استخدام السبحة في الذكر
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حض على ذكر الله تعالى بعدد معين في كثير من الأحاديث، منها: كما روي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة”، وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن جويرية رضي الله عنها “ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد ان أضحى وهي جالسة، فقال: “مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك اربع كلمات ثلات مرات، ولو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته”، وروي عن علي رضي الله عنه: “ان فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو اليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم فقال: على مكانكما، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما، إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما الى فراشكما، فسبحا ثلاث وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا اربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم”، كما ان صلاة التسبيح فيها ثلاثمائة تسبيحة، ولا يتأتى ضبط عدد الذكر إلا إذا استعمل الذاكر ما يضبطه به، سواء كان ذلك باستعمال الأصابع أو بعقد خيط أو استعمال حصى أو نوى أو نحو ذلك، وقد استخدمت السبحة في زماننا لذلك، ليعد البعض استخدامها من البدع المنكرة، ولم أر من تعرض لبحث حكمها من المحدثين مع كثرة السؤال عنه، وقد اتفق الفقهاء على مشروعية استخدامها لضبط عدد التسبيح والذكر عامة، إذا كان هذا في غير الصلاة، أما استعمالها أو استعمال ما كان على نحوها كالخيط أو الأصابع في الصلاة، فقد حرمه بعض الفقهاء، لأنه يترتب عليه العمل الكثير في الصلاة مما ليس من افعالها، فيؤدي الى فسادها، وقد قال البعض بجواز استعمال الأصابع لضبط الذكر في الصلاة مع الكراهة، لاضطرار المصلي الى ذلك، لمراعاة سنة القراءة، والعمل بما جاءت به السنة في صلاة التسبيح ونحوها، ومما يدل على مشروعية استخدام المسبحة فيما سبق: ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: “انه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا اخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله اكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك”، وروي عن صفية رضي الله عنها قالت: “دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يدي اربعة آلاف نواة أسبح بها، فقال: لقد سبحت بهذا؟ ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به؟ فقلت: علمني، فقال: قولي سبحان الله عدد خلقه، قال الشوكاني: هذان الحديثان يدلان على جواز عدد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة، لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرتين على ذلك وعدم انكاره والارشاد الى ماهو افضل لا ينافي الجواز، وقال ابن نجيم في الاستدلال بحديث سعد بن أبي وقاص: “لم ينهها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وإنما ارشدها الى ما هو أيسر وأفضل، ولو كان مكروها لبين لها ذلك، وهذا الحديث ونحوه مما يشهد بأنه لا بأس باتخاذ السبحة المعروفة لاحصاء عدد الأذكار، إذ لا تزيد السبحة على ما في هذا الحديث إلا بضم النوى ونحوه في خيط”.
وقد وردت آثار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على مشروعية استخدامها، منها: ما روي عن ابي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم “أنه كان يوضع له نطع، ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به الى نصف النهار ثم يرفع، فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسي”، وروي “ان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يسبح بالحصى”، كما روي عن فاطمة بنت الحسين رضي الله عنهما “انها كانت تسبح بخيط معقود فيها”، وروي عن ابي هريرة رضي الله عنه “أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة، فلا ينام حتى يسبح”، وروي عن القاسم بن عبدالرحمن قال: “كان لأبي الدرداء رضي الله عنه نوى من العجوة في كيس، فكان اذا صلى الغداة اخرجها واحدة واحدة، يسبح بهن حتى ينفذهن”، وروي عن ابي هريرة رضي الله عنه “أنه كان يسبح بالنوى المجموع”، وروي عن علي رضي الله عنه مرفوعا: “نعم المذكر السبحة”، فهذه الآثار عنهم تدل على مشروعية استخدامها لضبط الذكر، لأنهم لا يفعلونه إلا عن توقيف، إذ لا مجال للرأي أو الاجتهاد فيه، وقال السيوطي: “لم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة”، ولا يعد استعمال السبحة في هذه الحالة من البدع المنكرة، لأن البدعة هي الفعلة المخالفة للسنة، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضبط عدد الذكر بالحصى والنوى، وحبات المسبحة في حكمها، لأنه لا تزيد على ما أقر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ضم النوى أو الحصى في خيط، ولا يخرجها هذا من المشروع الى غيره، إلا ان المستحب استعمال الأصابع في ضبط الذكر خارج الصلاة، لما روي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح”، زاد في رواية أخرى “بيمينه”، وروي عن يسيرة بنت ياسر رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة”، حيث علل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات، يشهدن بذلك إذا سئلن يوم القيامة، فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى.
مواقع النشر (المفضلة)