للنساء حق في الصلاة في صحن الطواف مثل الرجال
يقرر الإسلام أهلية المرأة للتدين، وتلقي التكاليف الشرعية والدينية بنص من القرآن والسنة، فالمرأة حملت أمانة الاستخلاف مع الرجل، فهي مكلفة مثله تماماً، وقد ساوى الله بينها، وبين الرجل في التكاليف والفرائض والعبادات، وفي القصاص والحدود والعقوبات والتعزيرات، كما ساوى بينها، وبينه في الأجر والثواب، ومن الآيات القرآنية التي توضح مساواة الرجال والنساء في التكليف بصورة عامة، قوله تعالى في الآية (35) من سورة الأحزاب : ( إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِمات والمُؤْمِنِين والمُؤْمِنات والقانتين والقانتَات والصَّادِقين والصَّادقات والصَّابِرين والصَّابِرات والخَاشِعين والخاشِعات والمُتصدِّقينَ والمُتَصَدِّقات والصَّائمِين والصَّائمات والحَافِظِين فُرَوجَهُمْ والحَافِظات والذِّاكِرين الله كثيراً والذَّاكِرات أعدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرَاً عَظِيمَاً).
فقد ساوى الله عزَّ وجل بين الرجال والنساء في الصفات الإيمانية ،والنتائج المترتبة عليها، كما ساوى بينهما في الفرائض والعبادات، وكانت الصحابيات الجليلات يذهبن إلى المسجد، ويصلين الصلوات المفروضة و الاعياد والكسوف والجنازة.
فالصلاة مفروضة على المرأة مثلها مثل الرجل تماماً لعموم قوله تعالى : ( إنَّ الصلاةَ كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) والمرأة مكلفة بآداء الصلوات الخمس، ولم تسقط عنها لكونها أنثى، ولكن تسقط عنها فقط في فترتي الحيض والنفاس في حالة نزول الدم، وإن توقف الدم بعد النفاس ولو بثلاثة أيام فعليها أن تتطهر وتصلي، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن منع النساء من الصلاة في المساجد فقال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) ولهذا كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رغم غيرته على زوجته من خروجها في الليل إلى المسجد لأداء صلاتي العشاء والفجر، ولكنه لم يستطع منعها. ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر : ( كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها لمَ تخرجين، وقد تعلمين أنَّ عمر يكره ذلك، ويغار؟ قالت : ما يمنعه ينهاني؟ قال : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ).
وعندما رغب عمر رضي الله عنه إلى زوجته الانتهاء عن الذهاب إلى المسجد، قالت له : والله لا أنتهي حتى تنهاني، فقال لها : والله لا أنهاكِ .. فاستمرت تذهب إلى المسجد، فتحضر الجماعة حتى في الفجر والعشاء .. ولقد طُعن عمر في صلاة الفجر بالمسجد، وزوجته تصلي في صفوف النساء.
وبموجب هذه المساواة فللنساء حق في صحن الطواف مثل الرجال.
فهذه حقائق أرجو أن لا تغيب عن مسؤولي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولا تغيب أيضاً عن اللجنة المشكَّلة لدرس موقع مصلى النساء في صحن الطواف، وهي المساحة الخارجية للطواف حول الكعبة المشرفة.
ومع هذا نجد تمييزاً للرجل عن النساء في الصلاة في صحن الطواف، فالصحن كله للرجال باستثناء (630 ) متراً المخصصة للنساء، وبدلاً من أن توصي اللجنة المكلفة لدرس موقع مصلى النساء في صحن الطواف بإعطاء النساء مساحتيْن أخريين من الصحن على الأقل من الأبواب الرئيسية بالإضافة إلى الشرفتين الواقعتيْن بين باب الفتح، وباب الندوة، والثاني بين باب المدينة، وباب الحديبية، مع إبقاء المساحة الحالية للنساء، نجدها تحرم النساء من الصلاة في صحن الطواف ليكون بأكمله للرجال، وأود هنا أن أصحح للبعض مفهوماً خاطئاً، وهو أنَّ صلاة الرجال خلف النساء في الصلوات المفروضة لا يفسد صلاتهم كما قد يعتقد البعض، فقد وورد في المدونة الكبرى : قال ابن القاسم : « سألتُ مالكاً عن قوم أتوا المسجد، فوجدوا الرحبة - رحبة المسجد - قد امتلأت من النساء، وقد امتلأ المسجد من الرجال فصلى الرجال خلف النساء بصلاة الإمام؟ قال: (صلاتهم تامة ولا يُعيدون ).
