يد واحدة لا تصفق، هكذا يقال دائما عندما يستدعي الامر الحديث عن التعاون في انجاز الامور، ففى الاتحاد قوة فضلا عن سرعة الانتهاء من أي عمل في اقل وقت ممكن.

الانسان كما خلقه الله عز وجل يميل دوما الى طبيعته ككائن اجتماعي يشعر بالوحدة والعزلة اذا ما ابتعد عن الناس او ابتعدوا عنه وبالتالي فهو يحاول الاجتماع معهم والالتقاء بهم لقضاء مصالحه، فعلى مستوى المجتمع هناك توزيع للادوار، وكل يؤدي عمله في منظومة متكاملة تسودها روح الفريق، وبالتالي لا يستقيم عمل ما من دون تبادل الادوار حتى نصل الى الهدف المقصود.

ليس ذلك فحسب ولكن الانسان ايضا يحتاج الى التواصل مع من حوله على المستوى المعنوي، فالتآلف والمودة والمحبة كلها امور تحفز الانسان وتدفعه لبذل مزيد من الجهد والتعامل مع الحياة على نحو متفائل.

واذا كان التعاون على المستوى العام هو امر في غاية الاهمية وبناء عليه يتوقف حال المجتمع تقدما او تأخرا، نهضة او تخلفا، فإنه على المستوى الخاص يشكل العصب الذي على أساسه تقوى علاقة الافراد بعضهم ببعض وتتعمق الاواصر وصولا الى حالة الجسد الواحد التي شبه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاقة بين المسلمين، وهي العلاقة التي وصفها عليه الصلاة والسلام في موضع آخر (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك عليه الصلاة والسلام بين اصابعه).

روح التعاون اذن هي صفة يجب ان تسيطر على سلوك كل مسلم، وهي صفة اساسا تنبع من ايمان بتعاليمه عز وجل، فالانسان المؤمن بربه حقا هو من يسعي دوما الى تقديم المساعدة لكل محتاج ولا يألو جهدا حتى يتحقق الخير المرجو، وهو في الوقت نفسه يشعر بمسؤولية كبيرة تجاه الآخرين، فيحاول قدر استطاعته التواجد مع اي شخص يمر بأزمة واحاطته بالرعاية والاهتمام المادي والمعنوي حتى وان كانت ظروفه المادية غير مواتية فهو يؤثر الآخر على نفسه ولا يبخل بشيء، كما ان مجرد الدعم المعنوي يترك أثرا بالغا في نفوس الناس، وهناك الكثير من المواقف والأزمات التي تمر ويبقى فيها دعم الناس للمصاب هو العنوان الابرز الذي لا يمحوه غبار السنين.

مثل هؤلاء هم الأنموذج الامثل الذي يجب ان يحتذى به وهم خير مثال للمسلم الحق وبهم يستمر المجتمع قويا متماسكا، وهم بلا منازع يمثلون قوة دفع هائلة لصلاح امور المسلمين، فرسولنا الكريم يقول: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه”.

وعلى الجانب الآخر فإن الفرقة تولد البغضاء والكراهية وتهدم ولا تبني، فالخلافات والمنازعات تقضي على روح التعاون والتآزر، كما ان السعي وراء تحقيق الأغراض الشخصية فقط من دون الالتفات الى حقوق الآخرين يسهم بشكل كبير في تفشي الانانية وحب الذات، وبالتالي فان القيم الفردية لا يتبعها الا التفكك والتشرذم وهو ما ينهى عنه عز وجل، يقول تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا” (آل عمران - 103)

التعاون ايضا يجب ان يمتد الى العلاقة بين الزوجين ليس فقط على مستوى انجاز الامور الحياتية ولكن على مستوى الامور الدينية ايضا، وهناك الكثير من النماذج الرائعة التي كانت بارزة في بيوت السلف الصالح والتي كان يسودها روح التعاون بين الزوجين في القيام بأداء العبادات والحث على البر والتقوى.