آداب زيارة المسجد النبوي الشريف
تسن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، في كل وقت، سواء كان ذلك قبل الحج أو بعده، وفيه تضاعف أجور الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا”.
وليست زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من تمام الحج، فالحج صحيح إن شاء الله تعالى، عند توافر شروطه وأركانه على ما شرع الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنها سنة مستحبة يحصل الانسان فيها أجر الصلاة في المسجد النبوي، إذا وصلت إلى المسجد النبوي، فاستشعر أنك في بيت من بيوت الله عظيم، وفي بقعة طاهرة وإلى الله محببة، فإن أحب البيوت إلى الله في الأرض المساجد، فتأدب بآداب الدخول إلى المسجد، فقدم رجلك اليمنى عند الدخول، وقل “بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك”.
وليس لدخول المسجد النبوي دعاء أو ذكر مخصوص يميزه عن سائر المساجد. فإذا دخلت فصل أولاً ركعتين، وبادر بهما، ولا تقدم زيارة القبر الشريف عليهما، وادع فيهما بما أحببت من خيري الدنيا والآخرة.
والأفضل أن تصليهما في الروضة الشريف، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة”.
فإذا فرغت من الصلاة، فالسنة لك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعند ما يفعل المسلم ذلك فإنه يقف تجاه القبر الشريف بأدب عظيم وخفض صوت، ثم يسلم عليه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، قائلا: “السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته”.
وفي الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أحد يسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام”.
ولا بأس أن يقول: “السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده” فهذه كلها من أوصافه صلى الله عليه وسلم، فلا بأس من قولها. ثم يصلي عليه، صلى الله عليه وسلم، ويدعو له، لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه، عملاً بقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً”. ثم بعد ذلك يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويدعو لهما، كما كان يفعل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
لا تفعل هذا
ولا يجوز أن يتمسح بالحجرة التي تضم قبره الشريف صلى الله عليه وسلم وجسده الطاهر وقبري صاحبيه، رضوان الله تعالى عليهما، ولا يجوز تقبيلها، أو الطواف بها، لأن ذلك كله لم ينقل عن أحد من السلف الصالح رحمهم الله، وهم أشد حرصاً على الدين وأكثر محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولئن زعم بعض الناس جهلاً ان مقتضى حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان يفعلوا ذلك، فإنه لزعم خاطىء، فإن الحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم انما يكون بطاعته واتباع سنته، والوقوف عند ما شرعه لنا عن ربه تبارك وتعالى.
وقد جعل الله تعالى اتباع نبيه وموافقة أمره سبيلاً لحب الله تعالى للعبد، ودليلاً على الايمان وعلى المحبة فقال تعالى: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”.
ولا يجوز أن يسأل أحداً تفريج كربة أو شفاء مريض أو غير ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، لأن هذا لا يطلب إلا منه وحده، وطلبه من غير الله تعالى لون من ألوان الشرك، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك، وحذر من اتخاذ القبور عيداً، ولما كان قبره عليه الصلاة والسلام يمكن ان يقع بعض الجهال في اتخاذه عيداً فقد خصه بالذكر عند التحذير، فقال: “لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم.
ويسن للزائر ان يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وان يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة، اغتناماً لما في ذلك من الأجر الجزيل.
ويستحب ان يكثر من النافلة في الروضة الشريفة، أما الفريضة فليحرص على الصف الأول أو الصفوف الأول، وعلى ميامن الصف، عند أدائها، لما جاء من الأحاديث في فضل ذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: “لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا أن يستهموا عليه لاستهموا”.
ويستحب أيضا للزائر: أن يأتي مسجد قباء فيصلي فيه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكباً وماشياً، ويصلي فيه، وقال عليه الصلاة والسلام: “من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة”.
زيارة البقيع
ويسن أيضا زيارة قبور البقيع، وقبور الشهداء وقبر حمزة، على الطريقة الشرعية التي سنها لنا النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول عند زيارة القبور: “السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية”.
وهذه الزيارة للقبور يقصد منها تذكر الآخرة، وتذكر هادم اللذات، الموت، والاحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم.
ولا تجوز زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم أو العكوف عندها، أو طلب قضاء الحاجات منهم، أو طلب شفاء المرضى.. وما شابه ذلك، مما يفعله بعض الناس جهلاً بالدين، وجهلاً بآداب زيارة القبور، وتكون زيارة القبور للرجال دون النساء، فقد جاء النهي لهن عن ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: “لعن الله زائرات القبور”. وإذا كان المسلم يحذر البدعة دائماً، وينفر منها، لأنها تميت السنة، وتغلق أبواب الرحمة أمام العبد، فإنه هنا يجب أن يكون أشد حذراً، ولذلك نبه العلماء على هذه البدع التي قد يقع فيها بعض الناس عند زيارة القبور بعامة، وعند زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك: أن يلتزم هيئة معينة ودعاء معينة عند زيارة القبر الشريف.
ومنه: رفع الصوت في المسجد النبوي، لأن ذلك يخالف الأمر الإلهي بوجوب غض الصوت عنده صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. ان الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى. لهم مغفرة وأجر عظيم”.
ومن ذلك أيضا: الخروج من المسجد النبوي القهقري رجوعاً إلى الخلف. وكذلك: تخصيص يوم معين لزيارة شهداء أحد.. وغير ذلك من البدع التي نبه عليها العلماء لمخالفتها للمشروع في زيارة المسجد النبوي، ولعدم الدليل الشرعي على صحتها ومشروعيتها.
مواقع النشر (المفضلة)