رب أوزعني أن أشكر نعمتك
ليس معنى التجرد من أهواء الجاه والملك والمال الامتناع عن تحصيله بكل وسيلة مشروعة، ذلك ان جوارحنا ارضية غير سماوية خلقت من الأرض ومنها غذاؤها ونماؤها.
وإنما المقصود تجريد القلب من كل خاطرة تعارض المثل العليا.
نعم.. لا بد من تجريد القلب من أهواء المتاع الأدنى.
وإذا كانت الأرض مائدة واحدة لجوارح الانسان والحيوان مصداقا لقوله الله تعالى: “متاعا لكم ولأنعامكم”. وقوله: “فلينظر الانسان الى طعامه أنا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الأرض شقا، فأنبتنا فيها حبا، وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا، متعا لكم ولأنعامكم”. فإن في السماء ارزاقا اخرى يفيضها الله على القلوب لا على المعدات والجيوب، وحسبنا خطاب رب العزة سبحانه لعباده المؤمنين “يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات من رزقناكم”. بينما يخاطب الناس بقوله: “يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا”.
وهكذا الاسلام دين لا ينعزل عن الدنيا ودنيا لا تحيف على الدين، تأمل من نماذج القرآن الكريم التي سيقت لها النعم فما شغلتها عن المنعم:
سليمان عليه السلام قال: “رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب”، فسخر الله له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وعلم منطق الطير، وحشر له جنوده من الجن والإنس والطير.. فما فتنه كل هذا وإنما سخره في مرضاة ربه سبحانه وتعالى: “رب أوزعني ان أشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين”.
يوسف عليه السلام: بعد ان تقلب في المحن ونجاه الله منها قال: “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم” وتحول من غياهب السجن الى رحابة الحياة متقلدا فيها ما يطمح اليه الآخرون من منصب وجاه، ويكفي أنه جمع من حوله أبويه واخوته.. لكن قلبه مع كل هذا معلق بالله “رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين”.
محمد صلى الله عليه وسلم تأتيه الأموال وأخماس الغنائم والفيء الخاص فكان يصرف كل هذا لوجوه البر والخير.
رأى جبل أحد مرة فقال: ما يسرني ان عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار إلا شيء لدين، إلا أن أقول هكذا وهكذا وهكذا.
ان الأكثرين هم الأقلون يوم القيام إلا من قال: هكذا هكذا وهكذا وقليل ما هم.. نعم يا رسول الله.. فنعم المال الصالح في يد العبد الصالح.
مواقع النشر (المفضلة)