"كل المسلم على المسلم حرام"
كرم الله عز وجل الإنسان أعظم التكريم، قال تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” (الإسراء 70)، ومن مظاهر هذا التكريم ان خلقهم في أحسن تقويم، ورزقهم من الطيبات بما تقر به عيونهم، وتطيب به نفوسهم، وأرسل لهم الرسل، وأنزل الكتب، ليرشدهم الى ما فيه فلاحهم وسعادتهم، وكان مما دلهم عليه، وأكد لهم على اهميته حرمة النفس الانسانية فقال جل في علاه: “من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” (المائدة32) ولا شيء أبلغ في بيان حرمة النفس البشرية، وعدم جواز التعرض لها بالقتل والإيذاء من هذا التعبير، حيث جعل الله عز وجل الاعتداء على نفس واحدة كأنه اعتداء على البشرية جمعاء، تشنيعاً على من يفعل ذلك، وزجرا لأفراد المجتمع عن اللجوء اليه في معاملاتهم، ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم سوء التعرض للنفس بالقتل دون مبرر لذلك وعاقبته الوخيمة بقوله: “لا تُقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل”.
ولا يتصور من مؤمن يحب الله عز وجل، ويطبق شرعه ان يقدم على قتل نفس مؤمنة، قال الله تعالى: “وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمناً إلا خطأ” (النساء/92) ومن اقترف هذا الذنب العظيم فإن الله سبحانه وتعالى توعده بجزاء يرجف له القلب ويقشعر منه البدن قال سبحانه: “ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما” (النساء/93)، ولقد وردت نصوص كثيرة في حرمة المسلم، وعدم جواز إيذائه بأي نوع من أنواع الإيذاء.
في يوم من أيام ذي الحجة الحرام، وقف النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه خطيبا وسألهم: أي شهر هذا؟ فقال الصحابة رضوان الله عليهم: الله ورسوله أعلم. والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعلمون انه شهر ذي الحجة، ولكنه أراد ان يلفت انتباههم الى أمر مهم سيذكره لهم. وبعد السؤال سكت النبي صلى الله عيه وسلم سكتة طالت حتى ظن الصحابة انه سيسمي الشهر بغير اسمه ثم قال صلى الله عليه وسلم: “أليس ذي الحجة؟” قالوا: “بلى”. قال صلى الله عليه وسلم: “فأي بلد هذا؟” قالوا: الله ورسوله أعلم. فسكت سكتة ظنوا معها انه سيسميه بغير اسمه قال: “أليس البلدة الحرام؟” قالوا: “بلى”. قال صلى الله عليه وسلم: “فأي يوم هذا؟” فقالوا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظنوا انه سيسميه بغير اسمه قال: “أليس يوم النحر؟” قالوا: “بلى” كل هذا منه صلى الله عليه وسلم لاستحضار هممهم وجذب انتباههم لأن ما سيذكره لهم من الاهمية بمكان بحيث يستدعي كل هذه المنبهات الذهنية، والمنشطات الفكرية ثم قال صلى الله عليه وسلم: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن اموالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض..”
ما اعظمها وصية من نبي عظيم، حملت معها الشيء الكثير من وسائل إيقاظ الفكر، وتنبيه الشعور، وتحريك الوجدان، لتأكيد امر طالما أكدته الشريعة وهو تحريم اعتداء المسلم على اخيه المسلم بأي شكل من اشكال الاعتداء سواء كان الاعتداء ماديا أم معنويا، على شخصه أو ممتلكاته بل إن الشريعة حذرت من مجرد ارادة الشر له أو جرح شعوره بكلمة أو فعل يؤذيه فقد قال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وعندما قال أحد الصحابة لأخيه: يا ابن السوداء، عاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وبين له ان هذا من خصال الجاهلية التي لا تليق بالمسلمين فقال صلى الله عليه وسلم: “أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية اخوانكم خولكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم” بل إن النبي صلى الله عليم وسلم نهى المسلم عن الإشارة لأخيه بالسلاح فقال صلى الله عليه وسلم: “لا يشير أحدكم الى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري احدكم لعل الشيطان ينزع من يده فيقع في حفرة من النار”.
وفي رواية عند الترمذي قال: “من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة”، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم في اسلوب رائع على سلوك ضروب السلامة، والبعد عن كل ما يؤدي الى القتال عندما قال صلى الله عليه وسلم: “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار” قال راوي الحديث: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: “إنه كان حريصا على قتل صاحبه” والمتأمل لهذا الحديث الشريف يجد فيه رادعا قويا عن كل اشكال الشحن والتصعيد المؤدية للتقاتل، ومن اجل ذلك كان حجة قوية للممسكين عن القتال في زمن الفتنة، والآيات والأحاديث التي تحض المسلمين على الألفة والاتفاق، ونبذ البغض والافتراق، فضلا عن التناحر والاقتتال كثيرة جداً وحسبي من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم”. فيكفي المرء من خلال الشر، ومساوئ الاخلاق ليحسب شريرا سيئ الخلق ان يحقر أخاه المسلم، لا ان يقتله، أو يأخذ ماله، أو يعتدي على عرضه أو يتخلى عنه.
ولقد استوعب الصحابة هذا الأمر (حرمة المسلم) فعبر عن ذلك تلميذ النبوة النجيب عبدالله بن عمر رضي الله عنه عندما نظر الى الكعبة يوما فقال: “ما اعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن اعظم حرمة منك”. وتثبت هذه الحرمة للمسلم بمجرد نطقه للشهادتين، روى الإمام مسلم في صحيحه عن اسامة بن زيد رضي الله عنه قال: “بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحُرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت انا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: “يا اسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟” قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت اني لم أكن اسلمت قبل ذلك اليوم، فظلم المسلم وترويعه أو السخرية منه والكذب عليه، وغشه لا يجوز بحال من الأحوال فضلا عن سفك دمه أو الاعتداء على ماله وعرضه أو خذلانه، والنصوص في ذلك كثيرة وفي نص واحد مما ذكرت كفاية لعقول تعي وقلوب تفقه ولا أملك إلا ان أنادي مع من نادى “ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم، ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين” (الأحقاف/32 33).
11ك الله كل خيـــــــــــــــــــر,,,
مواقع النشر (المفضلة)