لا خلاف بين الفقهاء على مشروعية العق عن الولد، ذكرا كان أو أنثى، وأن المستحب أن يعق عنه يوم السابع من ولادته، ويسمى في هذا اليوم باسم حسن، ويحلق شعر رأسه ويتصدق بزنة شعره فضة، لما روي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه وتحلق رأسه”، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها لما ولدت الحسن رضي الله عنه أن تحلق شعر رأسه وأن تتصدق بزنته فضة، وقد فعلت ذلك حين ولدت حسينا رضي الله عنه، وقد اختلف الفقهاء في حكم من لم يعق عنه صغيرا، هل يعق عن نفسه كبيرا أم لا؟ على فريقين: الفريق الأول يرى أن من لم يعق عنه صغيرا، فله أن يعق عن نفسه إذا بلغ، وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومحمد بن سيرين، وهو مذهب الشافعية وبعض الحنابلة، وإليه ذهب الظاهرية، لما رواه قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد ما جاءته النبوة”، حيث أفاد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة، وقد كانت سنه إذ ذاك أربعين سنة، فإن كان قد عق عنه عند ولادته صلى الله عليه وسلم أو لم يعق عنه، فقد دل فعله صلى الله عليه وسلم على جواز عق الكبير عن نفسه إن لم يُعق عنه صغيرا، ولأنه يشرع لمن لم يعق عنه في صغره أن يعق عن نفسه إذا بلغ، قياسا على مشروعية فكاك نفسه من الرق، ولأن الولد مرتهن بعقيقته، فيشرع له فكاك نفسه من هذا الرهن بالعقيقة، ولأن العقيقة قد شرعت عن الولد فكان له أن يعق عن نفسه إن لم يعق عنه في صغره، ولأنه يشرع له أن يعق عن نفسه بعد بلوغه، تداركا لما فات من عدم العق عنه في حال الصغر، وأما الفريق الثاني: فيرى أن من لم يعق عنه صغيرا، فليس له أن يعق عن نفسه بعد إذا بلغ الحلم واكتسب ما يعق به عن نفسه، وهو ما عليه مذهب المالكية والحنابلة، لما روي عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى”، (ومعنى: أهريقوا: أي أريقوا، ومعنى: أميطوا عنه الأذى: أي أزيلوا عنه الأذى، والمقصود بالأذى هو شعر رأسه كما قال الفقهاء)، كما استدلوا بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: “سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: لا أحب العقوق، ومن ولد له ولد فأحب أن ينسك له فليفعل”، فإن المخاطب في هذين الحديثين وغيرهما غير من يعق عنه، فأفادت أن سنة العقيقة إنما يخاطب بها غيره، وهو الأب، فدلت الأحاديث على أنه لا يشرع لمن لم يعق عنه في صغره أن يعق عن نفسه إذا بلغ، ولأن العقيقة شرعت في حق الأب أن يفعلها عن ولده، فلا يفعلها غير الأب، سواء كان هو الوالد أو الأجنبي الذي ليس له القيام بها عن ولد غيره، وذلك قياسا على صدقة الفطر التي لا يخرجها إلا من وجبت عليه، إلا أن الذي تركن النفس إليه من المذهبين بعد الوقوف على أدلتهما- هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول من أن لمن لم يعق عنه صغيرا أن يعق عن نفسه إذا بلغ الحلم وكان له ما يعق به عن نفسه، لما استدلوا بها على مذهبهم، ولأن العقيقة إنما خوطب به من ولد له أو من تلزمه نفقة الولد، لأن الولد لا يستطيع أن يستقل بأمر نفسه في هذه السن الصغيرة، ولذا فلا يمكنه أن يعق عن نفسه، فخوطب بها من يمكنه العق عن الولد، وهو من تلزمه نفقته، ولذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بها في الأحاديث، إلى من يتولى أمر الصغير ويمكنه العق عنه، وإذا شرعت العقيقة شكرا لله تعالى على نعمة الولد، فإن هذا الشكر يخاطب به الولد كذلك أن أنعم الله تعالى عليه بنعمة الخلق، ومن ثم فإن لم يعق عنه في صغره للعجز عن العق عنه، أو لتنكب الوالد عن شرع الله تعالى في العقيقة، فإن الولد لا ينبغي أن يمنع من شكر الله تعالى على ما أنعم به عليه.