القنوات الفضائية الغنائية العربية، تعمل بلا توقف، لا تكل ولا تمل، ولا يهدأ لها بال ولا تقر لها عين، ولا يسكت لها صوت، حتى تحتجب الأنجم العنيدة وتنغرس في خاصرة السماء، تصل الليل بالنهار، وبداية الأسبوع بنهايته، ولا ينفد رصيدها من الطرب والرقص والموسيقى، وهذا شأنها لا اعتراض لنا عليه طالما أنها اختارت ذلك، وأن المشاهد هو الحكم والفيصل، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو أليس لهذا الطرب والرقص من نهاية، ومحطة معينة ولحظة هدوء - لالتقاط الأنفاس على الأقل؟ - أليس هناك ظروف قد تطرأ وتعيد ترتيب الأولويات الإعلامية؟ أم أن هذه القنوات تعمل بلا أولويات وأفضليات؟ فالمتابع لتلك القنوات يلاحظ أنها لا تفرِّق بين الصيف والشتاء, ورمضان وشعبان، وقت السلم ووقت الحرب، بل كل الأوقات لديها للرقص والطرب، وتمايل الأجساد، وهزّ الأوساط.
إنها بحق كارثة إعلامية محسوبة على المهنة، وعلى الإعلام العربي، فإذ كانت هناك أوقات يقتنع البعض بأنهم بحاجة لسماع الفن والطرب خلالها، فلا شك أن أوقاتاً أخرى لا تناسب هذا اللون من الإعلام نهائياً، فلك أن تتصور مشهداً لعشرات الجثث يتم إنقاذها من تحت الأنقاض تعرضه قناة تلفزيونية، وعلى شاشة قناة أخرى، تشاهد منظراً للرقص المايع والطرب الماجن، إنها مفارقات إعلامية مخزية حقاً، فإذا أجازت تلك القنوات لنفسها ذلك المسلك في الظروف العادية فإن من الحكمة أن تراعي مشاعر المشاهدين أوقات النكبات والمحن، لأن المشاهد في المقام الأول هو إنسان وهو مشاعر وأحاسيس، ووجدان فكيف له أن يستمتع بالرقص على أنغام أنّات الجرحى وبكاء الأرامل والأيتام، وأنهار الدم التي تسيل من تحت ركام البنايات المنهارة وجثث الموتى المتناثرة؟
متى تستيقظ هذه الفضائيات من سباتها العميق، وتفيق من غيبوبتها التي لازمتها وجعلتها تبيع الرقص وتسوِّق الغناء والطرب حتى في زمن الحزن والجراح لكي تفرِّق بين موسم الطرب، ومواسم الحزن والبكاء؟ المسألة قطعاً بحاجة إلى يقظة ضمير، وصحوة عقل، واحترام لعقول ومشاعر المشاهدين والمتابعين الذين يتأثرون بما يجري ويحسون طعم الألم.