الخوف
شعور جربناه جميعا في اكثر من موقف او يوم او ايام خلال حياتنا، فهل لم يشعر احدنا بالخوف لمرة او مرات؟!
كلنا نخاف.. ربما من المجهول، او على شيء نفيس، او شخص عزيز ألا يتعرض الى الاذى، وهو خوف معنوي، وهناك خوف من نوع آخر، كمن يخاف من الظلام، او من الابواب المغلقة، او الخوف من الاماكن المرتفعة، والخوف من ركوب الطائرة، او الباخرة، او حتى المصعد، وهناك من يخاف من المرض ومن الموت.
وهناك من يخاف الى حد الهلع، كلما التقى مسؤولا اعلى منه او مديره في العمل، وهناك من يتحاشى الناس لانه يتلعثم كلما تكلم امامهم.
حالات كثيرة، لكن القاسم المشترك فيها هو الخوف الذي بات يداهم القلوب بكثرة هذه الايام، حتى ان هناك من يخاف بلا سبب، او لسبب واه مضحك، ويصل الخوف بالبعض الى حد الرعب فيسلبه الاحساس بأي متعة، ويجلب إلى الشخص الحزن والأسى، والشفقة على النفس والاحساس بالضعف.
والخوف كلمة مطلقة ليس لها حدود، فيمكن ان تنطبق على كل شيء واي شيء وفق حالة الفرد وظروفه وخبراته التي اكتسبها واسلوب تنشئته وعوامل اخرى كثيرة.
ان اقصى انواع الخوف هو الخوف من الناس او من شخص معين، وبالتالي يتحاشى صاحبه اي موقف يعرضه لمقابلة الناس او مواجهتهم، ويسيطر عليه احساس بأنه سوف يتعرض لنقدهم او اهانتهم، وبأنه قد يرتكب حماقة تعرضه للسخرية، او خطأ يعرضه للاستهزاء او المشاكل، وهكذا يحمل هما كبيرا اذا كان عليه مقابلة احد، او حضور مناسبة معينة، ويشعر بارتياح شديد اذا استطاع تجنب هذه المواجهة او اللقاء، ولكن هذا يمثل مشكلة بالنسبة له لانه يكون غير راض عن نفسه لخوفه وهروبه بلا مبرر، او معنى.
ومثل هذا الخوف يعيق تقدمه في عمله، فيجد صعوبة اذا ما طلب منه اعطاء تقرير عن عمله لزملائه او رؤسائه، ويكون اسوأ يوم لديه هو يوم الاجتماع في العمل، ويكاد لا ينام ليلة هذا اليوم.
تبدأ المشكلة في الطفولة وتزداد تدريجيا حتى مرحلة المراهقة، حيث تتفاقم وتصبح مصدر تعاسة حقيقية، وتعيق ممارسات المريض الحياتية، ويقول د.عادل صادق: تزداد صعوبة المشكلة في مواجهة الجنس الآخر، فتكون هناك مشقة في التحدث مع فتاة، وتزداد الصعوبة في وجود اكثر من فتاة او مجموعة تضم عددا من الشبان والفتيات، ولهذا فإن مثل هذا الشخص يكون غالبا بلا اصدقاء، ولا يشارك في اي نشاط او مناسبة، ولا يذهب الى رحلات، وقد يلجأ مثل هذا الانسان، كما في بعض الحالات، الى استخدام المهدئات، من دون استشارة الطبيب اما لتهدئة روعه او لمساعدته لمواجهة موقف معين، والخطأ هنا ان هذا الاسلوب ليس طبيا ولا علاجيا، وبالتالي لا داعي لان يزج هذا الانسان بنفسه في طريق قد يقوده الى الادمان او التعود على مواد يصعب التخلص منها، وقد تكون لها آثار ضارة.
