“عن عُروة بن الجعد البارقي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل معقود بنواصيها الخير الى يوم القيامة: الأجر والمغنم” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام البخاري في باب الجهاد.

في هذا الحديث الشريف ربط المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخيل خيري الدنيا والآخرة ثم ذكر شيئين هما الأجر والمغنم، ولماذا الخيل بالذات دون سائر الأشياء؟ لأن العربي يألفها ويعرفها ولقد ذكر المولى في قرآنه العظيم فضلها فقال: “والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون” صدق الله العظيم.

لقد ذكر الحبيب المصطفى هذا الحديث عن الخيل لما يتحقق بوساطتها في الجهاد من الغنم العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة، ونرى ان الصورة ترتكز على الناصية (أعلى ما في الخيل)، وهي ترمز الى علو مقام الجهاد ومقام المسلمين عند ربهم وتشد البصر اليها، إلى مكانها في الرأس وهو أشرف الاعضاء كما أنها الجزء الذي يمثل المواجهة، ويتقدم من جسد الحيوان خلال مواجهة الاعداء في القتال، ولما كان رمز الكرامة، عند الإنسان في رأسه قال تعالى في وصف مهانة الكافر: “كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة” فعدل عن الجبهة تشبيهاً له بالحيوان.

لقطة قريبة



والملاحظ اننا أمام صورة قريبة في تركيزها على جزئية الناصية فهي تمثل لقطة قريبة تقترب فيها الصورة من الجسم بقصد تأكيد ناحية تفصيلية معينة وهي هنا الناصية كما يلاحظ ان التجانس الصوتي بين خير وخيل يمزجهما حتى يغدو الخير حركة محبوبة مجسمة مما يدل على نشاط الحياة عند المسلم، لأن الحديث يذكر بالجهاد بذكر وسيلة الحرب ويحث عليه مع تخليص المقصد الجديد من المقاصد الجاهلية كركوب الخيل بل ان التقارب الصوتي بين الخيل والخير يوحي بتماثل الطرفين، ويجعل صلاح المسلم كله في ركوب الخيل، وهكذا انتزع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم النص من الطبيعة وجعله كائناً ووسمه بالخيرية العامة ثم ذكر الأجر لينتقل به الى البعد الديني والخيرية الدينية وكان العربي يعنى بالخيل ويعطيها الأهمية الكبرى في اثناء الحروب لأنها موضع فخره واعتزازه وركيزة مهمة من ركائز ديمومة القبيلة، وظلت الخيل لدى العربي عدته في الحياة وذخيرته لوقت الشدة، فعليها يعتمد في الحرب ويستطيع ان ساعده الحظ بواسطة خيله ان يجلب لنفسه ثروة طائلة، بفضل ما يشنه من غارات، وما تدره عليه من غنائم، وفي وقت السلم يمكنه فرسه ان لم يكن قوته متيسرا ان يحصل على طعام شهي لذيذ عن طريق الصيد والقنص.

ولكن المقصد الجديد وهو إعلاء كلمة الله بالجهاد ونشر تعاليم الدين يسمو على هذه الرغائب الدنيوية الزائلة كفقاع الماء ويبدو التركيز على الخير بكلمة “معقود” فهو أمر مفروغ من عقده، كما توحي الصيغة الاسمية لاسم المفعول “معقود” وقد سكت عن الفاعل لهيبته وجلالته هنا ولصب الاهتمام البصري في حركة فعل العقد دون غيره، وهذه الكلمة تقدم تجسيماً للخير ثابتاً للبصر وفي شكل قوي بما يوحي به العقد الذي تشتق منه العقيدة بثباتها المذهل، فالصورة تشتمل على الثبات والقوة والظهور.

نفعنا الله بكل خير أعطاه لنا وجعله حجة لنا لا علينا.