الثقة في عطاء الله
أن تكون مؤمنا، فذلك لا يعني أداء الصلوات والعبادات المختلفة فحسب ولكن يجب أن ينسحب هذا الإيمان على الواقع العملي وان يتوخى المرء الحذر في كل تصرفاته حتى لا يحيد عن السلوك القويم الذي يحبه الله ويرضاه لعباده المؤمنين.
الإيمان أيضا يجب أن يترجم بشكل عملي في سلوكيات المرء اليومية بحيث يكون على رضا تام وقناعة ثابتة بأن كل ما يناله ليس إلا مما اراده الله، وانه يسعى ويبذل الجهد لنيل رزق كتبه الله عز وجل له، ويقتضي الإيمان بالقضاء والقدر أن يؤمن كل إنسان بأن كل خير وكل رزق يقدره الله للعبد لا يمكن أن يخطئه ويستحيل أن يذهب لغيره، يقول تعالى: “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين” (هود: 6).
الإيمان بأن الرزق مقدر من عند الله سبحانه وتعالى لا يعني التخاذل والتقاعس عن العمل والاجتهاد في الدنيا، ولكن يجب أن يبذل المرء الجهد حتى ينال ما كتبه الله له، لأن الله لا يحب الكسالى والمتواكلين، وليس أدل على إعلاء قيمة العمل من أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام الذي اصطفاه عز وجل ليكون مبشرا للعالمين، كان يأكل من عمل يده.
وبالتالي فان كل ما يملكه الإنسان في الدنيا من رزق وأموال وأبناء ليس إلا مقدرا من عند الله، يقول تعالى: “الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم” (الروم:40). ولكن على الرغم من ذلك فإن البعض يخلط مابين السعي وراء الرزق وبين التحايل عليه فتجدهم يسلكون طرقا معوجة من اجل كسب حرام، ومثل هؤلاء لو علموا أن رزقهم سيأتيهم بالحلال ولو إنهم تأنوا ولم يستعجلوا لما خسروا الدنيا والآخرة.
إن رزق الإنسان معلوم وهو في بطن أمه مثله في ذلك مثل العمر والعمل، وان أحدا لا يموت دون أن يستكمل رزقه الذي كتب له. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا ويؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه واجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح).
أيضا فان الرزق مقسم بين الناس بقدر معلوم ولحكمة يعلمها عز وجل، فقد يعطي منهم رزقا وفيرا بينما آخرون يكون رزقهم محدودا وقليلا وليس لذلك أية علاقة بالطاعة أو المعصية أو بالذكاء والحيلة، كما أن الرزق لا يقتصر فقط على المال ولكن الصحة أيضا رزق والأبناء رزق والعلم والسمعة الطيبة والزوجة الصالحة وطاعة الله كلها رزق، وبالتالي لا يجب اعتبار المال وحده هو كل الرزق.
والله سبحانه وتعالى يعدل بين عباده في توزيع الرزق فقد يعطي البعض مالا ويعطي الآخر صحة وقوة ويعطي ثالثا خبرة وهكذا حتى يتكامل أفراد المجتمع ويتعاونوا فيما بينهم، وقد يظن البعض أن الله جعلهم فقراء ولم يرزقهم ولكنهم إذا تفكروا في الأمر قليلا لوجدوا أن الله وهبهم من نعمه ما لا يرونه.
في بعض الأحيان نشاهد نماذج من البشر ناقمة على النعمة.. تشعر دوما بعدم الرضا والقناعة عما قسمه الله لها، وتتحدث عن ذلك بمناسبة ومن دون مناسبة، وفيما يتعلق بالأموال تجدهم ينظرون دوما إلى الآخرين ويقارنون أنفسهم بهم وتسيطر على مشاعرهم نوازع الحقد والكراهية والحسد وهؤلاء لا يؤمنون حقا بعطاء الله وبحكمته.
وفي الأبناء كما في الأموال فمن رزقه الله بالبنات دون البنين يشعر بالغبن ويتساءل لماذا لم يرزقني الله بهم كما رزق غير؟ والغريب أن هناك ممارسات ترتكب في هذا الشأن تبعد تماما عن حكمة الله عز وجل، فالبعض يحزن بشدة ويبكي ويكتئب لمجرد ولادة البنت وكأننا عدنا الى الجاهلية الأولى، وكأن الإنسان بيده خلق الذكر والأنثى، وهؤلاء لا يتذكرون أن هناك أناسا ليس لديهم أطفال على الإطلاق يتمنون لو أنجبوا بنتا واحدة.. فلنكن على ثقة في عطاء الله ولا نتعجل أمورنا فلا نجني إلا الخيبة والخسران.
مواقع النشر (المفضلة)