نهى الله تعالى على لسان نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم فى الحديث القدسي عن السخط على الزمان لأن الله تعالى هو خالق الزمان وما يجرى فيه وما تتمخض عنه الأيام والليالى من مفاجآت وتصاريف للأمور وتغيرها إنما كل ذلك من تدبير العليم الخبير ومن لم يرض عن الزمن فهو غير راض عن القدر ومن سب الدهر فكأنما سب خالق الدهر وذلك معنى قوله فى الحديث القدسى ( أنا الدهر ) أى خالق الدهر ومدبر الكون ومحرك الفلك ومسخر كل شيء بأمرى وحكمتى ( لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون ) يس 40 وقد أكد وأيد هذا المعنى فى الحديث القدسي ( بيدي الليل والنهار ) فهما تحت قدرتي ويخضعان لجبروتى وعزتى ويتعاقبان بأمرى ورحمتى (( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )) القصص 71/72/73 وكذلك ما يجرى على ابن آدم فيهما إنما هو قضاء الله الذى لا مفر منه ولا محيص عنه .
إن الإنسان فى هذه الحياة رهن تصاريف القدر وكثيرا ما تأتى الأقدار على غير ما يرغب وما يتمنى وما يرجو وعندها يثور ويغضب ويسخط على الزمان ويسب الليالى والأيام ويلعنها حيث لم تعطه طلبه ولم تحقق أمله وهذا فعل الأحمق الذى لم يتبع سبيل الإيمان.
إن المؤمن الصادق الإيمان يوقن بأن الليل والنهار يتعاقبان بتقدير العزيز العليم وإن حركة الفلَك التى ينشأ منها الليل والنهار وتجرى فيهما على العباد أعاجيب القدر وكل ذلك بيد مدبر الكون وخالقه هذه عقيدة المؤمن الذى رسخ الإيمان فى قلبه وعم عقله وملأ عليه سمعه وبصره وفكره وحسه ، أما المتمردون على الأقدار الذين يسبون الزمان إنما هم فى الحقيقة معترضون على الفاعل المختار الذى لا يقع في ملكه إلا ما يريد ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه والذى لا يشاركه مشارك ولا ينازعه في إرادة ملكه منازع تعالى الله وتنزه عن الشريك والصاحبة والولد والوالد (( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد )) ليس للزمان من ذنب وليس للمكان من دخل حتى يلعنوه ويسبوه لما لحق بهم من مكروه وإنما هو من شؤم معاصيهم وضعف إيمانهم أملى عليهم هذا الجزع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره وما الليل والنهار إلا من جملة الكون المملوك لله عز وجل يسيرهما بحكمته وينفذ فيهما شأنه فيعز من يشاء ويذل من يشاء ويرفع أقواما ويخفض آخرين قال الله تعالى (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير * تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب )) سورة آل عمران 26 ـ 27
أخى القارئ الكريم لزاما على المؤمن العارف بربه المتمكن من دينه أن يقف عند حده ويسلم الأمر لمالكه ولا يسخط على الزمان بل عليه أن يصبر ويحتسب حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر يسرين والحمد لله على نعمه التى لا تحصى ولا تعد وهو سبحانه المالك للنفع والضر وهو على كل شيء قدير
والحقيقة أن الناس فى الدنيا كلهم تجار وإن اختلفت سلع تجارتهم وكل إنسان له أمله فى الحياة ويحبها من أجله والتجارة فى الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة ما لم تكن قائمة على حدود الله تعالى وتعاليم الدين الحنيف من أجل ذلك يعرض الحكيم الخبير على عباده خير تجارة فيقول (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )) الصف 10/11
إن الإنسان بالنسبة للزمن بين عمر مضى وعمر مستقبل وساعة حاضرة فما مضى من عمره قد انتهى وفات وما فات مات ولا سبيل إلى إرجاعه فلا ينبغى للمؤمن أن يفتح على نفسه أبواب الهموم والأحزان باستعراض هذا الماضي لأنه لا نتيجة له سوى السخط على الأقدار وإذا أراد الشيطان فتح هذا الطريق فعلى المؤمن إغلاق المنافذ كلها فى وجهه بأن يؤمن أن ما كان إنما هو من قضاء الله وقدره وأن يحمد الله على ما قد مضى وقدر وحكم ونفذ وأما ما يستقبله الإنسان من زمن فإنه يحب الحياة لأمل فى نفسه يرجو أن يحققه الله له فيه ومن أجل تحقيق ذلك عليه أن يتسلح بالعزم الأكيد والأخذ بالأسباب الموصلة إليه مع الاعتماد على الله والتوكل عليه وعدم اليأس من رحمته تاركا ومفوضا الأمر إلى الله فيما سيكون فإن المستقبل غيب لا يعلمه إلا العليم الخبير سبحانه وتعالى قال تعالى (( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير )) لقمان 34 فخير للمؤمن أن يترك كل أمره لله وعليه فقط أن يأخذ بالأسباب والله يفعل ما يشاء.
إن الله تعالى أقسم بالليل والنهار والفجر والضحى ليبين قيمة الوقت للإنسان وليلفت النظر إلى أهميته ويقول النبى الكريم صلوات الله وسلامه عليه ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) أجل فإن العافية والتمتع بالصحة نعمة من أجل النعم تتوفر لكثير من الناس ولكنهم لا يدركون قيمتها ولا يؤدون شكر الله تعالى فيها بالعمل المثمر البناء وكذلك الفسحة فى الزمن وطول العمر ووجود الفراغ والمتسع من الوقت نعمة من أعظم النعم قد تتوفر لمعظم الناس ولكنهم لا يحسون بها ولا يستغلونها فى ما ينفعهم ويعود عليهم وأسرهم ومجتمعاتهم بالنفع العظيم والخير العميم الذى يسعدهم فى دنياهم ويخلد بعد الموت ذكراهم (( والآخرة خير وأبقى )) الأعلى 17
هذا والله تعالى أعلى أعلم