الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الذين أصطفى.. أسلوب الدعوة في الاسلام:

قد يكون من القضايا التي لا بد من إثارتها في أجواء شهر رمضان المبارك، في قضية الدعوة إلى الله هو الأسلوب العملي الذي كانت تتحرك فيه الدعوة الاسلامية في الشخصية الذاتية للداعية، فيما تشتمل عليه من عناصر القوة والضعف، من حيث تأثيرها سلباً أو ايجاباً في النتائج الحاسمة للدعوة.. وهذا ما أثاره القرآن الكريم فيما حدثنا عنه من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه العظيم الذي أشارت إليه الآية الكريمة: “وإنك لعلى خلق عظيم” وفي طريقته في مواجهة السلبيات المتنوعة الموجهة إليه من قبل الآخرين، فيما يحمله قلبه من وداعة ورقة ورحمة، تحتوي كل ما حولها ومن حولها في عملية حب وحنان، وفيما يفيض به لسانه من كلمات اللين والرفق لتنفذ إلى قلوب الآخرين بأقرب طريق، لتلقي بهم في الأجواء الخيّرة المنطلقة بكل ايجابيات الساحة وحركاتها، وذلك هو ما أشارت إليه الآية الكريمة: “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك” (آل عمران: 159).

إنسانية فياضة

وقد نلتقي في هذا اللون من حركة الشخصية الإسلامية بشخصية الرسول الداعية فيما تصوره لنا الآية الكريمة: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” (التوبة: 128) فقد نجد فيها الكثير من الملامح الإنسانية الفياضة بكل المعاني الروحية، التي تنساب في مشاعر الآخرين روحاً تنبض باللطف والأريحية والحياة، لتمتص كل ما في داخلها من آلام ومشكلات وأزمات فتحولها إلى أفراح وانفتاحات وحلول تغذي في الإنسان معنى الطمأنينة والهدوء والسكينة الروحية، فليس الداعية هنا انساناً يمتهن الدعوة ويجتر أساليبها ويستظهر ألفاظها وقواعدها في طريقة آلية، بل هو عنصر حي يحول الكلمة إلى حركة مليئة بالقوة والحياة، ويثير في الساحة أجواء الرأفة والرحمة والحرص على كل ما يبني حياة الإنسان، ويوحي بالإحساس الدافق بالمشاركة، فيما يثقل الروح والفكر والضمير من الآم ومتاعب.

وهكذا تتوارد الآيات لتجعل من شخصية الرسول الأنموذج الأكمل في حركة قصة الكلمات فيما تعبر عنه من معانٍ، أو الخطوات فيما توحي به من إيحاءات، بل هي قصة مشاعر وأحاسيس تجاه الآخرين، فيما تمثله من مواقف تجسد الروح وتفتح الأفق، وتحتوي الساحة بإيجابياتها وسلبياتها، وتحبب الناس فتجعل من الدعوة فعل محبة وانفتاح، بدلاً من أن تكون فعل كره وانغلاق، وذلك هو ما يجب أن يتمثله الدعاة إلى الله والعاملون في سبيله في تربية شخصياتهم على الآفاق الروحية الجديدة للدعوة ليكون الأسلوب هو الرجل من حيث يكون الرجل هو الدعوة في روحيتها ومفاهيمها وآفاقها ومواقفها.

الأنموذج القرآني

وفي هذا الجو نؤكد على متابعة الأنموذج القرآني للداعية من خلال شخصيات الأنبياء الدعاة، ولا سيما شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد اكتفى القرآن بتصوير حياتهم في خط الدعوة وتحدًّث عن ملامحهم الشخصية في هذا النطاق ولم يتحدث عن الملامح الأخرى الذاتية البعيدة عن هذا الخط، ليكون ذلك بمثابة الإيحاء بأن الارتباط بهذه الشخصيات يمثل الارتباط بالدعوة لا بالشخص وبذلك يكون الحديث عن صفاتهم الذاتية في غير جانب الدعوة والقدوة مجرد حديث يثير الزهو ويضيع في الفراغ.

لهذا لا تزال قضية الأسلوب في الدعوة إلى الله تفرض نفسها على مسيرة العمل الاسلامي، في نطاقيه الفردي والاجتماعي، وذلك من خلال المتغيرات السياسية والفكرية والاجتماعية التي تواجه الساحة الإسلامية في الأوضاع العامة والخاصة، الأمر الذي يجعل الداعية المسلم يشعر بالحاجة إلى أن يستنفر كل طاقاته الفكرية والعملية من أجل أن يعرف كيف يتعامل مع الواقع بأساليب جديدة، تنسجم مع مستوى التفكير فيه، وتتحرك في اتجاه الرياح القادمة من بعيد لتغير الاتجاه المضاد إلى اتجاه ملائم، لأن الإنسان الذي يظل محكوماً للذهنية التقليدية التي تفكر للحياة من موقع التجارب المحدودة بحدود الزمان والمكان، سوف يظل في مواقع التخلف بعيداً عن اللحاق بالمواكب المتقدمة الصاعدة أبداً نحو مدارك القمم.