من المعلومات التي تمر علينا ولا نتوقف عندها ما يشاع علي صلاح شخص والعكس صحيح لآخر لكن وهنا الموضوع عادي عندما يكون القول يخالف الحقيقة وقد قرأت مقالة أعجبتني واستوقفتني فذكر في ذلك مثالاً عن نيرون أنه قتل أمه وزوجته وأمر بإحراق روما ثم أخذ يعزف علي الكمان وهو يشاهدها تحترق. ولكن الحقيقة هي أن أمه قتلت علي يد أعدائه والنار شبت عفواً والكمان لم يخترع إلا بعد موته بقرون!
وكليوبترا أصبحت نموذجاً للإغراء والفسق والتهتك الأنثوي.. وحتي اليوم تصور في الكتب والأفلام الأجنبية كمثال للمرأة التي تستغل مفاتنها لتحقيق مآربها السياسية. ولكن الحقيقة هي أن كليوبترا كانت تتمتع بعقلية إدارية فذة وحافظت علي وحدة مصر حتي أثناء الاحتلال الروماني!.
وفي المقابل يورد الكاتب علي العكس تماماً مثل إضفاء المؤرخين علي قسطنطين الأول صفات القداسة وأصبح اسمه الي اليوم لا ينطق إلا مسبوقاً بلقب قديس ولكن الحقيقة هي أن قسطنطين أقسي امبراطور اضطهد المسيحيين واغتصب أمه وقتل ابنيه ولم يعتنق المسيحية إلا حفاظاً علي عرشه!
لكن لماذا يظلم التاريخ البعض ويعطي البعض الآخر أكثر مما يستحقون؟!.
لفهم هذه الظاهرة يجب أن نفهم كيف نحكم نحن البشر علي بعضنا البعض، فنحن في الواقع لا نملك الوقت ولا الرغبة في تفصيل الآخرين والنظر إليهم كخليط من الخير والشر. فنحن نطلق وبسرعة عجيبة أحكاماً متطرفة وجاهزة لا تقبل الحل الوسط ولا حتي النقاش، فهو إما صالح أو طالح، إما عظيم أو وضيع، إما عادل أو ظالم.. وحين يشتهر شخص ما يصبح محتماً الحكم عليه بهذه الطريقة سلباً أو إيجاباً وما يجعلنا نميل لهذا الجانب أو ذاك قد يكون مجرد حادثة فردية أو شائعة ملفقة ترفعه للسماء أو تخسف به للأرض وحين يحدث ذلك تأتي أجيال لاحقة لا تعرف الرجل فتتلقف الأحكام علي علاتها وتعطيها مزيداً من الرسوخ والتطرف.. ولكن بقليل من التأمل ندرك أنه ما من إنسان صالح أو طالح بشكل كامل أو نهائي وأن التاريخ ليس ما حدث بالفعل بل ما رغب المؤرخ بحدوثه ولوي الأعناق باتجاهه.
مواقع النشر (المفضلة)