صلاة الضحى.. فعلها يسير وفضلها كبير وثوابها جزيل
من أفضل علامات محبة الله للعبد أن يكون ممن يتقربون إلى الله بالنوافل، والنوافل كل عبادة ليست فرضاً، كقراءة القرآن، والصدقات، والأذكار، ومساعدة الضعفاء، والصلاة غير المكتوبة نافلة من النوافل التي لا يزال العبد يتقرب بها إلى ربه حتى يحبه، فقد روى البخاري بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه”.
أعظم غنيمة
ومن أفضل النوافل صلاة سماها النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الأوابين، وقال عنها العلماء: فعلها يسير، وفضلها كبير، وثوابها جزيل، وهي تجعل المؤمن يجتزئ من وقته المزدحم بشؤون الحياة ومشاغلها ولو جزءاً يسيراً يقف فيه بين يدي مولاه العظيم وخالقه الكريم، طاهراً متطهراً مبتغياً بذلك التقرب إلى ربه ومعبوده، ولو لم يكن لها فضل إلا ما قاله رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه من أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان كل يوم لكفاها فضلاً، وزاد المرء عليها حرصاً، وخاصة في رمضان الشهر الذي تكثر فيه العبادات ويزداد فيه الأجر على كل عبادة، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمرٌ بمعروف صدقة، ونهيٌ عن منكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى”.
هي إذن صلاة الضحى وهي من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من وصايا رسول الله إلى أصحابه، وصى بها صلى الله عليه وسلم أبا ذر وأبا الدرداء رضي الله عنهما، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: “أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر”، وفي رواية للبخاري قال: “أوصاني خليلي بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام”.
ومعروف أن صلاة النافلة في البيت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة”، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد قال: “ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد؟، فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاة مكتوبة”، وفي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: “صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا”، ويستثنى من ذلك نافلتان: صلاة التراويح وصلاة الضحى، لما رواه أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهله وأصحابه وقال إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة، فقال رجل يا رسول الله ما رأينا بعثا قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث، فقال: “ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة: رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة”، والمقصود صلاة الضحى، وقد ورد عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين”، وتسبيح الضحى هي صلاة الضحى يخرج ليصليها في المسجد، لا يخرجه إلا ذلك.
وصلاة الضحى أقلها ركعتان، وتصلى أربع ركعات، وستاً وثماني ركعات، وقال العلماء أفضلها: أربع ركعات، ركعتان ركعتان، ويسلم من كل ركعتين، وينوي ركعتين من الضحى، وأكثرها: ثماني ركعات، وقيل اثنتا عشرة ركعة، وقيل لا حدَّ لأكثرها، أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أم هانئ رضي الله عنها، قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات”، وعن عائشة عن مسلم: “كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء”، وعن نعيم بن همار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يقول الله تعالى: ابن آدم، لا تعجزني من أربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره”، وعن جابر عند الطبراني في الأوسط كما قال الحافظ في الفتح: “إنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات”.
صلاة الإشراق
وصلاة الضحى تصلى بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح، ومقدار ذلك بالوقت أن يمضي على طلوع الشمس ربع ساعة أو نحو ذلك وتسمى صلاة الإشراق، وهي صلاة الضحى أيضاً، لأن صلاة الضحى من حين أن ترتفع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال، إن قدمت الركعتين في أول الوقت وهو ما بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح فتكون صلاة إشراق وضحى، وإن أخرتهما إلى آخر الوقت فهما ضحى وليل بإشراق، وهي في آخر الوقت أفضل منها في أوله، فأفضل وقتها عندما ترمض الفصال، لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الأوابين حين ترمض الفصال”، والمقصود إذا مضى ربع النهار.
ولأن لصلاة الضحى زمناً محددا يكون الناس مشغولين خلاله بأعمالهم فالموظف في وظيفته، والمعلم في معهده، والطالب في فصله، والعامل في عمله، والتاجر في متجره، والطبيب في المستشفى أو في العيادة، إلا أن هناك من يوفقه الله سبحانه وييسر له اغتنام بعض الشيء من وقته لتأدية صلاة الضحى تقرباً إلى الله جل وعلا، وطمعاً في ثوابه، وليكون بذلك واحداً من الموفقين الذين يحرصون على إحياء شعيرة من شعائر الدين، ويواظب على سنة من سنن الهدي للنبي صلى الله عليه وسلم التي ورد في فضلها أحاديث كثيرة، فعن أبي الدرداء وأبي ذرِّ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ابن آدم، اركع لي أربع ركعاتٍ من أول النهار أكفك آخره”.
وهي صلاة قصيرة خفيفة وفي ذلك روايات عدة بعضها يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفف فيها القراءة، مع إتمام الركوع والسجود، وقد روت أم هانئ رضي الله عنها في وصفها لصلاته لها: “... فلم أر قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود”، قال الحافظ: واستدل به على استحباب تخفيف صلاة الضحى، وفيه نظر، لاحتمال أن يكون السبب فيه التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به، وهناك رواية أخرى تفيد أنها ليست بالخفيفة ففي رواية عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: “لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده، كل ذلك يتقارب”، وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى، فطوَّل فيها أخرجه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة. ويستحب أن يقرأ في صلاة الضحى بسور منها “والشمس وضحاها”، “والضحى والليل إذا سجى”، وقال الحافظ ابن حجر: روى الحاكم من طريق أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها والشمس وضحاها، والضحى”.
مواقع النشر (المفضلة)