مبدع السموات
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الصافات: “إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ. لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الملأ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الخطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ” (الآيات: من 6 10).
يوضح الحق سبحانه وتعالى في الآيات بعض مظاهر قدرته في خلقه لهذه السموات، وكيف انه سبحانه قد زين السماء الدنيا بالكواكب، وحفظها من تسلل أي شيطان إليها.
فقوله عز وجل “زينا” من التزين بمعنى التحسين والتجميل، والمراد بالسماء الدنيا: السماء الأقرب إلى الأرض.
والكواكب: جمع كوكب وهو النجم الذي يرى في السماء.
منظر يشرح الصدور
ومعنى الآية الأولى: إنا بقدرتنا وفضلنا زينا السماء التي ترونها بأعينكم أيها الناس بالكواكب، فجعلناها مضيئة بحيث تهتدون بها في مسيركم من مكان إلى مكان، كما قال تعالى في آية أخرى: “ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين”.
ولاشك أن منظر السماء وهي مليئة بالنجوم يشرح الصدور، ويؤنس النفوس، وخصوصا للسائرين في فجاج الأرض، أو ظلمات البحر.
وقوله سبحانه: “وحفظا من كل شيطان مارد” بيان لما أحاط به سبحانه السماء الدنيا من حفظ ورعاية.
والمراد بالشيطان: كل متمرد من الجن والإنس والدواب، لكن المراد به المتمرد من الجن.
والمارد: شديد العتو والخروج عن طاعة الله تعالى، المتجرد من كل خير.
أي جعلنا السماء الدنيا مزينة بالكواكب وضيائها وجعلناها كذلك محفوظة من كل شيطان متجرد من الخير، خارج عن طاعتنا ورحمتنا.
وقول سبحانه: “لا يسَّمَّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب. دُحورا ولهم عذاب واصب” جملة مستأنفة لبيان حالهم عند حفظ السماء، وبيان كيفية الحفظ، وما يصيبهم من عذاب وهلاك إذا ما حاولوا استراق السمع منها.
الملائكة والشياطين
والملأ في الأصل: الجماعة يجتمعون على الأمر فيملأون النفوس هيبة، والمراد بالملأ الأعلى هنا: الملائكة الذين يسكنون السماء، وسموا بذلك لشرفهم ولأنهم في جهة العلو بخلاف غيرهم فإنهم يسكنون الأرض.
وقوله: “ويقذفون”: من القذف، بمعنى الرجم والرمي أي يقذفون لأجل الدحور، وهو الطرد والإبعاد، والواصب: الدائم، من الوصوب بمعنى الدوام.
والمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بنور الكواكب وحفظناها بقدرتنا ورعايتنا من كل شيطان متجرد من الخير، فإن هذا الشيطان وأمثاله كلما حاولوا الاستماع إلى الملائكة في السماء لم تمكنهم من ذلك، بل قذفناهم ورجمناهم بالشهب والنيران من كل جانب من جوانب السماء، من أجل أن ندمرهم ونطردهم ونبعدهم عنها، ولهم منا فوق كل ذلك عذاب دائم ثابت لا نهاية له.
والخطف: الأخذ للشيء بسرعة وخفية واختلاس وغفلة من المأخوذ منه.
أي: لا يسمع الشياطين إلى الملأ الأعلى إلا الشيطان الذي خطف الخطفة من كلام الملائكة بسرعة وخفة، فيما يتفاوضون فيه من أحوال البشر دون ما يتعلق بالوحي فإنه في هذه الحالة يتبع هذا الشيطان ويلحقه “شهاب ثاقب” أي شعلة من النار تثقب الجو بضوئها فتهلكه وتحرقه وتثقبه وتمزقه.
وشبيه بهذه الآية قوله تعالى: “وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا”.
ومما يدل على أن استراقهم السمع واختطافهم للخطفة إنما يكون في غير الوحي قوله تعالى: “إنهم عن السمع لمعزولون”.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للشياطين مقاعد في السماء، فكانوا يستمعون الوحي، وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا تُرمى، فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض، فزادوا في الكلمة تسعا، فلما بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جعل الشيطان إذا قعد مقعده، جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه.
مواقع النشر (المفضلة)