ومثل هذا النوع من الخوف يجعل الانسان يتنازل عن كثير من حقوقه، ولا يستطيع ان يدافع عن نفسه ولا ان يواجه الآخرين بأخطائهم وتعديهم عليه، وبذلك يتزايد احساسه بالظلم وبضياع حقوقه وبضعفه.
يأخذ أشكالا كثيرة
والخوف شيء طبيعي عندما يكون في اطاره الصحيح، اي الذي يسمح بإثارة العقل، وتنبيهه ليكون مستعدا لمواجهة الخطر وتحفيز الجسم والعضلات للوقوف على اهبة الاستعداد للتعامل مع حدث او ظرف طارئ، وهذا الخوف عادي لأنه يندرج ضمن طبيعة الانسان الفيزيولوجية.
لكن الخوف قد ينحو منحى آخر ويكون مفرطا الى درجة انه يمنع صاحبه من القيام بمهامه الحياتية اليومية، فيصبح كابوسا مزعجا لا يعرف صاحبه كيف يتخلص منه، وغالبا ما يبدأ الخوف بشعور غامض ينتاب صاحبه، لكنه لا يعرف كنه هذا الشعور ولا مصدره ولا اسبابه، وتبدأ المعاناة بالتزايد في ضربات قلبه، وتعرق جبينه، وارتجاف يديه، واصفرار وجهه، وجفاف فمه، وضيق نفسه. ويشتد الاحساس بالخوف كلما فكر الشخص فيه، بالاضافة الى انه قد يتعرض الى مشكلات في الهضم كالاسهال والامساك وغيرهما.
والخوف الاجتماعي شائع نوعا ما، وهو مرض العصر، يصيب شخصا من كل عشرة اشخاص، وله انعكاسات سلبية على صاحبه خصوصا من الناحية العلمية والتعليمية والاجتماعية والعلاقات الشخصية، وتبدأ خيوط الخوف الاجتماعي عادة في سن المراهقة، واذا لم يعالج في حينه، فهناك احتمال كبير جدا ان يبقى ملتصقا بصاحبه مدى الحياة، عدا عن انه قد يدفعه الى المعاناة من مخاوف اخرى لا تخطر بالبال.
ويأخذ الخوف الاجتماعي اشكالا كثيرة مثل:
- الخوف من حضور المناسبات والاحتفالات.
- الخوف من الاكل او الشرب او الكتابة امام الآخرين.
- الخوف من التحدث في اجتماع عام او امام الزملاء او الاصدقاء.
- الخوف من التكلم مع المسؤولين.
- الخوف من انظار الآخرين.
- الخوف من اسئلة المدرس امام الطلاب الآخرين او التحرك الى السبورة (لوح الصف) لحل مسألة ما.
ويمكن ان يقتصر الخوف الاجتماعي على نوع واحد فقط، مثل الخوف من التحدث في الحفلات الرسمية، او تناول الطعام امام الآخرين، وقد يكون اشمل في اكثر احواله الحادة بحيث يصاب الشخص بهذه الاعراض في اي وقت يكون حوله اناس آخرون.
وقد يصاب اكثر من فرد في الاسرة بالخوف الاجتماعي، مما يثير احتمال وجود عامل وراثي في المسألة، ولا يغرب عن البال ان هناك بعض الظروف التي لها دور في تكوين مشكلة الخوف الاجتماعي عند فئات معينة من الناس.
ويشخص مرض الخوف الاجتماعي على أنه حاد إذا كان تجنب الناس والمواقف والخوف يتدخلان في حياة الشخص اليومية الاجتماعية والمهنية والروتيني منها، أو إذا كان الشخص يشعر بالحزن لدرجة كبيرة من سيطرة الخوف عليه.
متى يكون حادا؟
عندما يتدخل الخوف في حياة الشخص اليومية ويشعر بالحزن الشديد لسيطرة هذا الخوف على حياته، حيث يمنعه من ممارسة الحياة الطبيعية فانه يشخص بالخوف الاجتماعي الحاد، ومن اعراضه:
الخوف من حالة اجتماعية معينة او اكثر اذا ما تعرض الشخص لأناس غرباء وشعر بانه سوف يسبب الاحراج لنفسه.
