للضرورة شروط لازمة لتحققها، فليس معنى “الضرورات تبيح المحظورات” أن كل شيء يحبه المرء يكون من الضرورات، فيشترط للأخذ بمقتضى الضرورة كما تقول الموسوعة أشياء:
أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فيشترط الفقهاء لتحقق الإكراه خوف المكره إيقاع ما هدد به في الحال بغلبة ظنه، وبناء على هذا الشرط فلو قيل: “لأقتلنك غدا” فإن هذا ليس بإكراه، قال الشيخ عميرة: لو كانت الحاجة غير ناجزة فهل يجوز الأخذ لما عساه يطرأ؟ الظاهر لا، كاقتناء الكلب لما عساه يكون من الزرع ونحوه، يقول الشاطبي: الصواب الوقوف مع أصل العزيمة، إلا في المشقة المخلة الفادحة فإن الصبر أولى، ما لم يؤد ذلك إلى دخل في عقل الإنسان أو دينه، وحقيقة ذلك ألا يقدر على الصبر، لأنه لا يؤمر بالصبر إلا من يطيقه، فأنت ترى بالاستقراء أن المشقة الفادحة لا يلحق بها توهمها، بل حكمها أخف بناء على أن التوهم غير صادق في كثير من الأحوال، والمشقة الحقيقية هي العلة الموضوعة للرخصة فإذا لم توجد كان الحكم غير لازم.
ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى إلا مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية؟ قال أبو بكر الجصاص عند تفسيره لقول الله تعالى: “وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ” (الأنعام: 119) معنى الضرورة هنا: هو خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل وقد انطوى تحته معنيان أحدهما: أن يحصل في موضع لا يجد غير الميتة، والثاني: أن يكون غيرها موجودا، ولكنه أكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه أو تلف بعض أعضائه، وكلا المعنيين مراد بالآية عندنا.
يجب على المضطر مراعاة قدر الضرورة، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدْرها، وتفريعا على هذا الأصل قرر جمهور الفقهاء أن المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق.
يجب على المضطر أن يراعي عند دفع الضرورة مبدأ درء الأفسد فالأفسد، والأرذل فالأرذل، فمن أكره على قتل مسلم بحيث لو امتنع منه قُتل، يلزمه أن يدرأ مفسدة القتل بالصبر على القتل، لأن صبره على القتل أقل مفسدة من إقدامه عليه، وإن قدر على دفع المكروه بسبب من الأسباب لزمه ذلك، لقدرته على درء المفسدة، وإنما قدم درء القتل بالصبر، لإجماع العلماء على تحريم القتل، واختلافهم في الاستسلام للقتل فوجب تقديم درء المفسدة المجمع على وجوب درئها على درء المفسدة المختلف في وجوب درئها.
كما يجب ألا يقدم المضطر على فعل لا يحتمل الرخصة بحال، قال ابن عابدين: الإكراه على المعاصي أنواع: نوع يرخص له فعله ويثاب على تركه، كإجراء كلمة الكفر، وشتم النبي صلى الله عليه وسلم وترك الصلاة، وكل ما يثبت بالكتاب، ونوع يحرم فعله ويأثم بإتيانه كالزنا وقتل مسلم، أو قطع عضوه، أو ضربه ضربا متلفا، أو شتمه أو أذيّته.
مواقع النشر (المفضلة)