آيات من كتاب الله من سورة آل عمران تحث المؤمنين على المبادرة الى فعل الخيرات،والمسارعة الى نيل القربات، وتدعو للتخلق بأجمل الصفات وارفع الاخلاق وافضل الشمائل، حيث يقول سبحانه 'وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين'.
وفي الآية تنبيه إلى اتساع الجنة وضخامتها وعظم خلقها، وفي مسند الامام احمد ان هرقل كتب الى النبي صلى الله عليه وسلم: انك دعوتني الى جنة عرضها السموات والارض فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 'سبحان الله، فأين الليل اذا جاء النهار؟
اي اذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم، والليل في ضد ذلك الجانب، فكذا الجنة في جهة العلو، والنار في جهة السفل، فإذا كنا نشاهد الليل اذا جاء النهار، فلا يعني ذلك ان الليل غير موجود، في اي مكان من العالم، فقد يكون عندنا - مثلا - نهار وفي بلدان اخرى ليل وظلام، وكذلك النار، فقد تكون في مكان لا نعرفه او ان الجنة ستكون في اعلى عليين فوق السموات تحت العرش والنار في اسفل سافلين، فلا تناف بين كون عرض الجنة كعرض السموات والارض وبين وجود النار.
والمراد بكون عرض الجنة كعرض السموات والارض المبالغة في وصفها بالسعة والبسطة تشبيها لها بأوسع ما علمه الناس، وخص العرض بالذكر لانه يكون عادة اقل من الطول، وفي الحديث: اذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه اعلى الجنة واوسط الجنة، ومنه تفجر انهار الجنة، وسقفها عرش الرحمن، ثم يبين تعالى صفات المؤمنين وانهم ينفقون اموالهم ويتصدقون في كل الاحوال وفي جميع الظروف في الشدة والرخاء والمنشط والمكره والصحة والمرض 'الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية'.
ومن صفاته انهم يكظمون الغيظ ويضبطون اعصابهم، فلا يستثارون بأدنى كلمة ولا يستفزهم اقل تصرف فيخرجهم عن هدوئهم، ومن المعلوم ان قليلا من ضبط الاعصاب يقضي على مشاكل كثيرة وفي الحديث 'ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب' ويقول الله في الحديث القدسي: 'يابن ادم اذكرني اذا غضبت اذكرك اذا غضبت فلا اهلكك فيمن اهلك'، وقال عليه السلام: 'من كظم غيظا وهو قادر على ان ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من اي الحور شاء'.
ومن صفات المؤمن انه يصبر على الاذى ويتحمل ويعفو عمن اساء اليه واذا تمكن وقدر على انزال العقوبة بالمسيء تجاوز وعفا وتسامح.
والعفو عند المقدرة من شيم الكرام، وفي الحديث: إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول: أين العافون عن الناس، هلموا الى ربكم، وخذوا اجوركم، وحق على كل امرئ مسلم اذا عفا أن يدخل الجنة.
والسماحة المطلوبة تعني حالات الاساءة الشخصية، لا الاساءة للدين والعقيدة، وهذه الآيات كالآيات في سورة فصلت.
'ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم'، وإذا قابلت الاساءة بالاحسان والغضب بضبط الاعصاب والهدوء والسكينة، والكلمة الطيبة، فإنك تطفئ نار الفتنة وتأسر بإحسانك من أساء اليك فيصبح لك صديقا ومحبا، قال عمر بن الخطاب: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل ان تطيع الله فيه، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: 'امر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الاساءة، وعندما يعفو المؤمن ويصفح، يظل قلبه طاهرا نقيا، ويريح نفسه من آثار الغل والضغينة والاحقاد التي تدمر الاعصاب وتحرق الاجسام، وفي الحديث الشريف: ثلاث اقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله'.
مواقع النشر (المفضلة)