التعرض الى ظروف أو حالة اجتماعية تسبب القلق الحاد.
يتفادى او يتحمل الوضع الاجتماعي بالشعور بالقلق والضيق.
يصبح مستوى القلق مفرطا.
يتدخل الشعور بالضيق او الرغبة في 'التجنب' بشكل ملحوظ في اداء الشخص المهني او الاكاديمي.
ما هو الخوف الاجتماعي النفسي؟
هو حالة نفسية تسبب القلق المفرط عند التعرض للمواقف الاجتماعية اليومية، والمصابون به يعانون خوفا مزمنا وحادا ومستمرا من انهم مراقبون وتحت التحكم من قبل الاخرين وانهم سوف يتعرضون للاحراج او الشعور بالذل او المهانة بسبب تحركاتهم.
ويعاني حوالي 3.7% من البالغين في سن ما بين 18 و54 عاما، أي بما يعادل حوالي 5.3 ملايين أميركي، من الخوف الاجتماعي. وتصاب النساء به ضعف الرجال على الرغم من ان النسبة الاعلى التي تطلب المساعدة لحل هذه المشكلة النفسية هي من الرجال وتبدأ الحالة في الطفولة او المراهقة المبكرة ونادرا ما تتطور بعد عمر 25 سنة.
الأعراض
يمكن ان يكون الخوف الاجتماعي منهكا جدا، وقد يمنع المصاب من العمل لبضعة ايام، او من الذهاب الى المدرسة ان كان طالبا، ويعاني معظم المصابين بهذا المرض صعوبة تكوين صداقات او الحفاظ عليها، وغالبا ما ترافق الاعراض النفسية اعراض جسدية مثل: 'العرق الشديد والخجل والارتعاد'، بالاضافة الى اعراض اخرى مثل: صعوبة النطق، الغثيان، الشعور بضيق في المعدة، الحاجة الملحة للذهاب الى دورة المياه.
تعكس هذه الاعراض المرئية الشعور الخفي بالقلق والرفض، ويعتبر مرض الخوف الاجتماعي مرضا وراثيا، وقد يصاحبه الشعور بالكآبة او الافراط في تناول الكحول.
الأسباب
عن أسباب الاصابة بالخوف الاجتماعي، ما زالت الابحاث مستمرة لمعرفتها، وتوضح بعض الابحاث دور أو تأثير تركيب صغير في الدماغ يسمى amygdala في اعراض الخوف الاجتماعي وهو جزء مركزي في الدماغ يسيطر على الخوف.
كما اوضحت بعض الدراسات التي اجريت على الحيوانات ان الخوف الاجتماعي يمكن ان يكون وراثيا. وقد قام باحثون اميركيون في المعهد الوطني للصحة العقلية أخيرا بتحديد موقع الجين الموجود في الفئران الذي يؤثر في تعلم المخاوف. ويقوم باحثون اخرون بالتحقق من تأثير البيئة في تطور الخوف الاجتماعي، فالاشخاص المصابون بالخوف الاجتماعي قد يكتسبون خوفهم من ملاحظة سلوك الاخرين ونتائج هذا السلوك، فيما يعرف بعملية 'التعلم بالملاحظة'.
