أما سمعتم بنعيمان؟
جاء اعرابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد وأناخ راحلته بفنائه، فقال بعض الصحابة لنعيمان وكان مذاحا ضحاكا خفيف الظل:
لو نحرتها فأكلناها، فإنا قد اشتقنا الى اللحم، ويغرم النبي صلى الله عليه وسلم ثمنها. فنحرها نعيمان. وخرج الاعرابي فرأى راحلته منحورة فصاح: واعقراه يا محمد. فخرج النبي عليه السلام فقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان. فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عنه فوجده قد اختبأ في خندق وجعل عليه الجريد، فأشار اليه رجل ورفع صوته:
ما رأيته يا رسول الله. فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعفر وجهه بالتراب، وسأله:
ما حملك على ما صنعت؟ قال:
الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين اشاروا علي. فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عن وجهه التراب ويضحك، ثم غرم صلى الله عليه وسلم ثمن الراحلة.
وكان نعيمان اذا رأى طرفة اشتراها في ذمته ثم جاء بها الى النبي عليه السلام وقال له: يا رسول الله هذه هدية. فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنها، جاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:
أعط هذا ثمن ما جئت به اليك، فيضحك عليه السلام ويقول:
أو لم تهد اليّ؟ فيقول:
يا رسول الله، لم يكن عندي ثمنه، واحببت ان يكون لك، فيأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحب الشيء بثمنه.
وحدث ان خرج ابو بكر في تجارة الى بصرى بعد ان استقر الاسلام في مكة ومعه نعيمان وسويبط بن سعد بن حرملة، وكان هو الآخر مزاحا يفرط في الدعابة، وكان نعيمان على الزاد، فقال له سويبط: اطعمني. قال: لا. حتى يعود ابو بكر فيأذن لي، قال: اطعمني فإني جائع. قال:
حتى يأذن لي ابو بكر وليس قبل ذلك.
لكني قد أموت من الجوع قبل ان يأتي ابو بكر.
فلتمت.
هكذا اذن. والله لاغيظنك.
فمروا بقوم فقال لهم سويبط:
تشترون مني عبدا؟ وكان نعيمان أسود اللون، قالوا:
نعم. قال: انه عبد فصيح اللسان ذو قول ومنطق، وهو قائل لكم إني حر ولست بعبد وانها دعابة فاتركوني. فإن كنتم اذا قال لكم ذلك تاركيه، فلا حاجة بي لبيعكم اياه، لا تفسدوا عبدي علي.
قالوا: لا تخف، فما نحن بتاركيه ولو قال وتقول. فاشتروه منه بعشر قلائص أدوها اليه، وجاؤوا فوضعوا في عنقه حبلا، فقال نعيمان الذي طالما اضحك الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه:
دعوني فإن هذا يستهزئ بكم واني حر ولست بعبد، اني نعيمان، أما سمعتم بنعيمان؟
بلى. لقد سمعنا وعندنا من خبره الكثير. فتعال واصمت، وإلا الهبنا ظهرك بالسياط. واخذوه وانطلقوا به وهو يصيح ويستغيث.
وجاء ابو بكر رضي الله عنه فسأل عن نعيمان حين لم يره، فقال سويبط: لقد بعته.
بعته؟
نعم. وبعشر قلائص. وقص عليه الخبر، فضحك ابو بكر واتبعهم فرد عليهم القلائص وعاد بنعيمان ليعود الى دعاباته من جديد.
مواقع النشر (المفضلة)