الطواف سنة الله في الكون
تدور الأرض حول الشمس مرة كل عام، ويدور القمر حول الأرض كل شهر عربي وتتكرر دورات القمر حتى يأتي شهر ذي الحجة من كل عام ويذهب المسلمون إلى مكة ليقوموا بمناسك الحج ومن بينها الدوران أي الطواف حول الكعبة الذي يعتبر من أهم شعائر الحج والعمرة، والكعبة التي جعلها الله مطافا في الحج هي رمز لتوحيد الله ووحدة المؤمنين فهي قبلة المسلمين في الصلاة أينما كانوا. والطواف حول الكعبة أمر تعبدي يعجز معظم الناس عن إدراك حكمته، ولهذا أردت أن أوضح طبقا لحقائق العلم الحديث أن الطواف رمز عظيم لسر عظيم هو ظاهرة الدوران الشائعة في هذا الكون من الذرة إلى المجرة مما يفتح لنا نحن المسلمين أفقا شاسعا من التفكير في حكمة الطواف، ويجعلنا ندرك وحدة النظام في الكون كدليل علمي على وحدانية الله يدخل باليقين والإيمان على نفوسنا ويغزو بالإقناع عقول الملحدين.
يقول الحق سبحانه وتعالى: “وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود * وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق” (الحج: 26 27). فالكعبة المشرفة هي رمز لبيت الله وما نزل الحجر الأسود من السماء إلا ليكون الحجر الأول ونقطة التميز في هذا البناء الذي عنده تكون البيعة لرب الأرض والسماء على الإيمان والإسلام فتتوحد بذلك قلوب المسلمين من جميع أنحاء الأرض، وكما أن الكعبة هي قبلة المسلمين في الصلاة أينما كانوا فإنها رمز قائم خال لأسمى معاني الإنسانية والأخوة بين البشر جميعا مصداقا لقوله تعالى: “وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا” (البقرة: 125) ولقد أثبتت الدراسات المتعددة ومنها دراسة الدكتور حسين كمال الدين رئيس قسم هندسة المساحة في جامعة الرياض “أن مكة هي مركز اليابسة على سطح الكرة الأرضية وهي تقع في المركز، وكذلك قام الدكتور روبرت كولمان من جامعة ستانفورد في أمريكا بدراسة مركز جذب الأرض والتقاء الإشعاعات الكونية للجاذبية على سطح الأرض (مركز التجمع الإشعاعي للتجاذب المغناطيسي) فوجدها تلتقي في نقطة على سطح الأرض تمثل مركز جذب الأرض في مركزها، وعندما أراد معرفة الموقع الجغرافي لهذه المنطقة وجد أنها مكة المكرمة، فإن مكة المكرمة التي يقع في وسطها المسجد الحرام والكعبة المشرفة هي مركز القارات السبع “اليابسة” أولا، وكذلك نقطة التقاء وتجمع الأشعة التجاذبية المغناطيسية ثانيا، لذلك وصفها الله عز وجل في كتابه بأنها: أم القرى “وأم الشيء هي وسطه وقلبه وأساسه وذلك في قوله تعالى: “وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها...” (الشورى: 7).
وهكذا اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون الكعبة المشرفة في المسجد الحرام “أول بيت وضع للناس” وأن تكون قبلة المسلمين في كل مكان.
وبالنسبة للطواف حول الكعبة عكس اتجاه عقرب الساعة ففيه إشارة واتفاق مع حركة الكون جميعا، حيث إن الكون من الذرة إلى المجرة بهذا الاتجاه، والدوران ظاهرة كونية تشمل كل شيء، فالأرض تدور في فلك خاص بها حول الشمس مرة كل عام، والقمر يدور في فلك خاص به حول الأرض مرة كل شهر عربي، كما أن الكواكب الأخرى تدور في أفلاك خاصة بها حول الشمس، ومعظم هذه الكواكب لها أقمار تدور حولها، وقد اكتشف العلماء منها أكثر من ستين قمرا حتى الآن. والمجموعة الشمسية التي ينتمي إليها كوكب الأرض تدور حول مركز مجرة “الطريق اللبني” أو “درب التبانة” وهي تحتوي على نحو 130 بليون نجم، ومجموعة المجرات الكونية تدور جميعا حول مركز لا يعلمه إلا الله وحده، وكأننا بهذا التصور العلمي لهيئة الكون نلفت الأنظار إلى الحركة الدورانية أو الطواف كسنة كونية تتجلى في الخلق كله.
وإذا انتقلنا إلى عالم المتناهيات في الصغر نجد أن الذرة التي لم يرها أحد بالعين المجردة لبلوغها من الصغر غاية تجعل رؤيتها مستحيلة نجد أنها تتكون من نواة موجبة واليكترونات سالبة، ونظرا للجذب الكهربائي بينهما فإن فاطر الفطرة وخالق الذرة سبحانه وتعالى قضى للمادة الوجود ومنع انزلاق الإليكترون نحو النواة بأن جعله في مداره، وبهذا فإن جميع الذرات في هذا الكون تعمل فيها ظاهرة الطواف حيث تدور الالكترونات حول نواة كل ذرة من ذرات العناصر الموجودة في الأرض أو في السماء أو ما بينهما، وبهذا فإن الحجر ليس ساكنا ولكنه يحتوي على بلايين الذرات التي تعمل فيها ظاهرة الطواف، كما أن أجسامنا وطعامنا وشرابنا والهواء الذي نستنشقه والنبات والحيوان وكل شيء مادي على الأرض من جبال وبحار ورمال، أو في السماء من نجوم وكواكب وأقمار أو بين السماء من غاز كوني ونيازك وشهب ومذنبات يتكون من ذرات تطوف بداخلها الإلكترونات. وهكذا يتعدد الطائفون سواء في حالة الإلكترونات حول نواة الذرة، أو حالة الكواكب حول الشمس، أو الأقمار حول الكواكب، أو النجوم حول مراكز المجرات، أو مجرات حول مركز لا نعرفه فالكل في هذا الكون يطوف “وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون” (الانبياء: 33) إن الطواف سلوك كوني يشير إلى مظاهر الوحدة والتماثل بين التكاليف الشرعية ونواميس الظواهر الكونية، ولهذا كان شعار التلبية في الحج أثناء الطواف حول الكعبة هو النداء الناطق بالتوحيد “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”.
مواقع النشر (المفضلة)