تسمى “صرافة” من خور أم القيوين، فيما يبنى الجدار قديماً بطرق مختلفة، فإما أن يستخدم من “اللبن” فقط أي تلك القوالب من المدر او يستخدم الحصى مع المدر. ويشير الى أن الأبواب قديماً تصنع محلياً وتزخرف بطرق هندسية بارعة بعد ان يجلب حطب “الساي” خصيصاً لأبواب المنازل.