لن تشفى إلا بزراعة كلية، هذا ما قاله الطبيب لحسين الشاب المتزوج منذ ستة أعوام ولديه ولد وبنت هما كل حياته يعمل من أجلهما ليلا ونهارا ويشعر بأنه مقصر بحقهما، فهو ككل الآباء يريد الأفضل لهما لكنه لم يفكر للحظة أنه سيموت قريباً ويتركهما يصارعان الحياة التي تلقى صفعتها القوية مبكراً. جلس على الكرسي يفكر ماذا يفعل؟ هل يخبر زوجته وأهله أم لا؟ فهو المعيل الوحيد للجميع لا سيما والديه فهما عجوزان ولن يحتملا الخبر، وضع رأسه بين يديه وشعر أن كل شيء ينهار من حوله.. في لحظة انقلبت حياته رأساً على عقب، وحدد لنفسه برنامجاً قصيراً أصبح باكياً حظه وحياته، دخلت زوجته الغرفة لتراه غارقاً بدموعه شهقت وقالت حسين ما بك يا حبيبي لماذا الدموع؟ نظر إليها وقال اجلسي إلى جانبي يا شريكة عمري القصير سوف أخبرك لكن قبلاً يجب أن تعديني أن تكوني قوية، قالت اشعر أن قلبي سيتوقف أخبرني ما لديك مهما يكن هل هي والدتي؟ قال لا والدتك بخير انا المريض. ضربت بيدها على صدرها وقالت بم تشعر؟ أين الألم؟ قال: في كليتي فقد توقفتا عن العمل بسبب الالتهابات فأنا لم اسافر كما أخبرتك بل كنت في المستشفى لكنني لم أشأ أن تقلقوا علي ظننته شيئاً بسيطاً ويا ليته كان كذلك.. وقع الخبر على زوجته كالصاعقة فانفجرت بالبكاء وارتمت بين ذراعيه قائلة: لا تخف يا حبيب عمري فأنا مستعدة أن أهبك كليتي وقلبي لو أردت فأنا لو فقدتك أكون فقدت حياتي كلها. أمسك يديها يقبلهما وقال بتأثر: موقفك هذا ليس بغريب ولا جديد عليك لكنني يا غالية لن اسمح بشيء كهذا فأنت يجب ان تظلي قوية ومعافاة لتربي ولدينا فالصحة تاج على رؤوسنا كما تعلمين فحافظي عليها واشكري الله دئماً أما الآن فيجب أن تنصحيني هل أخبر العجوزين أم لا، فهما لن يحتملا خبراً كهذا، فقالت لو لم تخبرهما نخاف من أن يأتي أحد من العائلة ويعلما منه عندها تكون المشكلة اكبر واخطر دعنا نقول لهما عندما نجد متبرعا، قال ماذا؟ وأين سنجده فهناك عدد كبير من المرضى أمثالي ينتظرون دورهم في المستشفيات؟ قالت: لكن هناك أولويات فإن كانت حالتك متأخرة فهم يبدّونك عن غيرك لكن ماذا لو لم يصادف أن تكون لديه الشروط المطلوبة فسوف يحولونه لآخر أليس كذلك؟ فقالت وكّل أمرك لله عزّ وجلّ فهو لا يترك أحداً وبإذنه سوف نجد حلاً المهم ألا تفقد الأمل وتيأس.
هب الجميع لمساعدة حسين عندما انتشر الخبر وتدخل بعض أهل الخير بتقديم المعونات المادية وكل الإمكانات اللازمة اذا أراد السفر للخارج لكنه فضل البقاء في الوطن مع أهله فقررت زوجته ان تخبر الجميع عن عزمها لشراء كلية وأول من أخبرتهم كانوا أصحاب البقالات لأنهم سوف يخبرون ربعهم وهم أناس فقراء سوف يبيعون أعضاءهم من أجل الحصول على مبلغ كبير، كانت تعلم أن هذا الشيء مرفوض دينياً وأخلاقياً ورفض حسين الفكرة لكنها كانت تستميت على أية فرصة تساعدها على إنقاذه.
