من الخطأ الكبير الظن أن البخل هو بخل الجيوب وإنما البخل هو بخل القلوب ، فالجيوب الخاوية قد تمتلئ بالمال ذات يوم، وأما القلوب الخاوية فمن الصعب أن تمتلئ بالمشاعر والأحاسيس إلا من رحم ربي، فقلوب بعض أبناء البشر اعتادت البخل واتخذته منهج حياة تـحيا به .. يتعمَّد بعض أصحاب تلك القلوب أن يهديك الألم دون أن يتوقف مع نفسه لحظة ليتخيَّل ردَّة فعلك عند مباغتة الألم .

القلب الغني الكريم هو القلب السليم الذي يحمله الإنسان بكل جوارحه وتتفجر منه معاني الرقة، واللين، والعطاء، والرحمة، والمؤانسة، وتنبت فيه كل مساحة للاخضرار، وإذا ما هطلت عليها أمطار عواطف الآخرين بادر بالتفاعل معها، مشاركتها، وألفتها فتتكسر عليه كل مشاعر الفظاظة، والغلظة، والقسوة، أما القلب غير السليم ، ذلك القلب المريض فتتخثر فيه كل دماء القسوة والغلظة، وتتعثر فيه كل الأنفاس، وينغلق في وجه كل جمال، وود، وعواطف، وتسامح .. ليس كل قلب ينبض هو يشعر ولكن كل قلب يشعر فهو ينبض

حين تسلم وتصح قلوب الأفراد يسلم المجتمع من سوء الأخلاق، وسوء التعامل، ويكون مجتمعا نقيا، وايجابيا، وسخيا .. وحقيقة يعتبر مجتمعنا بصبغته الإسلامية، وفطرته الإيمانية مجتمعا ممتزجا ومتخالطا وذلك بسبب اتساع رقعة الوطن، وتشعب، وتعدد الأنساب، وتنوع القلوب فبعض القلوب في مجتمعنا قلوب بخيلة ممتلئة ببعض الآفات من حسد وحقد وغلظة فكم من الأخبار نسمع هنا وهناك عن شواهد لبخل القلوب بين أفراد الأسرة الواحدة وانظروا إلى بعض الأسر وما يحدث فيها بين الإخوان وبين الولد وأبيه أو أخيه أحيانا، بين الأصدقاء، بين الأزواج وانظروا إلى نسب الطلاق، بين الأقارب وانظروا إلى ما يحصل من تجافٍ بأسباب، ومبررات واهية، في محيط العمل وانظروا إلى علاقات بعض الموظفين فيما بينهم ومع رؤسائهم، في أجواء التجارة وانظروا إلى ما يحدث في أسواق بيع السيارات، والأسهم، والمنافسات التجارية انظروا هنا وهناك مجتمعنا المكرم بنعمة الدين، والتام بنعمة الإيمان يحدث فيه الكثير من البخل وأشد أنواع البخل، بخل القلوب صار مبدأ التجاوز عن أخطاء الآخرين مبدأ مستهلكا ومنصهرا في غلظة القلب، وأصبح مبدأ العفو منسيا، وأمسى مبدأ التسامح مرفوضا، وأضحت مشاعر الغيظ، والانتقام وكثير من الحقد متفشيا في بعض المجتمع .

القلب السليم لا يعني الكلام المرتب، ولا اللسان المعسول، ولا الكلمة الصفراء، أو تلك المجاملة الفارغة بل يعني حديث وتصديق لسان معسول وقلب مطمئن بما يحدّث اللسان أو يقول الإنسان، كم من الناس من تجده لبقا في أحاديثه وقلبه غير سليم خصوصا من يطول لقاؤنا واجتماعنا وتعاملنا معهم .. يقول الله (عز وجل) في سورة البقرة آية:204 : ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)) وكم من الناس من يشعرنا بالطمأنينة المؤقتة ويمدنا ببراهين وده، ويطعمنا من معسول حديثه، وفجأة تجد بخل قلبه، ومرض صدره يتفجر عند أول موقف جاد، وعند أول محك، وعند أول خطأ أو سوء فهم أو اختلاف أو فزعة، تجده يتلاشى من أمامك ويتطاير كل جميل قد قاله .. هذا هو بخل القلوب حقا فأغناها ما يكون وقت الحاجة للتجاوز والوقوف والتنفيس، فلننظر في قلوبنا إن كانت كريمة وسليمة أو بخيلة وسنكتشف ذلك في مواقف الجد والحاجة.