ملاك

**صالح الزين** · 08-12-2006, 01:09 PM

مــلاك
ملاك ابنة الأعوام العشرة، تقف في المطبخ تصنع الشاي لوالدها محمود وشقيقها أحمد. «أحضرت الشاي وأحمد ينظر إليَّ وكأنه يراني للمرة الأولى» تقول ملاك. « أحضري لي سندوش يا ميمو» هكذا كان يدلعها.
الوالدة في غرفة النوم تقرأ القرآن، أما هلا شقيقتها الكبرى وابنتيها الصغيرتان كان قد ناموا باكراً تحسباً لسهر على أصوات القصف ليلاً.
هذا هو المشهد الأخير التي علق في مخيلة ملاك قبل أن تأوي إلى فراشها للإستسلام للنوم.
ترتفع نبرة صراخ ملاك وهي تروي تلك الصورة ويجتمع من حولها الأقارب لتهدئتها، لكنها تعود لتكمل قصتها «ما سهرت معهم، نمت بكير» «كنت حاسة حالي تعبانة». نامت ملاك وسهر الباقون حتى منتصف الليل، «يا ريتني بقيت معهم كنت كحلت عيوني بشوفتهم أكتر، كنت ودعتهم».
نامت ليلتها سكينة ولم تستيقظ إلا على صراخ جارتهم تنادي رضيعها نصر «وينك يا ماما» وما كان يرد عليها حدا.
الظلمة تعم المكان، لا صوت إلا أنين الجرحى، وصراخ ناجون من الموت. نادت ملاك أبيها، شقيقها أحمد، شقيقتها هلا «هل من يرفع الركام عني» كان جسدها الطري يغطيه الركام، لكن أحداً لم يجبها. حاولت أن تنصت لتسمع أصوات الصغيرتين هالة أبنة السنوات الثلاثة، ورقية ابنة السنة ونصف، لكن دون جدوى. ابن عمها وحده من رفعها من بين الأنقاض ونقلها إلى مكانٍ أكثر أماناً، وجدت فيه الناس نيام فخاطبتهم «انتو نايمين أو ميتين؟» لكن دون أن تتلقى جواباً على سؤالها.
تكمل ملاك ذكريات اللحظات السوداء تلك، وتقول «إن أكثر ما يحزنني أن رجال العيلة أحمد استشهد مش متل ما كان بيتمنى، كان بيتمنى يلتحق بالمقاومة، بس إسرائيل قتلتو وهو ما معو سلاح، يا ريتو راح مع الشباب، هيك كان استشهد وهو عما يعمل شي بيحبو»...
من تلك العائلة المقاومة لم تبقى سوى ملاك وحيدة، ستة شهداء هم عائلتها الصغيرة، تروي حكاية عرسهم ابنة السنوات العشر ملاك. بين نوبة بكاء وأخرى تكفكف ملاك دموعها، ترفع رأسها كمن يرفض الإستسلام لتقول «دم أهلي راح يحرر الأرض، عشان هيك أنا مش زعلانة».
تكمل ملاك «عيلتي مش بس أهلي واخوتي، كمان مراة عمي يلي لقوها مستشهدة والقرآن بين ايديها، ختمت القرآن ثلاث مرات، استشهدت وايديها بقيت متمسكة بكتاب الله». «ما شفت حدا منهم بدي شوفهم».
لم يبقى معها لم يبقى معها في مخبأها سوى ابن عمخا وعمها الذي استشهدت أيضاً زوجته وأولاده الخمسة.