عدنان يصغر حسين بسنوات قليلة متزوج وله ثلاث فتيات بدأت مشكلاته الصحية منذ عامين من خلال آلام حادة في ظهره وتبين بعد فحوص عدة أن هناك حصى في كليته اليمنى وبعد معاناة تم تفتيتها وارتاح لكن المفاجأة كانت عندما أخبره الطبيب بأنه حالة نادرة إذ تبين انه يملك ثلاث كلى. ضحك عدنان وقال إذا احتاج أحدكم إلى كلية فأنا لن اخسر شيئا، كان مزاحاً منه فتحول إلى حقيقة عندما اخبره احدهم عن حالة حسين الذي بدأت صحته تتدهور بشكل سريع وأصبح بحاجة ماسة إلى عملية الزرع والا فسوف يموت فلم ينتظر عدنان ولم يفكر فطلب منهم اسم المستشفى وتوجه فوراً إلى هناك لرؤية حسين حيث تعارفا والتقيا وكأنهما يتعايشان معاً منذ القدم ومع كل لقاء كان يتجدد أمل حسين بالحياة من خلال صديقه الجديد بدأت تظهر ابتسامته التي غابت عن محياه لكن الدموع كانت تطغى عليها دائماً ولم يعرف إذا كانت دموع الفرح أم الخوف من عدم نجاح الفحوص لكن وبعد أسبوع من التحاليل المخبرية وصور الأشعة وافق الطبيب على إجراء نقل الكلية مع ملاحظة أن عدنان يمتلك كليتين لا ثلاثا وأن واحدة بمجريين والأخرى بواحد لكن عدنان وبالرغم من النتيجة الصاعقة أبى أن يتراجع وأصر على إجرائها غير آبه بالنتائج، معتبراً ان سعادته ستكتمل بسعادة صديقه الجديد والذي سيتقاسم معه حياته وعندما طلب من الطبيب إجراء العملية فوجئا برفض المستشفى لأسباب عدة من بينها انه لا توجد قرابة بينهما وهذا مخالف للقواعد المتبعة في مثل هذه الحالات أو أن تكون العملية غير إنسانية أو تلحقها صبغة الاتجار بالأعضاء مما يخضع الإدارة للملاحقات القانونية فقام عدنان وأشخاص نافذون بتقديم الأوراق الثبوتية التي تتعارض مع خوف المستشفى لكن ذلك لم يغير الموقف، الأمر الذي استدعى الانتقال إلى مستشفى آخر وأجريت عملية الزرع بنجاح كبير، وأكد الطبيب الجراح أن حالة الشابين الصحية ممتازة ولا خوف عليهما وأشاد بموقف عدنان وإنسانيته وانه نموذج يحتذى، وبالرغم من آلامه المبرحة كان عدنان يبتسم ويقول لزائريه كلها أيام ويعود الاستقرار إلى كليتينا وعندما سأله احدهم الا تخاف من أن يحدث شيء معك وتتوقف كليتك عن العمل، قال له أنا إنسان مؤمن والله الذي أوصى الإنسان بأخيه هو من دفعني لمساعدة حسين وهو من سيعطيني الصحة لأقف من جديد وأكمل حياتي بسعادة مع عائلتي التي ساندتني بقراري، أما حسين فالفرحة لا تسعه وقد عاد إلى منزله معافى وحضن ولديه ووالديه ثم توجه إلى غرفته ليصلي ويشكر الله على نعمه وعلى من أنقذ حياته بعمله الإنساني الكبير وألبسه ثوب العافية من جديد فهو اصبح بالنسبة له الأخ الذي حرم منه وصدق المثل القائل “رب أخ لك لم تلده أمك”، فلا الشكر ولا المال يفي عدنان حقه لكنه سيصلي ويدعو له مع كل إشراقة فجر جديد.
مواقع النشر (المفضلة)