[align=center]حيث لا يصل السائرون في نومهم.. في تخوم هذه الدنيا.. على أطراف الوجود المنكوب فينا.. ثمة زاوية مكتسية بالصمت.. يرتادها الصغير كلما أراد الاختلاء الى نفسه.. يغتسل من غيبوبته.. يتطهر من دنس العبودية.. يمسح بأشعة الشمس عينيه المحروثة بالكوابيس.. هنا مباح كل شيء.. حتى البكاء مباح هنا.. بل حتى الموت..

وجه السماء تملأه ندوب أسئلة أزلية.. كوكبة الشياطين لا زالت تمتطي الوعي باتجاه الجحيم.. السماسرة يتسكعون في كل أنحاء خريطة الحلم السرية.. المنابر رحم خصب للمسوخ.. تسوّق (الشهادة) كما لو كانت تقتات دماء الأنبياء.. قمة الرياء.. هذا (البشت) لا يسترنا.. لا يحلق بنا.. يرفرف برياح التخلف فلا يهبنا سوى الخطيئة تلو الخطيئة.. لا يقدم لنا سوى الفتات والطحالب والأذناب.. هذا (البشت) لا يعطينا سوى الموت بطريقة مقننة..

معادلة البربرية.. الهبوط الى درجة اللانسان.. نفط وسيف و(بشت) وخوف وجبن وتخلف و(كروش) و(ذئاب) ورمال أعمت عين الأفق.. دوامة كذب وأقنعة لا تنتهي.. القساوسة ينازلون الفضيلة بأذنابهم.. بقرونهم.. برماحهم.. الجرذان تتوالد وتتكاثر.. المومس تتلمع بعذرية مريم.. تؤذن بالصلاة على شرفها الزاخر بالخيانات.. واللصوص تاج على رأس الأوطان.. الجميع يريد أن ينهش ما استطاع قبل نهاية العرض.. لا أحد يريد أن يعطي مقابل ما يأخذ..ناهيك عن التضحية.. يا لها من مخلفات وطن تبعثر أبناءه بكل اتجاهات الضياع.. بدءً بالكراهية.. مرورا برفض الآخر.. ونهاية بالارهاب..

شاسعة دمعة الحزن.. بحجم عذاب الأمهات عندما يجثم الألم فوق صدورهن.. تفترسهن الأوجاع.. تنهش أرواحهن مخالب أقدارنا القاسية فتمزقها.. بقسوة حسرة الآباء عندما يجدون أنفسهم ضحية للعجز واليأس وقلة الحيلة.. يدك الشوك شرايينهم فتتزاحم أمام بوابات الخليقة طوابير الدموع تشكي الى الله غربتها عن عيون الرجال.. بوطأة حرمان الأطفال من أحلامهم.. من براءتهم.. من حياة كريمة لا تصادر شعورهم بإنسانيتهم.. .. اندلقت كالسيل الذي أغرق الحلم.. بينما الغد.. لقاح الزمن بالأمل.. متوعك.. معتل.. مصاب في صميمه بكل أوبئة التخبط والتردد والضياع..

تمضي الأيام.. يكبر الصغير ويكبر شغفه بتلك الزاوية معه.. لا حصانة لحقائق (مبسترة) فيها.. الثوابت تبدأ من الانسان وتنتهي به.. لا فروض للولاء والطاعة.. هي بحق آخر قلاع مقاومته.. يتشبث لا خير في علامة الاستفهام ان لم تكن منجلا يحصد سنابل أفكارنا..

أتساءل.. ماذا سأقدم لصغيري بدوري غدا.. هل أقدم له أيضا تلك الزاوية المرصعة بأحجار العري والعاصفة بالجنون والجياد المتعبة.. المطرزة بالقلق.. المتمردة حتى النخاع؟!.. فيكمل مسيرتي.. هائم في فضاء قاحل.. يبحث عن الحقيقة بين الثقوب الكونية السوداء..

أم أرحم الرحمة من رحمتي وأجعله يسير مع بقية القطعان والأسراب على السراط المستقيم؟!!.. حيث رسل الجحيم تقيم.. فأهديه وطن مثخن بالظلم.. وثقافة مصلوبة بالكراهية تصدح بالشؤم والسأم واللؤم.. ومجتمع معطوب مريض بالسقم والعقم.. ليتبادلوا جميعهم بنهش كل معنى للانسان بداخله.. النصوص مفخخة بعبوات الحرام والشبهات.. أخبروني.. هل أصنع منه بيدي حلم (يتقزم) حتى العدم يحمل رقما (مدنيا) حين تصبح قيمة الانسان لا تتعدى قيمة ملفه (العلاّق) الأخضر..

ماذا أمنحه؟!! أوطان بلا وطن؟!!.. مستقبل بغدٍ ميت (دماغيا)؟!!.. أمة خمسة أرباعها رعاع وغوغاء تغني وتصفق وتطبل وتزايد وتردح لجلاديها الذين يمنون عليهم بالفتات من حقهم؟!!..
ماذا أعطيه؟!!.. مسخ تاريخ برأس جرذ وذنب طويل من الخديعة يمتد حتى يطعن صدر آدم؟!!.. قطيع من جماجم غطت رؤوسها بقطعة قماش يسوقها السارق بأمر الله (قراقوش) تخر ساجدة لهراوة امتد أفقها من (الخيزرانة) الى (السيف)..

ماااااذا أهديه؟!!.. حلما أوصد نوافذه في وجه الشمس.. ولائم قهر وكبت وقمر وتكميم وحجر.. أهديه أكاذيب وتزوير ومعاناة وخيبة وهزيمة وانكسار واندحار؟!!.. أهديه أشلاء غيبوبة وذاكرة تعج بأصنام أتت بالباطل وزهقت الحق في عقول كان بها الحق زهوقا؟!!..

اللعنة اللعنة اللعنة علينا جميعا.. لا أعلم مما نخاف.. ما أقصى عاقبة ممكن أن يتعرض لها الانسان؟!!..
هل أسمع أحدكم يقول الموت؟!!..
اذن اللعنة علينا ألف ألف مليون ألف مرة أخرى.. وهل كنا يوما أحياء؟!!..


تباً

كيف

يعيش

الانسان

ويموت

في

آن

( ؟) <-- يرجى اعتبار القوسين بمثابة كفن لعلامة الاستفهام..
[/align]