الخوف من المرض
من انواع الخوف المعروفة التي تسبب ازعاجا شديدا لصاحبه وللمحيطين به هو الخوف من المرض، بعض الناس لديهم شيء من الوسوسة المرضية، اذا سمعوا عن مرض خطير او اذا تعرضوا لمصادر عدوى، وسرعان ما يتخلصوا من وساوسهم، ولكن المصاب بالخوف من المرض دائم الخوف على نفسه ودائم القلق من ان يصاب بالمرض، واي عرض يشعر به يعتقد انه بداية لمرض خطير، فأي ألم في رأسه يعني ورما في المخ، واي الم في صدره يعني ذبحة صدرية او ازمة قلبية، وما يحدث انه عندما يقلق تتضاعف الاعراض العضوية التي يشعر بها وبالتالي يزداد وهمه بأنه تعرض للخطر فعلا. ويضج الاهل والاصحاب حوله من كثرة شكواه ومخاوفه، ولكن هذا الانسان يتألم بالفعل ويعذبه خوفه ويحتاج لمن يطمئنه كل لحظة وباستمرار.
والخوف قد يكون ايضا من اشياء بسيطة ومحددة، ولكنه خوف بلا مبرر او معنى ومبالغ فيه ولا يشاركه الناس فيه، كالخوف من الحشرات والحيوانات التي لا تضر ولا يخاف منها انسان آخر.
فالبعض يشعر بعدم الارتياح لوجود قطة او كلب بجواره، ولكن هذا الشخص المريض بالخوف يصاب بالذعر والهلع والقلق الحاد اذا مرت قطة بجواره، وهو على استعداد لأن يقطع طريقا طويلا ملتويا حتى لا يمر في مكان يقف فيه كلب مثلا، وهذا النوع من الخوف يضايق صاحبه لأنه غير مبرر، ولأنه يسبب له حرجا اجتماعيا.
وقد لا يكون هناك سبب او مصدر لأي خوف، لكن تنتاب الانسان حالات من الرعب قد تسمى قلقا حادا، وتنتابه هذه الحالات وهو يجلس وحيدا او مع الناس، وهو يشاهد التلفزيون او وهو مسترخ على شاطئ البحر، اي في اي مكان وفي اي وقت دون سبب خارجي.
.. ومن الوحدة
وان كان هناك الخوف من الناس، فهناك الخوف من الوحدة فلا يشعر الانسان بالامان والطمأنينة إلا في وجود الآخرين، فيخاف التواجد في الاماكن العامة بمفرده، ويخاف من الاماكن الواسعة، ويخاف من الشارع ولا يسير وحيدا، لا يذهب الى مكان بمفرده، واذا اضطر الى ذلك ينتابه الخوف الذي يصل الى حد الذعر والعرق والارتعاش، الى جانب ضربات القلب العنيفة والاحساس بعدم الاطمئنان وانه على وشك ان يفقد وعيه، ويكون صميم مشكلته هو كيف يهرب من هذا المكان، كيف ينجو بنفسه!
انه يشعر بأنه اذا تعرض لشيء لن يستطيع الهرب من هذا المكان، وهذا هو نفس شعور من يخاف من الاماكن الضيقة والاماكن المزدحمة، والاماكن المغلقة، مثل المصعد والسيارة، فهو يخشى حين ينتابه الخوف لئلا يتعرض لشيء ولا يستطيع ان يفلت من هذا المكان، ولذلك فإن من يخاف من هذه الاماكن يشعر بارتياح اذا اطمأن انه يستطيع ان يفلت من هذا المكان وقت اللزوم، اي يستطيع ان يغادر المكان او السيارة، ويطمئن اكثر اذا كان احد افراد عائلته معه وبصحبته، حتى ان بعض الناس يجد صعوبة في الذهاب الى العمل، واذا اضطر لان يمشي خطوات بمفرده تهاجمه كل انواع القلق الحاد، وتتصاعد مشاعر الخوف التي قد تصل الى حد الذعر.
هذا الانسان يكون دائم الحزن والقلق، والضيق والتبرم ولا يرضى عن حياته، ويواجه صعوبات عائلية كثيرة، وصعوبات في عمله ما لم يفهم من حوله ماذا يعاني، وهنا تظهر اهمية الشق الاجتماعي لهذا المرض، فهو مرض له ارتباط بالناس المحيطة، الاسرة والعمل.
مواقع النشر (المفضلة)