مما لا شك فيه ان مروج الشائعة لئيم الطبع، دنيء الهمة، مريض النفس، منحرف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، يتقاطر خسة ودناءة، قد ترسب الغل في أحشائه، فلا يستريح حتي يزيد ويرغي ويفسد ويؤذي، فتان فتاك ساع في الأرض بالفساد يؤذي البلاد والعباد. ومنذ فجر التاريخ والشائعات تنشب مخالبها في جسد العالم كله، لا سيما في أهل الإسلام يروجها ضعاف النفوس والمفوضون من أعداء الديانة.

ويتولي أعداء الاسلام عبر التاريخ -لا سيما اليهود قتل الأنبياء ونقض العهود -كبر الشائعات بغية هدم صرح الدعوة الاسلامية والنيل من أصحابها والتشكيك فيها ولم يسلم من شائعاتهم حتي الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه -فقد تعرضوا لحملة من الافتراءات والأراجيف ضد رسالتهم تظهر حينا وتحت جنح الظلام أحياناً.. ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون .

فهذا المسيح عليه السلام تشكك الشائعات المغرضة فيه وفي أمه الصديقة يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا . والكريم ابن الكريم يوسف عليه السلام نموذج من نماذج الطهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين .

والسيرة العطرة لرسول الهدي صلي الله عليه وسلم نموذج يحمل في طياته نماذج حية لتأريخ الشائعة والموقف السليم منها فقد رُميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها فرمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة وتفنن الكفار و المنافقون الذين مردوا علي النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة والاتهامات الباطلة منذ دعوته صلي الله عليه وسلم. ولعل من أشهرها قصة الإفك المبين تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات وهي تتناول بيت النبوة الطاهر وتتعرض لعرض أكرم الخلق علي الله وعرض الصديق والصديقة وصفوان بن المعطل رضي الله تعالي عنهم أجمعين وتشغل هذه الشائعة المسملين بالمدينة شهرا كاملاً.

والمجتمع الإسلامي يصطلي بنار تلك الفرية ويتعذب ضميره وتعصره الشائعة الهوجاء عصراً، ولولا عناية الله تعالي لعصفت بالأخضر واليابس حتي تدخل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة ويرسم المنهج للمسلمين عبر العصور الواجب اتخاذه عند حلول الشائعات المغرضة، لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين .

الي قوله ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين .

وان الاشاعة لها أثر كبير علي نفسية الإنسان، بل ربما يصل تأثيرها الي دين المسلم وخلقه ولها تأثير كبير كذلك علي المجتمعات بأسرها ولا أكون مبالغا اذا قلت: إن الإشاعة ربما تقيم دولاً وتسقط أخري.

وان المستقريء للتاريخ الإنساني يجد ان الشائعات وجدت حيث وجد الإنسان، بل انها عاشت وتكاثرت في أحضان كل الحضارات ومنذ فجر التاريخ، والشائعة تمثل مصدر قلق في البناء الاجتماعي والانتماء الحضاري الي كل الشعوب والبيئات.