أيضاً هناك نقطة هامة يجدر وضعها في الاعتبار، وهي وضع حواجز عالية بين صفوف الرجال والنساء، وبلا فرج، فهذه تحول دون متابعة النساء للإمام، وتحول أيضاً دون رؤيتنا للكعبة المشرفة، إلاَّ ونحن واقفات، مع أنَّ زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم توضع تلك الحواجز، والأحاديث النبوية الشريفة كلها تبيِّن لنا أنَّ صفوف النساء كانت تلي صفوف الرجال دون وضع حواجز بينهما، فراوية الحديث تروي لنا كيفية جلوس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومتى ابتسم، وحركات يديه، وهو يتكلم، ولو لم تره كيف كانت تصف حركاته؟
إنّ وجود جدر فاصلة بين مصليات الرجال والنساء تحول دون متابعتنا لصلاة الإمام، فإن سجد الإمام سجود سهو أو سجد سجود تلاوة لا نعرف، خاصة إن كان صوت الميكروفونات غير جيدة، ولا نسمع تلاوة الإمام، وكذلك إن كانت الصلاة غير جهرية، وهناك من المصلين ممن ليسوا على ثقافة دينية لا يميزون بين سجود السهو، وسجود التلاوة.
وقد ورد في المبسوط للسرخسي : ( وجود الحائط الكبير الذي ليس عليه فرجة بين المقتدي والإمام يمنع صحة الاقتداء).
والقول إنَّه بإمكان النساء يصلين في صحن الطواف ركعتي الطواف في الأوقات خارج الصلاة المكتوبة، ففيه مغالطة كبيرة؛ إذ لا يسمح لنا بذلك، لأنَّ الرجال ينتشرون في جميع أرجاء الصحن في كل الأوقات، ويُطلب من النساء الصلاة لركعتي الطواف في المصلى المخصص لهن لعدم الاختلاط بالرجال، ولم تخصص مساحات للنساء، ويطلب من الرجال عدم الجلوس فيها لأنَّها للنساء، وذلك لأنَّ القائمين على الحرم من واقع ما يحدث بالفعل من قبل التعليمات المعطاة للحراس والحارسات بالصحن لا يروْن أنَّ للنساء حقاً في صحن الطواف، وأنّ الحق للرجال فقط؛ لذا فقد كنتُ متوقعة أن يُحرم النساء من الصلاة في صحن الطواف، وأنَّه سيخصص لهن تلك الشُرفتيْن ،وبعد فترة سنجدهم سيستكثرون على النساء هاتيْن الشرفتيْن، فيعطونها للرجال، ويخصصون مصلى للنساء في الدور الثاني يطل على الكعبة، وبعدها قد يخصصون لنا مصلى في سطح الحرم يطل الكعبة!!
إنَّ ما تقرره اللجنة المشكلة ليس خاصاً بالمرأة السعودية، وإنَّما يتعلق بنساء الإسلام من جميع أقطار الأرض اللواتي يقطعن ألوف الأميال لأداء مناسك العُمرة والحج، وهن يطالبن بحقهن في الصلاة في صحن الطواف، وقد حدثني بعضهن في مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في استانبول في الشهر الماضي حول هذا الموضوع احتجاجاً منهن على صغر المساحة المعطاة للنساء في صحن الطواف وكلفنني بالمطالبة بمساحة أكبر كدليلة، وباعتباري إحدى الدليلات وممثلتهن لحج عام 1426هـ من قِبل وزارة الحج، فأنا أطالب أن يكون من المطوفات والدليلات عضوات في هذه اللجنة المشكلة لتخصيص مصليات للنساء في صحن الطواف، وأيضاً لتحديد مواقيت زيارة النساء في الروضة المشرفة في المسجد النبوي الشريف، وتحديد مساحة الروضة التي يُصلين فيها، فالمساحة المخصصة الآن للنساء في الروضة الشريفة لا تعد ضمن الروضة إلاَّ الصف الأول منها، وليس من المعقول أن يكون للرجال كامل الروضة كل الأوقات، ولا يكون للنساء سوى متر واحد منها في أوقات محدودة لا تتجاوز الست ساعات يومياً باستثناء يوم الجمعة، فلها ساعة واحدة فقط، فليس من حق الرجل أن يستأثر بكل شيء حتى في تحديد مصليات النساء في صحن الطواف، والمساحة التي تُخصص لهن في الروضة المطهرة، ومن حق المرأة أن يوجد من يمثلها في مثل هذه اللجان.
مواقع النشر (المفضلة)